اخر الاخبار

شهد سعر صرف الدولار في العراق تقلبات مستمرة، مدفوعًا بجملة من العوامل الاقتصادية والسياسية، أبرزها القيود الأمريكية على التحويلات المالية وتهريب العملة إلى دول الجوار. رغم محاولات البنك المركزي السيطرة على السوق عبر ضخ الدولار، إلا أن الفجوة بين السعر الرسمي والموازي لا تزال قائمة، ما يثير مخاوف من استمرار الأزمة. في ظل هذه التطورات، تتباين وجهات النظر حول استقرار القطاع النقدي والسياسات المطلوبة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية.

مشاكل في التوزيع

يقول الاكاديمي نوار السعدي أن "أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في ارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي هو استمرار القيود الأمريكية المفروضة على تدفقات الدولار إلى العراق"، حيث أوضح أن "وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت إجراءات رقابية على التحويلات المالية، ما يجعل الحصول على الدولار أكثر تعقيدًا. هذه القيود جعلت المصارف العراقية مضطرة للامتثال لإجراءات تدقيقية صارمة، وهو ما أدى إلى تقليل المعروض من الدولار في السوق الرسمي".

وأضاف السعدي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هناك زيادة مستمرة في الطلب على الدولار، لا سيما من قبل التجار والمستوردين الذين يحتاجون إلى العملة الصعبة لتغطية تعاملاتهم التجارية الخارجية. هذه الحاجة المستمرة دفعتهم للجوء إلى السوق الموازي، حيث تكون الأسعار أعلى بكثير من السعر الرسمي".

ولم تقتصر المشكلة على السوق المحلي فقط، بل أشار السعدي إلى ظاهرة تهريب الدولار إلى دول الجوار، خصوصًا إلى دول تعاني من عقوبات دولية، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على سوق الصرف العراقي.

وقال السعدي إن جزءًا كبيرًا من الدولارات المتاحة يتم تهريبه بدلًا من أن يبقى في السوق المحلي، ما يعمّق الأزمة.

وعن الإجراءات المتبعة من قبل البنك المركزي العراقي، أوضح السعدي، أن "البنك قام بضخ كميات كبيرة من الدولار من خلال نافذة بيع العملة، ولكن المشكلة لا تكمن فقط في توفر العملة، بل في آلية توزيعها وضمان وصولها إلى الجهات التي تحتاج إليها فعلًا.

وأكد ضرورة تحسين كفاءة النظام المصرفي العراقي وتسريع إجراءات التحويلات المالية المشروعة دون تعقيدات بيروقراطية.

وفي ختام تحليله، أكد السعدي أن "المشكلة الاقتصادية الحالية لا تقتصر على الجوانب النقدية، بل تشمل تحديات هيكلية أكبر. وأوصى بضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، من بينها تقليل الاعتماد على الدولار وتعزيز الإنتاج المحلي". وأشار إلى أن "استمرار الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي قد يظل يفاقم الوضع، مما يترك التوقعات بارتفاع الدولار مقابل الدينار العراقي قائمة في ظل الظروف الحالية".

عضو اللجنة المالية النيابية حسين مؤنس ذكر  في حديث لبرنامج المقاربة  إن "القضايا الكمالية تأخذ الكثير من أموال الموازنة التشغيلية"، مشددا على ضرورة أن "نخفض الموازنة للعام الحالي 2025".

وأضاف مؤنس، أن "كل 20 بالشهر تدخل وزارة المالية في إنذار لتوفير الرواتب، من أصل 9 تريليونات دينار ضرائب سنوياً نحصل فقط على 3 تريليون، وأن يوميًا يتم تحويل 250 مليون دولار ولا نحصل على ضرائب تساويها".

وبين: "لا توجد خطة واضحة إذا انخفض سعر النفط وسنواجه مشكلة كبيرة"، مؤكداً "إذا واجهنا أزمة مالية قد يتم اللجوء لرفع سعر الصرف مجدداً".

لا تفكير في التكيف النقدي

من جانبه، أكد د. مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء، أن "الحكومة لا تفكر حاليًا في تعديل معادلة سعر الصرف أو ما يُسمى "التكيف النقدي".

في حديث له مع "طريق الشعب" رد صالح على التعليق النيابي وقال أن "هذه التكهنات لا أساس لها في السياسة النقدية الحالية"، مؤكداً أن القطاع النقدي في العراق مستقر بشكل عام. وأضاف أن استقرار الوضع الاقتصادي يعود إلى الاحتياطيات الأجنبية العالية التي يمتلكها البنك المركزي العراقي، حيث تتجاوز نسبة تغطية الدولار إلى الدينار 100 في المائة. هذه الاحتياطيات القوية توفر استقرارًا في السوق العراقي، وتجعل من السوق السوداء للعملة، التي تشهد فارقًا بنسبة تغيير تقارب 13 في المائة عن السعر الرسمي، غير مؤثرة في تحديد القيمة الخارجية للنقود.

وأوضح مستشار رئيس الوزراء أن "وظيفة الاحتياطي الأجنبي تكمن في التحكم بمستوى السيولة بالدينار العراقي من خلال عمليات السوق المفتوحة، وهي إحدى وظائف السياسة النقدية. حيث يلبي البنك المركزي الطلب المحلي على الدولار بنسبة تزيد عن 95 في المائة من احتياجات السوق، بسعر صرف يبلغ 1320 دينارًا لكل دولار".

وأضاف صالح، أن "السياسة المالية تمتلك أدواتها الخاصة لضبط النفقات وتعظيم الإيرادات دون التأثير على استقرار الاقتصاد الكلي"، كما شدد على أن "اللجوء إلى تمويل العجز عن طريق التضخم (الضرائب التضخمية) يعد من أسوأ سياسات التمويل، لما تسببه من اضطرابات سعرية وآثار سلبية على القوة الشرائية للموازنة والدخل النقدي للمواطنين".

إجراءات حكومية غير نافعة

وذكر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية والبنك المركزي خلال الفترة الماضية لم تكن كافية لتحقيق الاستقرار في سعر صرف الدولار، مشيرًا إلى أن الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي لا تزال تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.

وقال الهاشمي لـ "طريق الشعب"، انه "خلال السنة ونصف الماضية، أثبتت الحكومة والبنك المركزي العراقي قصورًا في الوصول إلى السعر المستهدف البالغ 1300 دينار لكل دولار، ما تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة".

وأضاف الهاشمي، أن "النظام المالي العراقي يعتمد على أربعة إلى خمسة مصارف فقط في عمليات التحويل الخارجي عبر نظام تعزيز الأرصدة باستخدام البنوك المراسلة الأجنبية، وهو ما وصفه بأنه “عنق زجاجة يهدد استقرار الأسواق".

وتابع: "قلة عدد المصارف التي تنفذ التحويلات الخارجية يؤدي إلى انخفاض حجم الدينار الذي تحصل عليه الحكومة لتغطية الرواتب والإعانات، كما يؤدي إلى تراجع عرض الدولار، مما يدفع التجار إلى البحث عنه في السوق الموازي، وبالتالي ارتفاع سعره".

وأشار الهاشمي إلى أن الحلول الممكنة تكمن في توسيع قاعدة المصارف القادرة على تنفيذ التحويلات الخارجية، منتقدًا ضعف خطوات البنك المركزي وفي هذا الجانب، حيث قال: "البنك المركزي لم يتخذ الإجراءات اللازمة بالسرعة المطلوبة، وهذا سيؤدي إلى استمرار أزمة سعر الصرف".

وحذر الهاشمي من التداعيات المحتملة للسياسات الأمريكية، موضحًا أن أي قيود أو عقوبات يفرضها الفيدرالي الأمريكي على بعض المصارف والكيانات الاقتصادية العراقية قد تؤدي إلى اضطراب اقتصادي يرفع من مستوى الطلب على الدولار ويؤدي إلى ارتفاع أسعاره.

وختم الهاشمي حديثه بالتأكيد على أن العراق بحاجة إلى إصلاحات مصرفية عاجلة، مشددًا على أهمية اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية للحفاظ على استقرار سعر الصرف ومنع تفاقم الأزمة الاقتصادية.

عرض مقالات: