اخر الاخبار

تشهد محافظة ميسان في السنوات الأخيرة أزمة جفاف خانقة، ضربت بشكل خاص المناطق القريبة من الأهوار، ما أدى إلى تغيّر واقعها الزراعي والسكاني، بشكل جذري.

وتعاني المحافظة، منذ أكثر من سنتين، من أزمة مياه خانقة بسبب خفض حصصها المائية، حيث قامت إيران بوقف تدفق المياه إلى هور الحويزة، وتحويلها إلى البصرة. هذا التغيير الحاد في مجرى المياه أدى إلى جفاف الهور بشكل كامل، وإلى توقف النشاطات الصيدية في المنطقة منذ عام 2022.

ايران غيرت مجرى المياه

يقول رسول نوري، صياد من ميسان: ان "الماء جف من أكثر من سنتين، إيران سدت الساتر، وحوّلت المياه التي كانت تغذي الهور نحو البصرة. من 2022 إلى الآن، الصيد انتهى، ولا توجد حياة هنا".

ويضيف نوري لـ "طريق الشعب"، أن "هذا الحال دفع بآلاف من ابناء السكان للنزوح بحثًا عن مصادر جديدة للرزق"، مشيرا إلى أن هذه الأزمة ليست فقط نتيجة التغيرات الطبيعية، بل أيضًا نتيجة للقرارات السياسية التي تتخذها دول المنبع مثل إيران وتركيا، والتي تقلل بشكل مستمر من حصة العراق بالمياه.

ويطالب نوري الجهات الحكومية المعنية بضرورة إيجاد حلول سريعة، محذرا من أن الأضرار الناجمة عن الجفاف والظروف البيئية المتدهورة ستؤثر على حياة السكان بشكل أكبر في المستقبل، إذا لم يتم التصدي لهذه الأزمة بجدية.

ويختتم الصياد الميساني: هناك جفاف شبه تام في شط السلام والمجر الكبير والكحلاء.

جفاف قاس

من جهته، يؤكد المهندس الاستشاري ماجد الساعدي، مدير زراعة ميسان، أن المحافظة تمر بـ"كارثة حقيقية" في مناطق كانت تُعد من أغنى بقاع العراق زراعياً.

ويذكر الساعدي لـ "طريق الشعب"، أن "العديد من المناطق تشهد جفافاً قاسياً، هذه الأراضي كانت لسنوات طويلة مركزاً للإنتاج الزراعي والتسويق، تشهد اليوم معدلات زراعية وصلت إلى الصفر، ما اضطر العديد من الأهالي إلى هجرها بحثاً عن مصادر عيش بديلة".

ويشير إلى أن "الوضع تفاقم بسبب ضعف التنسيق في إدارة الموارد المائية، لاسيما مع المحافظات المجاورة مثل ذي قار، التي تتقاسم معها ميسان الأنهار والمجاري المائية"، مشيرا الى انه برغم المخاطبات والمناشدات المتكررة لإيجاد حلول عاجلة، فإن الاستجابة لا تزال دون المستوى المطلوب. ويلفت الساعدي إلى أن "مناطق الأهوار تعاني من جفاف حاد، انعكس مباشرة على الثروة الحيوانية، حيث شهدت ميسان الشهر الماضي موجات نفوق كبيرة، دفعت وزارة الموارد المائية إلى إطلاقات مائية عاجلة للتقليل من الأضرار.

وبينما يصف الساعدي الواقع الزراعي الحالي بـ "الحرج"، يؤكد أن مديريته تعمل جاهدة على تبني بدائل زراعية وتوفير مصادر مياه "مقننة" لإعادة توطين سكان هذه المناطق، خاصة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة. 

ويتابع بالقول، أن "الزراعة في الجنوب بحاجة إلى دعم وطني واسع، خاصة بعد أن تراجعت الخطط من زراعة سنوية إلى موسمية محدودة منذ عام 2020".

موسم شتوي جاف.. ومناشدات للاغاثة

وفي ظل استمرار أزمة المياه التي تضرب جنوب العراق، أطلق الخبير البيئي أحمد صالح من محافظة ميسان تحذيرات شديدة اللهجة حول خطورة الوضع المائي في المحافظة، واصفاً إياه بـ "الحرج جداً" نتيجة مجموعة من العوامل المناخية والإدارية.

وقال صالح في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "الموسم الشتوي الحالي كان جافاً إلى حد كبير، ولم يشهد أي أمطار تساهم في تعزيز الخزين المائي، وهو ما فاقم الأزمة".

وأضاف أن "الاستنزاف العشوائي للمياه من قبل بعض الفلاحين المتجاوزين على الخطط الزراعية ساهم أيضاً في تفاقم الوضع، إلى جانب ضعف سياسات وزارتي الزراعة والموارد المائية، التي لم تتجه بعد إلى تبني تقنيات الري الحديثة مثل الرش والتنقيط". وأشار صالح إلى أن ميسان تُعد من محافظات المصب النهائية للأنهار، ما يعني أنها آخر من تصله المياه، بعد أن يتم استهلاكها من قبل المناطق الواقعة على طول مجرى النهر. ولفت إلى أن "نهر الكحلاء، على سبيل المثال، تسجل بواباته هذه الأيام إطلاقات مائية لا تتجاوز 12 مترا مكعبا في الثانية، والتي تتوزع بين عدة مناطق كقضاء الكحلاء وناحية بني هاشم والقرى المحيطة مثل الحسيجي المطبج، أم الخنازير، وغيرها الكثير من القرى ما يجعل ما يصل فعلياً إلى الأهوار أقل من متر مكعب واحد، إن لم يكن لا شيء".

محافظات الجنوب تتحمل العبء الأكبر.. لماذا؟

وتحدث أيضاً عن منطقة المشرح، التي وصفها بأنها "منكوبة"، بسبب خلل فني في ناظم المياه هناك، حيث إن "البوابات أعلى من منسوب النهر، ما يمنع تدفق المياه نحو مناطق الأهوار"، وهو ما أدى إلى جفاف تام في تلك المناطق وخروج الأهالي بمظاهرات واسعة خلال الأسابيع الماضية.

وانتقد صالح ما وصفه بـ "غياب العدالة" في توزيع الضرر، متسائلاً: "لماذا كل سنة تتحمل المحافظات الجنوبية وحدها تبعات الجفاف؟ لماذا لا يكون هناك تقاسم منصف للضرر بين جميع المحافظات؟". وأكد أن الجنوب، وبخاصة ميسان وذي قار وواسط، تتحمل العبء الأكبر، كونها في ذيل شبكات المياه، ما يجعلها عرضة لأسوأ آثار الجفاف والتلوث.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن "مياه الإسالة في بعض مناطق ميسان اليوم أصبحت غير صالحة للاستهلاك، لارتفاع نسب الملوحة فيها"، داعياً إلى تدخل عاجل لإنقاذ ما تبقى من الأهوار والزراعة في المحافظة، قبل أن تصبح الهجرة جماعية!

عرض مقالات: