اخر الاخبار

تشهد تجارة الذهب في العراق تحولات كبيرة أثرت على طبيعة المهنة، حيث تقلص دور الحرفيين الصاغة بشكل ملحوظ، وتحولت السوق لصالح تجار الجملة والمفرد. ويعتمد تسعير الذهب على بورصة عالمية، وسعر صرف الدولار، وسياسات الدول، الى جانب تزايد الطلب المحلي عليه.

وأسهمت عمليات غسل الأموال وتهريب الذهب في تشويه السوق ورفع الأسعار، ما تسبب في فقدان الدولة لإيرادات جمركية مهمة.

ويدعو مختصون إلى تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية، وضبط تجارة الذهب، للحد من هذه الظواهر وضمان استقرار السوق.

عوامل ارتفاع الأسعار

يقول مصدر حكومي مسؤول، رفض الكشف عن اسمه، إن "الذهب الصناعي كان يُستورد تاريخيًا عن طريق السلطة النقدية على شكل سبائك، ليعاد بيعه إلى قطاع الحرفيين المجازين الذين يقومون بتحويله إلى مشغولات ذهبية بمختلف العيارات، تُستخدم للزينة وحفظ الثروة الشخصية".

ويضيف المصدر في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "تسعير الذهب يعتمد على السعر المركزي مضافًا إليه كلفة التصنيع وهامش ربح، ليُعرض لاحقًا على الجمهور عبر محال الصاغة. هذه العملية كانت تخضع لرقابة صارمة من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، لضمان خلو المصوغات من الغش الصناعي".

ويبين أن "التحولات المهنية أدت إلى تقليص عدد الحرفيين الصاغة، لتتحول تجارة الذهب إلى قطاعين رئيسيين: تجار الجملة وتجار المفرد"، موضحا أن "عمليات الاستيراد أصبحت تخضع لإجازات تمنح لتجار كبار، بينما يتم بيع الذهب محليًا عبر تجار المفرد الذين يتأثر تسعيرهم بعدة عوامل".

ويواصل المصدر حديثه، أن "العامل الأول هو سعر الذهب في الأسواق العالمية، حيث يرتبط سعر الاستيراد بقيمة الدولار وما يُعرف بدورة أصول الذهب وتحركات السوق الداخلية مقارنة بالسوق العالمية"، مشيرا الى ان "العامل الثاني يرتبط بسعر صرف الدولار في السوق الموازية. فيما يتصل العامل الثالث بسياسات دول الجوار تجاه الذهب: كلما زادت التشديدات وارتفعت الأسعار عن المؤشرات العالمية، يتحرك الذهب المحلي لاستخدامه في عمليات المتاجرة العابرة للحدود".

ويشير المصدر الى أن "هذه الأعمال غير قانونية، وتندرج ضمن جرائم غسل الأموال، وتخضع لملاحقة الأجهزة الرقابية"، لافتا الى ان "الآونة الأخيرة شهدت عمليات استيراد للذهب بشكل كبير من قبل الامارات وتركيا، وهذا يؤشر وجود عمليات لتهريب الدولار، بخاصة ان الدولار يجري التعامل به في هذه المهنة بالسعر الرسمي، عبر منصة خاصة، وهذا ما يحقق أرباحا كبيرة لبعض هؤلاء المهربين".

غسل الأموال أبرز الأسباب

أما الباحث الاقتصادي أحمد عيد، فيقول إنه "في ظل تزايد مخاوف المواطنين من التضخم، وعدم استقرار الوضع المالي والنقدي، أصبح الذهب خيارًا مثاليًا لحفظ القيمة".

ويكرر عيد ما ذهب اليه المصدر الحكومي من أن "عمليات غسل الأموال لعبت دورًا مهمًا في دفع الأسعار للارتفاع".

ويضيف عيد لـ "طريق الشعب"، أن "العديد من الجهات تلجأ إلى شراء الذهب كوسيلة لإخفاء مصدر الأموال غير المشروعة لديها، سواء كانت متأتية من تجارة المخدرات، أو تهريب الأموال، أو الرشوة، أو حتى من عمليات فساد أخرى. وهذا ما يشكل سببا رئيسا أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب في العراق، وهو مشابه لما حدث في سوق العقارات".

ويحدد عيد طريقين لدخول الذهب إلى العراق: يدخل عبر قنوات رسمية وأخرى غير قانونية، موضحا أن "القنوات الرسمية تشمل استيراده عبر المعابر الجمركية والمطارات، حيث يتم تسجيل الذهب وفقًا للإجراءات القانونية المعتمدة من قبل البنك المركزي العراقي وهيئة الجمارك. غالبًا ما يأتي الذهب من دول مثل تركيا والإمارات وسويسرا، ويتم استيراده بواسطة تجار معتمدين وشركات مرخصة. هذا الذهب يخضع للفحص للتأكد من مطابقته للمواصفات القياسية، ويتم تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة عليه لصالح الحكومة".

ويردف كلامه بالقول: انه "إلى جانب القنوات الرسمية، هناك تهريب للذهب عبر الحدود، وذلك بسبب ضعف الرقابة على بعض المعابر. وفي هذه الحالة، يتم تهريب الذهب عبر شبكات غير رسمية، تهربا من الضرائب أو لغرض غسل الأموال".

ووفقًا لتقارير، فانه يتم إدخال الذهب إلى العراق على شكل سبائك أو مصوغات ذهبية مخبأة في شحنات بضائع أخرى، أو من خلال الأفراد عبر المنافذ البرية غير الخاضعة للرقابة المشددة.

ويجد عيد أن الذهب المستورد عبر القنوات الرسمية يعتبر آمنًا من حيث الجودة والمطابقة للمعايير، ولكنه قد يتأثر أحيانًا بالتلاعب بأسعار الصرف أو بعض ممارسات الفساد الإداري.

ومن الناحية الاقتصادية، يشير عيد إلى أن "دخول الذهب بطريقة غير قانونية يؤدي إلى تشويه السوق بشكل كبير، حيث يغرق السوق المحلي بكميات غير مسجلة من الذهب. هذا التشويه لا يؤثر فقط على الأسعار، بل يقلل من إيرادات الدولة الجمركية، التي كانت يمكن أن تُستخدم في دعم الاقتصاد الوطني".

ويختتم عيد حديثه بالتأكيد على ضرورة تشديد الجهات المعنية الرقابة على المنافذ الحدودية والجمارك، بالإضافة إلى ضرورة فرض آليات تتبع واضحة على تجارة الذهب. ومن بين الإجراءات المقترحة، تسجيل جميع عمليات بيع وشراء الذهب، مكافحة شبكات التهريب، وتعزيز التعاون الإقليمي لضبط عمليات التهريب. "كل هذه الخطوات من شأنها أن تسهم في الحد من ارتفاع الأسعار غير المبرر، وتحقيق الاستقرار في السوق" طبقا لرأي عيد.

تداعيات اقتصادية

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، إن هناك شبهات فساد وتداعيات اقتصادية تحيط بموضوع استيراد ودخول الذهب إلى العراق، مشيرًا إلى أن جهات متنفذة تتحكم في هذه العملية، مما أدى إلى خلق نوع من المضاربة بين الدولار والذهب والدينار. كذلك مع باقي العملات.

ويوضح، أن هذه المضاربة تسهم في عدم استقرار السوق، حيث يسعى المضاربون إلى عدم وضع “البيض في سلة واحدة”. بمعنى تنويع استثماراتهم بين العملات والذهب لضمان تعويض الخسائر في حال انخفاض قيمة إحدى هذه الأدوات.

ويشير الى أن "هذه الممارسات تؤدي إلى عدم تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتخلق حالة من التشتت في السوق"، ما يفتح المجال أمام دخول ما وصفه بـ"الطفيليين" إلى العملية التجارية.

ويجد انطوان أن "الفئات الفقيرة هي الأكثر تضررًا من هذه المضاربات، حيث تتحمل أعباء التضخم النقدي الناتج عن تلك الممارسات"، منبها الى أن الاقتصاد العراقي يعاني بشكل كبير من هذه الظواهر.

ويعتقد المتحدث أن "أحد الحلول لإعادة التوازن الاقتصادي هو جعل البنك المركزي مسؤولا عن استيراد الذهب، ومنع المضاربين من السيطرة على السوق. والعمل على تشجيع توجيه رأس المال نحو القطاعات الإنتاجية، كالصناعة والزراعة، بدلاً من تركيزه على المضاربات في العقارات، وبيع وشراء العملات والذهب".

ويخلص الى "ضرورة اعتماد البنك المركزي آليات فعالة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والحد من نشاط المضاربين الذين يستغلون الفجوات الاقتصادية، لتحقيق أرباحهم على حساب المجتمع".

4 مراكز لفحص الذهب

ويوجد في العراق مراكز لفحص الذهب تتواجد في اربعة مطارات، وهي بغداد والنجف والبصرة وكركوك.

ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن "هذه المراكز تعمل على مدار الساعة"، مشيرا إلى وجود إجراءات دقيقة تتولاها وحدات الفحص، حيث لا تستغرق وقتاً طويلاً بسبب اعتمادها أجهزة متطورة.

ويضيف الهنداوي في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "هذه الإجراءات سهلت كثيراً من عمل الصاغة وقللت الكلف التي كان يتحملها المستورد في عملية نقل الذهب من المطار أو من أي منفذ آخر إلى مقر الجهاز المركزي للتقييس لأجل فحصها ووسمها"، مؤكدا انه "بمجرد وصول الشحنة الى المطار يتم نقلها عبر الجمارك الى وحدة الفحص الموجودة وخلال وقت قصير ربما لا يتجاوز الساعتين الى ثلاث ساعات تنتهي كل هذه الإجراءات، ويتسلم المستورد الذهب ويخرج من المطار مفحوصاً وموسوماً".

ويختتم الهنداوي تصريحه بأن "هناك زيادة في عملية استيراد الذهب، حيث يسجل يومياً كمعدل عام للذهب بحوالي من 50 الى 75 كيلوغراماً عبر المنافذ الرسمية".

عرض مقالات: