اخر الاخبار

في ظل التطور التكنولوجي السريع، أصبح الهاتف الذكي جزءًا أساسيًا من حياة الأطفال في، حيث يقضون ساعات طويلة في استخدامه، سواء في مشاهدة المحتوى الترفيهي أو الألعاب أو حتى تطبيقات التواصل الاجتماعي. ورغم الفوائد التي قد توفرها التكنولوجيا في تسهيل الوصول إلى المعلومات، إلا أن الاستخدام المفرط للهواتف له تأثيرات سلبية على تعليم الأطفال وإبداعهم وتفاعلهم الاجتماعي.

انخفاض المستوى التعليمي!

تقول التربوية هناء جبار، إن العديد من الكوادر التربوية تعاني من انخفاض المستوى العلمي والأخلاقي لدى الطلاب بسبب الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، سواء كانت مملوكة للطفل أم حتى لأفراد الأسرة.

وأضافت جبار في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "تأثير هذه الأجهزة يتجلى في تغيرات ملحوظة في شخصيات الأطفال، حيث تتحول شخصياتهم إلى أفراد انطوائيين، عصبيين، وكئيبين. وقد أكدت أن الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً على هذه الأجهزة يصبحون أقل تفاعلاً مع الآخرين، ويفقدون القدرة على التركيز والانتباه، ما ينعكس سلباً على أدائهم الدراسي وصحتهم النفسية.

وتطرقت جبار إلى مشكلة قلة الحركة والنشاط البدني لدى الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية بشكل مستمر، مشيرة إلى أن هذه الأجهزة تساهم في قلة النشاط البدني، ما يؤدي إلى تراجع في المستوى العلمي والذهني للطلاب.

وأكدت، أن الاستخدام المستمر للأجهزة، خاصة في ساعات متأخرة من الليل، يتسبب في ضعف الذاكرة، قلة التركيز، وفقدان الشهية.

وتعتبر جبار، أن "الحلول لهذه المشكلة يجب أن تكون متعددة الجوانب"، مشيرة إلى ضرورة التعاون بين الأسرة والمدرسة. حيث يتحمل كل من الأب والأم مسؤولية كبيرة في تقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية في المنزل. وأوضحت أن بعض الأمهات يتركن أطفالهن لفترات طويلة أمام الشاشات لمجرد إتمام أعمالهن اليومية، ما يزيد من تأثير هذه الأجهزة على أطفالهن.

وفيما يخص الدور المدرسي، أشارت جبار إلى أهمية وجود توجيه تربوي واضح داخل المدارس من خلال متابعة استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتحفيز الطلاب على تخصيص وقت للدراسة، بعيداً عن هذه الأجهزة. كما دعت إلى تبني أساليب تشجيعية تركز على الثواب والعقاب في تعزيز الانضباط الدراسي لدى الطلاب.

كما أكدت ضرورة أن يكون هناك دور فعال للإعلام في تسليط الضوء على المخاطر النفسية والصحية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل مفرط، بالإضافة إلى ضرورة أن تتبنى وزارة الداخلية برامج توعوية للحد من تأثيرات هذه الأجهزة على المجتمع، وخاصة في ظل انتشار قنوات التواصل الاجتماعي التي تنشر محتوى قد يؤثر سلباً على الأخلاقيات والتربية المجتمعية.

وأكدت جبار أن "الحلول لهذه المشكلة تتطلب جهداً تعاونياً مشتركاً من الأسرة، المدرسة، الإعلام، والدولة، من خلال توجيه وتنظيم استخدام الأجهزة الإلكترونية في حياة الأطفال لضمان نموهم العقلي والنفسي بطريقة سليمة".

ادمان من نوع اخر!

من جانبه، يقول الباحث الاجتماعي أحمد الذهبي، أن "الإدمان الإلكتروني أصبح يشكل خطرًا حقيقيًا على الأطفال في الوقت الراهن، حيث أصبح ظاهرة منتشرة بشكل ملحوظ. ويشير الذهبي إلى أن هذا النوع من الإدمان لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات أو المؤثرات العقلية، فقد أثبتت الدراسات أن الإدمان على الإنترنت يؤثر بشكل سلبي على الدماغ والعقل.

يؤثر الإدمان الإلكتروني بشكل كبير على العملية التعليمية للأطفال، حيث يسبب تدهورًا في خلايا الدماغ، ويؤدي إلى تأثيرات نفسية تتمثل في الاكتئاب، والانطواء، والشعور بالوحدة. كما أن له تأثيرات فسيولوجية سلبية، حيث يؤدي إلى مشكلات في الرؤية مثل ضعف البصر واحمرار العينين، بالإضافة إلى السمنة وآلام في العمود الفقري. وفي هذا السياق، يوضح الذهبي أن الجلوس أمام الشاشات لفترات طويلة، تتجاوز أربع أو ست ساعات يوميًا، يعد إدمانًا يجب معالجته بشكل جاد. ويعتبر الذهبي أن عالم التكنولوجيا رغم فوائده العديدة، مثل استخدامها في البحث العلمي وكتابة البحوث والتقارير، إلا أن الكثير من الأطفال اليوم يستخدمون الإنترنت في أغراض تافهة، ما يضر بتطوير قدراتهم العقلية، ويؤدي إلى تراجع مستويات الذكاء لديهم. كما أن الإدمان الإلكتروني، في حال استمر لفترات طويلة، يمكن أن يؤدي إلى ضعف القدرات العقلية للأطفال، ما يؤثر بشكل مباشر على تحصيلهم الدراسي. ويُرجع الذهبي السبب الرئيس لهذا الإدمان إلى سلوكيات الوالدين الذين يُعدون قدوة للأطفال. إذ إن العديد من الآباء يقضون ساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية، مما يجعل الأبناء ينسجون على منوالهم ويبدؤون في اكتساب هذه العادة بشكل تدريجي. وهنا يطرح سؤالًا مهمًا: هل يؤدي إدمان الوالدين على الإنترنت إلى انتقال هذه العادة إلى الأبناء؟ ويجيب الذهبي بالإيجاب، حيث يرى أن الأبناء قد يتبنون سلوكيات آبائهم ويبدؤون في الاعتماد المفرط على الأجهزة الإلكترونية.

علاوة على ذلك، يشير الذهبي إلى أن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية يؤثر أيضًا على القيم والأخلاق لدى الأطفال، حيث تعرض بعض المواقع إعلانات غير لائقة تؤثر على سلوكياتهم، وتشجع على الانحرافات السلوكية والأخلاقية. وهذه التأثيرات السلبية تسهم في تدمير القيم الإنسانية الأساسية لدى الأبناء.

وفي ختام حديثه، يشدد الذهبي على ضرورة تربية الوالدين قبل الأبناء، لأن تربية الطفل لا تنفصل عن تربية الأسرة ككل. كما يوصي بأن لا يتجاوز استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية أكثر من ساعة ونصف الساعة يوميًا، لتجنب الوقوع في فخ الإدمان الإلكتروني. ويؤكد أن هذا الإدمان يؤثر سلبًا على المستوى العلمي للأطفال في المدارس، ويؤدي إلى تدني تحصيلهم الدراسي.

كيف نستثمرها؟

 يقول علي حاكم، ناشط في مجال التعليم ومؤسس المدرسة الحرة، أن "الحياة اليوم أصبحت تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، وأصبح التعليم جزءًا لا يتجزأ من هذه الثورة الرقمية"، مشيرًا إلى أن تأثير التكنولوجيا على التعليم أمر طبيعي في ظل التقدم التكنولوجي السريع.

ورغم الفوائد العديدة للتكنولوجيا، حذر حاكم خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، من الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية مثل الهواتف المحمولة من قبل الأطفال، خاصة في مراحلهم المبكرة، معتبرًا أن "ذلك يمكن أن يؤثر سلبًا على نموهم العقلي واللغوي".  وقال: "إذا لم تتم مراقبة استخدام الأطفال لهذه الأجهزة، فسيؤثر ذلك بشكل سلبي على تطورهم." وفي ما يتعلق بكيفية الاستفادة من التكنولوجيا في التعليم، أشار حاكم إلى ضرورة إيجاد طرق فعالة لاستخدام الأدوات الرقمية مثل تطبيقات التعليم عبر الأجهزة اللوحية كـ "الآيباد"، مؤكدًا أن النموذج التعليمي يجب أن يتناسب مع الحياة الرقمية الجديدة.

وأوضح، أنه يجب أن يكون هناك نظام تعليمي يشجع على الاستفادة من التكنولوجيا بشكل مدروس، مع وضع سياسات واضحة لهذا الغرض.

وحذر حاكم من أن التفاعل مع التكنولوجيا يجب أن يكون موجهًا، مشددًا على ضرورة الابتعاد عن الاستخدام العشوائي للأجهزة، مثل تصفح الأطفال لليوتيوب دون هدف تعليمي. وبدلاً من ذلك، يجب استخدام التكنولوجيا لتعزيز تعلم الأطفال، مثل استخدام كورسات رقمية لتحسين اللغة أو استبدال الكتابة التقليدية بالأدوات التكنولوجية.

كما أكد أن التحول من الأساليب التعليمية التقليدية إلى الأساليب المعتمدة على التكنولوجيا يعد تحولًا حاسمًا في جميع أنحاء العالم.

ونبه الى ان: "هذا التحول يساعد في بناء حياة صحية وصحيحة للإنسان، مما ينعكس إيجابًا على المجتمع." وشدد حاكم على ضرورة وجود سياسات حكومية فعالة تنظم استخدام التكنولوجيا في التعليم، بهدف تحقيق استفادة حقيقية من هذه الأدوات الرقمية في تطوير الأفراد والمجتمع.

عرض مقالات: