اخر الاخبار

ها نحن نستمر، ونخترق اللامفهوم في ترجمات المشاعر، وما هو دور اولئك الذين اختاروا أن تُجمع الكلمات في بيدر مكنوناتهم، لتتكتل كل احاسيسهم فيه ليطلقوها، فكان لابد من تحديد هذه الانماط، ومدياتها وانثيالاتها وتخييلاتها وتسمياتها من خلال استطلاعنا هذا لاكثر من حلقة، ولانه عالم كبير، اقتضى الامر بأن تكون له الحصة الاكبر في سطور صفحة ثقافة شعبية في كل عدد، من خلال آراء ووجهات نظر أدبائنا ومثقفينا، وها نحن نضعها بين ايديكم بتفان واخلاص.

الشعرُ .. هو الشعرُ كيفما كُتب

يوضح الشاعر والاديب منذر عبد الحر من خلال سطوره قائلا: {في إحدى دورات مهرجان المربد الشعري مطلع تسعينيات القرن الماضي، فاجأني الشاعر الفلسطيني الراحل أحمد دحبور، في جلسة خاصة جمعتنا، بقراءة قصائد باللهجة العراقية للشاعر الخالد مظفر النوّاب، وكذلك مقاطع من شعر الكبير الراحل عريان السيد خلف، وقد سألته، هل تفهم مفردات هذه القصائد التي تقرأها بإعجاب وشغف؟ فأجابني، افرط إحساسي بها، واستطعتُ فهمها، وحفظتها عن ظهر قلب، أدركتُ حينها أن الشعر العراقي بوهج تعبيره الصادق قد عبر الحدود، حتى وان كان مكتوبا باللهجة المحلية، وأن الشعر الحقيقي يصل للمتلقي كيفما كتب}.

واضاف عبد الحر {أنا شخصيا ضد فكرة إطلاق تسمية {الشعر الشعبي} على الشعر المكتوب باللهجة المحليّة، فأنا أرى في هذه التسمية انتقاصا مضمراً، ومحاولةً لإبعاده عن طبيعته الفنية التي حققت حضورا فنيا وجماهيريا لافتاً، وقد قلت وكتبت أكثر من مرة حول هذا الأمر، فالشعرُ الحقيقي المكتوب باللهجة الدارجة هو شعر يتمثل الصدق بشكل عميق أولاً، لأنه لا يفكّر بلغة ثم يترجمها كي يعبر عنها، نعم، فنحن نفكّر بلغة حديثنا، أما التعبير عنها في حالة كتابتها باللغة الفصحى فإننا نمررها بمرحلة ثانية قبل إطلاقها، وبذلك فان الشعر المكتوب باللهجة المحكية يكون أكثر حرارة، وأكثر تأثيرا في المتلقي، ان الشعر الحقيقي هو الذي يقدم هواجس وصورا وتأملات وأحاسيس وانفعالات صادقة، وهو الذي يصنع الدهشة ويحقق الجمال والابهار للقارئ أو المتلقي، ولذلك فان اللغة هي وسيلة لنقل الأفكار والصور والتأملات، وعليه فإن التسميات والعناوين تظل مفتاحا نقديا لا أكثر بينما يبقى الشعر وهو المتحقق، خالصا في جوهر التعبير}.

كما يؤكد {وأقول هنا بمسؤولية المتابع والمعني، وليس انحيازا أو تعاطفا، ان الشعر المكتوب باللهجة المحكية في العراق، قد تجاوز التجارب الشعرية النظيرة له في الوطن العربي، والدليل على ذلك التفاعل الملموس مع كل شاعر أو قصيدة تكتب بلهجتنا الجميلة المحببة من الجميع}.

جدل الحياة

اما الاديب وجدان عبد العزيز فقد صور الحياة وجدلها من خلال مداخلته ليقول: {الانواع الابداعية في الادب عموما تحمل في داخلها جدل الحياة والتحول لتكون التعبير الحي والقريب جدا من الواقع بما يحمل من ضغوطاته، فالابداع فن الاكتشاف، وهو نوع من الايمان، كونه اكتشافا للذات وخفاياها والتعرف على الروح، فالناس المبدعون لديهم حاجة قوية للتعبير عن أنفسهم، وعن أمنياتهم  ورغباتهم، وعدم رضاهم عما حولهم، والمبدعون يكافحون من أجل حقهم في التعبير عن ذواتهم، ومن أجل الإبداع وإدراكه، فهم يحاولون الثورة، والتمرد على النفس او المحيط، لكي يأتي الجديد، وكي يقولوا نحن هنا، وتماشيا مع المشروع الثقافي العراقي، فالشعر الشعبي العراقي احتل مكانته في التراث الشعري العراقي، بل والعربي، ومنه من قد ترجم الى لغات اجنبية، كونه يمثل حالة وجدانية عبّر من خلالها الشاعر عن كل الاحداث التي تدور حوله، اذ كانت هذه الاشعار تحمل الكثير من الهموم السياسية والاجتماعية والعاطفية، فالقصيدة الشعبية تحولت عندنا الى عوالم شعرية اكثر انفتاحا، لاسيما في زمن العولمة وانفتاح الثقافات على بعضها البعض، حتى غاصت في اعماق الانسان وجسدت معاناته ومشكلاته الروحية، ولهذا احتلت اهمية كبيرة في حياة العراقيين وتاريخهم، ومثلت ثقافتهم واتجاهاتهم في مسيرة الحياة، وكذلك ميزت الشعب العراقي عن غيره، فالعراق يمتلك موروثاً شعبياً جميلاً وثرّياً، ولاشك ان هذا الموروث اتى من تاريخ طويل، ومثل ثقافة وجمالا وذوقا، والحقيقة التي لابد من وضعها نصب أعيننا أن الشعر الشعبي ما ظهر الا بعد ان دخل اللغة العربية اللحن والتحريف، فانتشرت العامية انتشارا واسعا وابتعد الناس عن الفصحى، وكانت وفادة الشعر الشعبي إلى البادية ثم أنه دخل الى الحاضرة، لا أحد يعرف متى بدأ ونشأ هذا الشعر الشعبي ولكنه قديم النشأة، كما نعرف ولو غابت النصوص القديمة، فإن هذا الشعر الشعبي المعاصر ما هو إلا امتداد لذلك الشعر القديم؟، والشعر الشعبي القديم لا نشك في أنه لم يأت دفعة واحدة، ولكن أقدم من تحدث عن الشعر البدوي، هو المؤرخ العربي المسلم ابن خلدون المتوفى عام 808 هـ، فقد أورد عدة نصوص شعرية في مقدمته نسب بعضها إلى شعراء بني هلال وكان ذلك خلال القرن الثامن الهجري}.

عرض مقالات: