يعتبر ارتفاع كلف الانتاج، أبرز التحديات التي تواجه الصناعة المحلية في ظل منافستها للبضائع المستوردة التي غالباً ما تكون رديئة، لكنها رخيصة الثمن، بسبب كلفها المخفضة والفساد المستشري في الحدود، والذي جعل البلاد سوقا مفتوحة أمام جميع البضائع والمنتجات التي تتوافق ومعايير السيطرة النوعية والتعرفة الجمركية المنصوص عليها بالقانون.
وتحدث وزير الصناعة والمعادن خالد بتال النجم عن ذلك في احدى ورش العمل، مؤكدا ان الطاقة التشغيلية تشكل نحو 30 في المائة من إجمالي الإنتاج، وهو ما يضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة. وتطرق إلى ان انخفاض عملة الدول المصدرة خصوصاً في دول الجوار، يمنح منتجاتها ميزة سعرية أرخص بكثير من المنتج المحلية، محذراً في الوقت ذاته من إمكانية إعادة انتاج السوق السورية لنفسها بعد تحسن الأوضاع، ما يزيد تحديات الصناعة العراقية
فرص ممكنة.. حلول غائبة
وقال الخبير الاقتصادي دريد العنزي، إن تصريح بتال ليس غريباً، بل ان هناك غيابا للفعل الحقيقي في مواجهة التحديات الاقتصادية.
وبيّن العنزي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "أحد أبرز الطروحات التي قدمناها تتمثل في منح القطاع الخاص آلية واضحة لتسويق منتجاته، من خلال تفعيل قانون الشراء المحلي، وهو قانون موجود لكنه بحاجة إلى تطوير وتطبيق فعلي".
وينصّ القانون على أن تشتري كل دائرة من دوائر الدولة 50 في المائة من احتياجاتها من إنتاج القطاع الخاص العراقي. وهنا ينبه العنزي الى أهمية التمييز بين الشراكة والمشاركة، فالشراكة تعني دمجًا إداريًا وماليًا، في حين أن ما يقترحه هو منح القطاع الخاص فرصة إنتاج وتوريد حقيقية، مستقلة وقائمة على الجودة والتنافس.
وزاد العنزي بالقول: إن القطاع الخاص العراقي قادر على إنتاج سلع لا تقتصر على المنافسة فقط، بل تتفوق على الكثير من المنتجات المستوردة، ويمكنه تحدي كبرى الشركات الأجنبية التي تدخل السوق العراقية.
وأضاف، أن أي "شركة تستثمر في العراق، سواء في قطاعات السكن أو الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، يجب أن تلتزم بشراء 50 في المائة من احتياجاتها من منتجات المحلية، بما يعزز السوق المحلية، ويفعّل دوران المال داخل الاقتصاد الوطني".
وأوضح العنزي، أنّ "عدد الشركات المسجلة بلغ أكثر من 36,000 وهذا رقم كافٍ لدعم السوق المحلية"، متسائلا "هل من المعقول أننا لا نستطيع إنتاج حلويات أو طرشي؟ هل من الصعب أن نؤسس معامل خياطة أو مصانع بسيطة؟ هذه ليست قضية سعر فقط، بل عملية متكاملة".
المنافسة ممكنة
وتطرق الخبير الاقتصادي دريد العنزي الى أهمية ان تعد الجامعات العراقية دراسات جدوى للمشاريع، وان تباشر هذه الجامعات تقديم الحلول القابلة للتطبيق في مختلف المجالات ومنها الزراعة والصناعة، باعتبارها تملك كوادر علمية قادرة على ذلك، مشيراً الى أن "تفعيل آلية تسويق المنتج المحلي، مهما كانت الأسعار، سيؤدي إلى خفضها بشكل طبيعي نتيجة التنافس بين شركات القطاع الخاص نفسه، لا بسبب تدخل الدولة المباشر".
وشدد على أهمية ان يكون لوزارة التخطيط دور فاعل في مراقبة الجودة والتقييس والسيطرة النوعية، للحفاظ على المنتج العراقي وضمان منافسته ومستواه مع المنتج الأجنبي.
ودعا البنك المركزي الى تقديم قروض ميسرة خالية من الفوائد، مع تسهيلات حقيقية بعيدة عن روتين المصارف، مطالبا بأن تكون الموافقات على الإجازات الاستثمارية إلكترونية بالكامل، ودون الحاجة إلى دفع رشاوى أو الدخول في المحاصصة.
واكد أن "مجرد إزالة هذه العوائق عن طريق القطاع الخاص، سيكفي لتشغيل 90 في المائة من المواد الأولية المتوفرة محليًا"، معتبرًا أن الحكومة لا تزال مغلقة تمامًا أمام هذا النوع من الحلول العملية، حيث يتم استيراد منتجات أساسية مثل المناديل الورقية والمياه رغم توفرها في السوق العراقية.
أبرز التحديات
من جانبه، تطرق الخبير الاقتصادي نوار السعدي الى أبرز معوقات قيام الصناعة المحلية وتتمثل في أزمة الكهرباء وصعوبة الحصول على التمويل وتشابك البيروقراطية، فضلًا عن تحدٍ لا يقل أهمية، وهو النظرة السلبية للمستهلك العراقي تجاه المنتج المحلي، الذي غالبًا ما يُقارن بمنتجات أجنبية أرخص سعرًا وأفضل جودة.
واقترح السعدي حلًا يتجاوز الإجراءات التقليدية مثل فرض الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، معتبرًا أنها قد تسهم في حماية السوق المحلي، لكنها ليست كافية بمفردها. بل قد تحمل أثرًا عكسيًا على أسعار السلع وأثقلت كاهل المواطن، لا سيما ذوي الدخل المحدود.
وتطرق السعدي الى إمكانية إيجاد حزمة متكاملة من الإجراءات تبدأ بتقديم حوافز حقيقية للمستثمرين الصناعيين، تشمل إعفاءات ضريبية، وأراضي صناعية بأسعار مدعومة، وتسهيلات مصرفية فعلية تتجاوز الوعود النظرية، فضلاً عن تقليل الروتين وتبسيط الإجراءات التي تعطل أي مشروع جديد.
واكد السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "الإجراءات البيروقراطية تمثل عائقًا جوهريًا أمام تطور الصناعة".
واختتم حديثه بأهمية الاستثمار في البنية التحتية الصناعية والتعليم الفني، لبناء قاعدة بشرية مؤهلة قادرة على النهوض بالقطاع، مضيفًا أنه "اذا لم توفر الجهات المعنية بيئة جاذبة للمستثمر، وغيّرت نظرة الناس للمنتَج المحلي، فسوف تبقى الصناعة العراقية تدور في نفس الحلقة المفرغة".