دخلت الحرب في السودان مرحلة كسر العظم بين المتحاربين، من خلال سقوط حاميات الجيش في غرب البلاد وتدمير البنيات التحتية في الخرطوم وام درمان. ويتزامن هذا التطور الميداني مع انفضاض جلسة التفاوض الاولى في جدة، بعد انقطاع دام ٥ اشهر، والتي خرجت باجراءات لبناء الثقة شملت توفير  امكانية الاتصال بين القادة في الطرفين، واعادة رموز النظام السابق الي السجون التي هربوا منها اثر انفراط عقد الامن في الخرطوم. وقد عارضت عناصر النظام السابق نتائج هذه الجولة صراحة، واعلنت استعدادها لافشال منبر جدة. ولم يسلم البرهان قائد الجيش من موجة اتهامات وصلت حد التخوين.

وكان الاعلام الداعي لاستمرار القتال حتى تحقيق انتصار على قوات الدعم السريع، يقول عن الجيش انه مكبل بالبيروقراطية، وانه يكتفي بالدفاع عن مواقعه ولا يتقدم ويهاجم قوات الدعم السريع، المرابطة في الطرقات وعلى مقربة من قصر الرئاسة، أو تحتل منازل المواطنين والاعيان المدنية وتحاصر بعض المدن. وبقي الجنود وصغار الضباط الموالون للنظام السابق يطالبون القيادة العليا في كل زيارة يقوم بها ضابط كبير الى احد المعسكرات بـ “فك اللجام”، ويقصدون بذلك اطلاق التعليمات بالهجوم . ويحملون تلك القيادة مسؤولية سقوط حاميات كبيرة، خاصة في  مدينة نيالا ومنطقة بليلة النفطية.

لذلك تتحدث مواقع التواصل الاجتماعي في السودان عن وقوع انقلاب ابيض غير معلن، جعل قيادات الاسلاميين تمسك بمقاليد الامور داخل الجيش. ويعتمد كثير من المحللين السياسيين على هذا التحول في كابينة الجيش، لتفسير التحركات الاخيرة للجيش والمستنفرين وقوات العمل الخاص وسلاح الطيران، وما نتج عن ذلك من تدمير لأهم جسر يربط بين مدينتي الخرطوم بحري وام درمان، مما قطع الامداد الآتي من غرب السودان الى قوات الدعم السريع، وجعلها تقاتل في بحري والخرطوم بدون امداد، وتواجه نفس المصير الذي واجهته حاميات الحكومة في جنوب دارفور، حين فشل الجيش في ايصال الذخيرة لها لانها تقع في محيط قبلي مساند للدعم السريع.

لذلك يبدو ان تيار الاسلاميين مصر على الحسم العسكري، باعتباره الطريق الوحيد الذي يحملهم الى السلطة بعد ان رفضتهم كل منابر التفاوض والوسطاء الاقليميين والدوليبن، وتبين لهم انهم لن يكونوا جزءا من اية ترتيبات سياسية، يمكن ان يتمخض عنها اي حوار في المستقبل. ولا يفوت فطنتهم ان الجيش بقيادته الحالية ليس مجبرا على ربط مستقبله بمصيرهم. كما تبين لقيادة الجيش، خاصة للفريق البرهان، انه لن يكون رجل المرحلة المقبلة اذا انتصر الجيش في هذه المعركة وحسم الصراع في الميدان، لان هذا التطور سوف يعلي من شأن الإسلاميين، الذين بات واضحا انهم لا ينظرون اليه كرجل المستقبل. لذلك فان امله الوحيد للبقاء في السلطة هو نجاح جولات التفاوض الحالية، التي بات يسعى اليها بعد تمنّع دام  اكثر من ٦ اشهر.

وبعد حضوره القمة الافريقية العربية في الرياض، كانت محطته الثانية نيروبي الذي توصل مع رئيسها  الى ضرورة  اتفاق ينهي الحرب عبر التفاوض، والشروع في عملية سياسية لا تستثني احدا. ويعد هذا تطورا في لهجة الخطاب الرئاسي تجاه كينيا، التي اعتبرها البرهان من قبل غير محايدة في الصراع، وتورط نائبه الجنرال ياسر العطا في ملاسنات مع رئيسها خلت تماما من الدبلوماسية.

ثم حطت الطائرة الرئاسية بعد نيروبي في اديس ابابا، رغم الجفوة التي احدثها الاعلام المحسوب على الجيش بين الطرفين. وبات واضحا ان جولة التفاوض على الترتيبات السياسية بعد حسم الملف الامني والانساني في جدة، سوف تحتضنها نيروبي برعاية الايغاد.

الا ان الاسلاميين سوف يعملون على افشال هذه الجولة، من خلال نسف اية ترتيبات امنية لوقف اطلاق النار، طالما انهم يمسكون بمفاصل الجيش ويديرون العمليات العسكرية.

عرض مقالات: