تتصاعد أزمة شح المياه في محافظة ذي قار إلى مستويات تنذر بالخطر، ما يهدد حياة السكان المحليين وسبل معيشتهم بشكل مباشر.
وتشير التوقعات إلى أن استمرار هذه الأزمة يؤدي إلى تدهور حاد في الإنتاج الزراعي، وتفاقم حالات الهجرة من القرى المتضررة، ما يثير مخاوف جدية حول الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.
ويطالب مزارعون وناشطون بتدخل حكومي عاجل لاتخاذ تدابير عملية، تشمل تحسين إدارة الموارد المائية، وتنفيذ مشاريع استراتيجية لتعزيز البنية التحتية المائية، وتكثيف التنسيق مع الحكومة المركزية لضمان توفير إمدادات مياه بديلة بشكل مستدام.
العطش يبيد النخيل
محمد الناصري، أحد سكان منطقة الأهوار، ذكر لـ "طريق الشعب"، وجود العديد من القرى في المحافظة، لم تصلها مياه صالحة منذ سنوات"، مشيرا الى ذلك الحرمان أثر في القطاع الزراعي كثيراً، حيث تعرضت نخيل المنطقة، بما في ذلك الأنواع النادرة منها، لإبادة شبه تامة نتيجة الجفاف المستمر.
وأضاف الناصري، أن "سكان المناطق التي تقع قرب المياه يعتمدون بشكل كبير على زراعة محصول الشلب الذي تقلص انتاجه بسبب شح المياه حيث أصبحت زراعته عبئًا ثقيلًا بسبب انعدام الموارد المائية.
وقال انه "بالرغم من الظروف القاسية، أقدم بعض المزارعين على زراعة محاصيلهم بجهود ذاتية، على أمل وصول الأمطار، لكن استمرار انحباسها قد يؤدي إلى خسائر مالية جسيمة، وقد يتركون أراضيهم مثلما فعل اغلب السكان".
وتابع، ان "منسوب نهر الفرات يواجه انخفاضا حادا ما يجعل الجريان عكسيا من هور الحمار والاهوار الوسطى باتجاه النهر. كما ان نسبة الملوحة ارتفعت كثيرا وهذا ما سبب مشاكل كبيرة، خاصة ان محطات المياه الخاصة بالجبايش هي جميعها على نهر الفرات، وبالتالي فان درجة الملوحة أثرت على السكان الموجودين وكذلك عرضتهم للأمراض".
وشدد على ضرورة عمل وقفة جادة لإنقاذ الجبايش وبقية القرى من الأمراض والهجرة والنزوح ودفع الضرر عنها، بسبب الشح المائي الذي ضربها".
وبين ان "مشروع ماء الإصلاح الكبير توقف عن العمل بعد افتتاحه بيوم واحد وذلك لقلة الاطلاقات المائية اليه، وأصبح خارجا عن الخدمة في الوقت الحالي".
بلا مياه منذ ثلاث سنوات
من جانبه، أكد رئيس الجمعيات الفلاحية في المحافظة، حسين رباط، أن بعض القرى لم تصلها قطرة ماء منذ ثلاث سنوات، ما تسبب بخسائر فادحة في القطاع الزراعي، وخاصة في زراعة النخيل الذي تعرضت أصنافه النادرة للإبادة.
وقال رباط لـ "طريق الشعب"، أن "زراعة محصول الشلب فاقم معاناة المناطق الواقعة عند نهايات الأنهار، إذ تستهلك الزراعة كميات كبيرة من المياه". وأضاف، أن "الرهان على الأمطار لتعويض نقص المياه في المنطقة اضحى "كذبة يصدقها البعض"، حيث لم تشهد المناطق المتضررة أي تساقط للأمطار حتى الآن.
واتهم رباط، مدير الموارد المائية في المحافظة، بأنه يفتقر إلى الكفاءة في إدارة الأزمة، مشيرا الى ان ضعف المتابعة من قبل مديرية الموارد المائية ساهم بشكل مباشر في تفاقم الأزمة.
وواصل القول أن “مديرية الموارد المائية ومؤسساتها لم تقدم الحلول الكافية، بينما يزيد غياب الإدارة الفعالة من معاناة الفلاحين يومًا بعد آخر".
وأوضح رباط أن البساتين تدهورت بشكل كبير، حيث فقدت آلاف أشجار النخيل ومن أجود الأصناف بسبب نقص المياه، إلى جانب نفوق أعداد كبيرة من المواشي التي يعتمد عليها السكان المحليون في معيشتهم.
وأضاف أن هذه الأزمة دفعت العديد من الفلاحين إلى العزوف عن زراعة المحاصيل الأساسية مثل الحنطة والشعير، مكتفين بزراعة كميات قليلة جدًا للحفاظ على بساتينهم بالحد الأدنى.
وطالب رباط الحكومة المحلية والمركزية باتخاذ خطوات عاجلة لإنقاذ ما تبقى من القطاع الزراعي، مقترحًا حلولًا مؤقتة تشمل الاستفادة من مياه المستنقعات، رغم ملوحتها العالية، لتغذية البساتين وإنقاذها من الهلاك الكامل.
وختم بالقول "نخيلنا الذي تعبنا عليه لسنوات طويلة، والبساتين التي كانت رمزًا لجودة إنتاجنا الزراعي، أصبحت في مهب الريح. نطالب الحكومة المحلية بمتابعة هذا الملف بجدية أكبر، فالمسألة لم تعد تحتمل التأجيل، وعلى الجميع التحرك لإنقاذ هذه الأراضي من الكارثة".
تلوث المياه
اما الناشط البيئي سجاد ستار فتحدث عن مشكلات كبيرة تتعلق بتلوث المياه ونقص الإمدادات المائية، حيث لا تزال العديد من المناطق تعاني من تدهور شديد في جودة المياه وتوقف الإمدادات في أوقات حساسة، خاصة خلال فصل الصيف.
وقال ستار لـ "طريق الشعب"، أن المياه في بعض المناطق تحسنت قليلاً، لكن التلوث ما يزال يشكل مشكلة خطرة. وأضاف أن العديد من المناطق مثل الفهود والكرمة والفضلية وحي الرسول والصخيين والموحية تعاني من تلوث المياه بشكل مستمر، مما يجعلها غير صالحة للاستخدام، إلى جانب انقطاع المياه في بعض الأحيان.
وأوضح ستار، أن مشكلة شح المياه تتفاقم في مناطق أخرى، مثل منطقة السكك ، حيث تعاني من انقطاع متكرر للمياه خلال الصيف، نتيجة توقف محطات الضخ عن العمل، مؤكدا أن المحطات القديمة التي تعتمد عليها هذه المناطق غير قادرة على تلبية احتياجات السكان بشكل مستمر.
وأعلن مجموعة من المزارعين في قرى آل ازيرج في المحافظة عن تقديمهم 7 مطالب عاجلة في وثيقة رسمية، خلال زيارتهم للهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري والبزل، لحل مشكلة شح المياه في قراهم.
وتضمنت المطالب نصب مضخة عائمة على نهر الفرات في مشروع السديناوية الجديدة المرتبط بمشروع الفارسية، وتركيب كرفانات للمشغلين والحراس بسبب بعد المسافة بين المضخات ومساكنهم، فضلاً عن تحويلهم من عمال مسطر إلى أجر يومي. كما طالبوا بتركيب طباقيات للمضخات الكهربائية المترية لضمان تشغيلها وتوفير الأموال اللازمة لإصلاح الأعطال في محطات التشغيل. وطالبوا بفتح داير على الناظم الفاصل بين مشروع السديناوية الجديدة والفارسية، وتنصيب مضخة كهربائية وسطية نصف مترية مع تخصيص حراس لها. كما دعوا إلى مخاطبة مديرية صيانة مشاريع الري والبزل في ذي قار لتطهير مشروع الفارسية على امتداده، نظراً لاحتوائه على القصب والبردي الذي يعيق مرور المياه الاروائية فيه.