تعاني الصناعة العراقية من تدهور متواصل منذ أكثر من عقدين، نتيجة الإهمال الحكومي، وغياب السياسات الداعمة، فضلًا عن المنافسة غير المتكافئة من جانب المنتجات المستوردة. إذ يؤكد الخبراء أن معظم المصانع العراقية، الكبيرة والصغيرة، تواجه صعوبات تهدد استمراريتها، ما أدى إلى إغلاق العديد منها، وبالتالي تراجع الإنتاج المحلي.
يقول عدد من المختصين، إن إعادة هيكلة القطاع الصناعي وتشغيل المصانع المتوقفة يشكلان ضرورة ملحّة لإنعاش الاقتصاد الوطني، مشددين على أهمية دعم المنتج المحلي، وتوفير بيئة استثمارية مناسبة، تضمن استدامة الإنتاج وخلق فرص عمل جديدة.
مناطق صناعية بلا عمال!
يقول عبد الحسن الشمري، الخبير الصناعي، إنّ "القطاع الصناعي في العراق تعرض لتخريب كبير جراء القوانين غير الملائمة والإهمال الحكومي المستمر"، مضيفا أن "المصانع العراقية، سواء الكبيرة أو المتوسطة أو الصغيرة، تواجه تحديات هائلة، وأن الكثير منها أصبح غير قادر على الإنتاج بسبب ضعف الدعم والمراقبة من الدولة".
ويضيف الشمري في حديث لـ "طريق الشعب"، "إذا زرت أي منطقة صناعية في بغداد، ستجد أن معظم المناطق الصناعية فارغة من العمال، ورؤوس الأموال، وأصحاب الخبرات الصناعية"، مشيرا الى أن "السوق العراقي يعاني من غزو المنتجات الأجنبية الرديئة التي تدخل إلى العراق بأسعار منخفضة، ما يشكل تهديدًا كبيرًا للمنتج العراقي".
ويوضح، أن هذه المنتجات الأجنبية تعتبر منافسًا غير متكافئ للمنتجات المحلية، وهو ما يؤدي إلى تدهور الصناعة المحلية، لافتا الى ان "العراق يستورد بضاعة رديئة من الخارج، تُباع بأسعار منخفضة، ما يؤثر سلبًا على الإنتاج المحلي ويعوق نمو المصانع الوطنية".
غياب الهوية الصناعية
ويؤكد، أن من الضروري للحكومة العراقية تغيير سياستها تجاه الصناعة الوطنية، والعمل على دعم المنتج المحلي وحمايته من المنافسة غير المتكافئة. وأضاف: ان "أي دولة لا تحتوي على منتج وطني لا يمكن أن تتمتع بهوية صناعية حقيقية. يجب أن يكون لكل بلد هويته في الصناعة التي ينتجها، وهذا ما يفتقده العراق".
وفي ختام حديثه، يشير الشمري إلى أنّ الصناعة العراقية شهدت تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، وأن معظم المعامل المسجلة في وزارة الصناعة والتنمية الصناعية واتحاد الصناعات العراقية أصبحت متوقفة، داعيا إلى ضرورة اتخاذ خطوات جادة لدعم القطاع الصناعي المحلي، وتوفير البيئة المناسبة للنمو والتطور، لتستعيد الصناعة العراقية مكانتها وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني.
هدر الطاقات الإنتاجية
وفي السياق، يقول عامر الجواهري، مستشار في مجال التنمية الصناعية، إن قطاع الصناعة في العراق يعاني من تحديات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالمصانع المتوقفة التي تمثل أزمة حقيقية للاقتصاد العراقي.
ويضيف الجواهري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "قطاع الصناعة في العراق يحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة، وهو ما بدأ العمل عليه منذ عام 2010 من خلال خطط إعادة هيكلة الشركات العامة"، موضحا أنه "تم تقسيم المصانع إلى أربع فئات رئيسية: المصانع المتدهورة تمامًا، المصانع المتدهورة جزئيًا والتي يمكن تحسين وضعها، المصانع التي لا تزال صالحة للإنتاج، والتي يمكن تطويرها واستثمارها، وأخيرًا المصانع التي يمكن أن تستمر تحت إدارة الدولة".
ويؤكد أن "الدراسة التي أُجريت حول إعادة الهيكلة كانت تهدف إلى إعادة تقييم حالة المصانع من حيث المنتجات المتاحة وطاقات الإنتاج الكامنة في كل مصنع، مع التركيز على الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المصانع في الاقتصاد الوطني".
ويجد أنه "من غير المعقول أن تبقى المصانع متوقفة بينما تواصل الدولة دفع الرواتب للمواطنين دون أي إنتاج حقيقي يساهم في تحفيز الاقتصاد".
ويدعو الجواهري إلى ضرورة اتخاذ قرارات جريئة لتشغيل المصانع المتوقفة، حيث يجب التفكير في الاستفادة من الخبرات المتاحة، وتطوير الكوادر البشرية لتحديث المصانع وتحديث أساليب الإنتاج، مذكرا بأنه "يمكن تحويل العديد من هذه المصانع إلى كيانات تعمل بنظام الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص، حيث يمكن إدخال التكنولوجيا الحديثة وتطوير الأساليب الإدارية بما يتناسب مع الاحتياجات الحالية للسوق المحلي والعالمي.
كما يدعو الجواهري الى "تحويل بعض المصانع إلى شركات مساهمة عامة تحتفظ الحكومة بحصة 25 في المائة منها، وهو ما يفتح المجال أمام دخول القطاع الخاص ليكون شريكًا في تطوير هذه المصانع"، مبينا "لقد قدّمنا دراسة مفصلة في عام 2010 حول كيفية تحويل الشركات العامة إلى شركات مساهمة، وذلك لتحفيز القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات".
ويشدد على أن العراق بحاجة إلى التحرك بشكل عاجل لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، لأن تأخير هذه الخطوات سيؤدي إلى تدهور أكبر لهذه المصانع، وتحويلها إلى مجرد خردة تباع مع الأراضي التي تقام عليها، مبينا أن "استثمار هذه المصانع وفتح مجالات جديدة للإنتاج سيحسن الوضع الاقتصادي في البلاد، ويساهم في توفير فرص العمل".
ويختتم الجواهري حديثه بالقول: أن هناك حاجة ماسة لتطوير الصناعة العراقية من خلال تحديث التكنولوجيا والتوسع في خطوط الإنتاج وزيادة الإنتاجية، مضيفا أن هذه الخطوات ستساهم في دعم الاقتصاد العراقي بشكل عام، وتحسين قدرة القطاع الصناعي على التنافس في الأسواق العالمية، في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم في ظل الثورة الصناعية الرابعة.
غياب الحلول الحكومية الفاعلة
وقال الباحث الاقتصادي علي نجم، أن "الصناعة تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد قوي، حيث يعد النهوض بالقطاع الصناعي في العراق ضرورة استراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل مستدامة".
وأضاف نجم لـ "طريق الشعب"، انه "لا يمكن تحقيق اقتصاد مستقر دون صناعة وطنية قوية، فهي ليست مجرد مصدر للإنتاج، بل ركيزة أساسية لدعم السوق المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد".
وأشار نجم إلى أن "غياب الحلول الحكومية الفاعلة لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة ساهم في تفاقم البطالة، وهدر الطاقات الإنتاجية"، مؤكدًا أن "الدولة مطالبة باتخاذ قرارات جريئة لدعم المصانع المحلية، سواء عبر توفير التمويل، أو تسهيل الاستثمار، أو فرض سياسات تحمي المنتج الوطني من المنافسة غير العادلة".
واختتم نجم حديثه بالتأكيد على أن "استمرار إهمال القطاع الصناعي سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي"، داعيًا إلى "الإسراع في تنفيذ خطط واقعية لإحياء الصناعة وتشغيل الأيدي العاملة بما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني".