المثل الشعبي يعتبر خلاصة مركزة لمفردات مسبوكة باسلوب شعبي متفرد، والمثل الشعبي يمتلك قيمة بلاغية معبئة بما يسمى بالسهل الممتنع، وهي صورة حية لقدرة الانسان في التعبير عن حكمته وبلاغته وتجربته الانسانية المفعمة بقيم شعبية ذات وعي ومصداقية وتجربة وعفوية.
والتراث الشعبي العراقي زاخر بالباحثين الذين أمعنوا في اثراء المكتبات الوطنية بالامثال ذات المدلولات البلاغية المتنوعة.
و(الامثال من فنون الادب المعبرة، فهي لذلك صورة المجتمع بتناقضه وائتلافه، فانت واجد في الامثال حكمة القوم المحصلة من الحياة )1
وقد حظيت الامثال الشعبية بعناية الكثير من الباحثين في هذا المجال، وهي من الفنون الشعبية التي صاغتها عقول المبدعين والحكماء واهل الراي والتجربة والفكر. وتم تعريف المثل الشعبي على انه (ضرب من احسن ضروب التعبير عما تزخر به النفس من علم وخبرة وحقائق واقعية بعيدة البعد كله عن الوهم والخيال) 2
كما ان الامثال الشعبية من فنون الادب الشعبي التي تمتاز بالحكمة والبلاغة وقصر العبارة والايجاز.
وفي بلادنا يعتبر المثل من الامور الشائع استعمالها واذاعتها والاستعانة بها في المجالس والدواوين، وعندما تكون هناك حاجة للاستشهاد بمثل شعبي، تكون لغة الحوار قد اكتسبت صيغة اكثر متعة واعلى قيمة وامتع تهذيبا وسلاسة وهدوء.
والامثال عموما هي مفردات لغوية بسيطة وكلمات مختارة بشكل دقيق ومرصوف للاشارة الى حالة اجتماعية معينة.
وفي بلادنا، الكم الوافر من الامثال ذات الدلالات الواضحة والسمات التي تميز الفرد العراقي عن غيره من خلال اعتنائه بالمثل الشعبي، وقد يستخدم المثل سلاحا في الكثير من نزاعات القوم، حيث تسمعه اذان الحضور وتعيره اهتماما خاصا، وقد يساهم في حسم العديد من الخصومات والمماحكات وغيرها من مصادر سوء الفهم والعداوات.
(البكلب الضيف يقراه المعزب)
وهذا المثل دليل اخر على الذكاء الفطري الذي يستحوذ على اذهان البعض وهم يقدمون لضيوفهم مشاعر الحب والاحترام والكرم والرعاية والاهتمام، ويتحسسون همومهم ويخففون عنهم بالاقبال على مؤازرتهم ومساعدتهم والتخفيف عن همومهم ونزع فتيل الشر المزروع في نفوس البعض منهم )3
(كل شارب واله مكص)
ويضرب هذا المثل في قوة القانون، حيث انه لابد ان يشمل الجميع، ويحمي الناس وحقوقهم ويبعد العدوان عليهم والتجاوز على حقوقهم.
(عين غطا وعين فراش)
ويضرب المثل للكرم والترحيب بالضيوف وحمايتهم.
ويتداول الناس في مجالسهم العامة والخاصة، وفي لقاءاتهم وحواراتهم، يتداولون الامثال الشعبية ليشيروا الى الكثير من الامور التي يمكن ان تعالجها الامثال، لان المثل يمكنه ان يؤثر في انضاج الحلول وتغيير وجهات النظر والتقارب بين وجهات النظر المختلفة.
(ما كو طايفه ما بيها وصلة جايفه)
ويضرب المثل للتعبير عن قيم الخير وقيم الشر، وهو مشابه للمثل الشعبي (ماكو زور ما بيه واوي).
(لو محروم لو متخوم)
يضرب في التفاوت الطبقي في المجتمع.
(الما يعرف تدابيره، حنطته تاكل شعيره )
والمثل يضرب في سوء التدبير وعدم التخطيط والعشوائية والارتجال. ان الامثال الشعبية وهي تطلق بهذه الطريقة العفوية والشفافة، انما تدل بوضوح على عمق البلاغة الشعبية ودقة المفردة وامتلاكها القدرة على التعبير عن هموم الناس ومختلف قضاياهم ومشاكلهم المختلفة والمتنوعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الامثال العامية البغدادية / جلال الدين الحنفي / عن كتاب اسطورة عبد الله الفاضل ومقالات اخرى ج1 /عامر رشيد السامرائي.
2) الشيخ جلال الحنفي “ الامثال البغدادية “ عن كتاب الدكتور علي حداد “ جمر اخضر / قراءات في الادب الشعبي العراقي.
3) الامثال وردت في كتيب “ امثال وحكايات “ / جمع وتحقيق لفته عبد النبي الخزرجي