اخر الاخبار

تعاني محافظة المثنى من تحديات كبيرة في الموارد المائية، بسبب شح مياه نهر دجلة، ما يدفعها إلى الاعتماد على المياه الجوفية في زراعة المحاصيل الاستراتيجية. وبرغم امتلاك العراق خزينًا استراتيجيًا من المياه الجوفية، إلا أن الإفراط في استخدامها دون تنظيم قد يؤدي إلى استنزافها وتفاقم الأزمات البيئية.

ويؤكد الخبراء ضرورة الإدارة المستدامة لهذا المورد، عبر تقنين حفر الآبار، واستخدام أنظمة الري الحديثة، والتنسيق مع دول الجوار لضمان الحصص المائية، محذرين من مخاطر الحفر العشوائي، وتأثيره على استقرار التربة وجودة المياه.

شح المياه في دجلة

يقول مدير مهندسي ماء المثنى، المهندس محمد طالب، أن "المياه الجوفية في المحافظة تُستخدم في الزراعة منذ القدم، وهي تعدّ موردًا أساسيًا لدعم النشاط الزراعي في المنطقة".

ويضيف لـ "طريق الشعب"، انه في الوقت الراهن "تنفذ مشاريع استراتيجية للمياه الجوفية في قضاء السلمان وناحية بصية، لكونهما ضمن مناطق البادية، بهدف تعزيز الأمن المائي وتحقيق التنمية المستدامة في المحافظة".

فيما يؤكد المهندس يوسف سوادي جبار، معاون محافظ المثنى لشؤون الزراعة والموارد المائية، أن "المحافظة تواجه تحديات كبيرة بسبب شح المياه في نهر دجلة، مما أدى إلى هجرة العديد من المزارعين وتركهم لمهنتهم الزراعية. ونتيجة لذلك، اضطرت المحافظة إلى اللجوء إلى البادية الجنوبية، حيث تم تخصيص مساحات لزراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والشعير والذرة، التي تعتمد بشكل رئيسي على المياه الجوفية"، مع التأكيد على استخدام التقنيات الحديثة للري.

ويقول جبار لـ "طريق الشعب"، أن "هناك آبارًا محفورة بشكل قانوني يقدر عددها بين 1000 – 1500 بئر، وأخرى تم حفرها بشكل غير قانوني، ما يستدعي اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين، موضحا أن الخطة الزراعية للمحافظة، التي تمت الموافقة عليها من قبل وزارة الزراعة والموارد المائية، تشمل زراعة حوالي 350,000 الف دونم باستخدام أنظمة الري الحديثة مثل المرشات، ما يساعد على تقليل الهدر في استهلاك المياه.

وينبه إلى أن "استمرار الاعتماد على المياه الجوفية دون تنظيم قد يؤثر على التنمية المستدامة وحق الأجيال القادمة في الاستفادة من هذه الموارد. ومع ذلك، فإن محافظة المثنى تُعدّ غنية بالمياه الجوفية، حيث يمكن الوصول من أعماق قليلة نسبيًا، ما يجعلها محافظة ذات إمكانات مائية جيدة، مشيرا الى "توزيع ما يقارب 600 مرشة للعاملين بالزراعة".

ويبين أن "الاستخدام المفرط للمياه الجوفية قد يؤثر سلبًا على التنمية المستدامة وحق الأجيال القادمة في الاستفادة من مياه الآبار. ومع ذلك، تتميز محافظة المثنى بوفرة هذا المورد، ونحن نسعى إلى تنظيم استخدامه وضمان استدامته، كي يبقى الوضع تحت السيطرة."

ويشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتجاوزين على المياه الجوفية، إضافة إلى مطالبة الحكومة المحلية بضمان وصول الحصة المائية من نهر الفرات، الأمر الذي سيمكن الفلاحين من العودة إلى أعمالهم وإحياء الأراضي الزراعية، مؤكدا أهمية التنسيق مع دول الجوار لضمان وصول الحصص المائية للعراق، وخاصة لمحافظة المثنى، والاستفادة من كميات الأمطار الأخيرة لتعزيز المخزون المائي.

وكان مدير الهيئة العامة للمياه الجوفية في وزارة الموارد المائية، ميثم علي خضير، قال نهاية العام الماضي، أن "العراق يمتلك خزينًا استراتيجيًا من المياه الجوفية، يمكن استخدامه عند حدوث الأزمات لسدّ النقص في المياه السطحية. وأن الوزارة وضعت خطة مستقبلية تهدف إلى الإدارة المستدامة لهذا المورد الحيوي، مع التركيز على المناطق الصحراوية، حيث يصعب تعويض المياه إلا من خلال الأمطار، ما يجعل الحفاظ عليها وإدارتها بشكل فعال أمرًا ضروريًا لتحقيق الأمن المائي.

جفاف مستمر منذ ١٥ عاما

يقول الأكاديمي د. حيدر محمد، أن "مشكلة المياه في السماوة أصبحت مزمنة، حيث تعاني الأراضي الزراعية من الجفاف منذ أكثر من 15 عامًا"، مضيفا أن "الكثير من هذه الأراضي تحولت إلى مناطق سكنية، رغم تصنيفها كأراضٍ زراعية".

ويشير إلى أن "اصحاب البساتين والأراضي الزراعية يقومون بتجريف النخيل وقطع الأشجار دون رقابة، ما يؤدي إلى تدهور البيئة الزراعية".

بالإضافة إلى ذلك، يوضح محمد لمراسل "طريق الشعب"، ان "المشكلة الأساسية تكمن في نقص المياه، وهو أمر لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من معالجته من خلال التفاوض مع الجارة تركيا بشأن الحصص المائية"، مشيرا إلى "وجود كميات كبيرة من المياه الجوفية، لكنها تتركَّز في مناطق البادية، بينما تقل في الأرياف والمناطق القريبة من المدن". ومع ذلك، يحذِّر محمد من أنَّ الإفراط في استخدام المياه الجوفية قد يؤدي إلى استنزافها مع مرور الوقت، خاصة في ظل قلة الأمطار.

علاوة على ذلك، يؤكد أن "استنزاف المياه الجوفية بشكل مفرط قد يؤدي إلى كوارث بيئية، مثل حدوث هزات أرضية، نتيجة لانخفاض منسوب المياه في طبقات الأرض العميقة. فالمياه الجوفية تلعب دورا أساسيا في استقرار التربة، وعند استنزافها بشكل غير مدروس، تصبح التربة أكثر عرضة للانهيارات والتشققات، كما يؤدي الضخ المستمر إلى زيادة تركيز الأملاح والمواد الضارة، ما يجعل المياه غير صالحة للشرب أو الري.

واكد أن "الحفر العشوائي وغير القانوني والبعيد عن التخطيط المدروس للآبار قد يؤدي إلى تداخل المياه الجوفية مع مصادر ملوثة، ما يشكِّل خطرًا صحيًّا على السكان".

في النهاية، يرى محمد أن "أزمة المياه تحتاج إلى حلول مستدامة، مثل تحسين إدارة الموارد المائية، وتقنين حفر الآبار، والتوسع في مشاريع تحلية المياه، فضلًا عن التعاون الإقليمي لضمان توزيع عادل للموارد المائية بين الدول".

إيجابيات وسلبيات

فيما يؤكد الخبير الجيولوجي حسن الجابري، أن استخراج المياه من الآبار الارتوازية يحمل إيجابيات وسلبيات. فمن جهة، يُعد مصدرًا مهمًا لري المزارع والحقول التي لا تصلها المياه، كما يساهم في تربية المواشي، مما يجعله عاملاً مساعدًا في أوقات الحاجة. ومع ذلك، فإن هذه العملية تتطلب أدوات متخصصة وحفرا دقيقًا، مما يجعلها مكلفة وصعبة التنفيذ.

وأوضح الجابري لـ "طريق الشعب"، أن "المياه الجوفية تعد مصدرا يجذب الكثير من المستثمرين"، محذرا من سوء التعامل معها خاصة في المناطق الجنوبية والغربية كون المياه هناك ناضبة وغير دائمة، ما يعني ان استخدامها بشكل غير منظم يشكل خطراً على استدامتها".

ويشدد على أهمية الاستخدام المسؤول لهذا المورد، إذ يكمن التحدي الأساسي في سوء استغلال المياه، رغم توفر مصادر مائية غير مستغلة في العراق. ويشير إلى أن هناك مقترحات عديدة تم تقديمها سابقًا للحفاظ على الموارد المائية، لكنها لم تلقَ الاستجابة المطلوبة.

ويؤكد ضرورة ترشيد استهلاك المياه، بحيث يكون استخدامها وفق الحاجة الفعلية فقط، لضمان استدامتها للأجيال القادمة.

ودعا الجهات الحكومية الى اتخاذ خطوات لحماية المياه الجوفية، التي تُعد المصدر الحيوي في جنوب العراق، لتوفير الحاجة اليومية من المياه، فمن دون خطة استراتيجية لوقف الاستنزاف، ستواجه المنطقة خطراً بيئياً واقتصادياً هائلاً.

ويملك العراق خزانات مائية جوفية هامة مثل خزان الدمام والهارثة والطيارات، لكن عدم تنظيم استخدام الآبار بالشكل الصحيح يؤدي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية في الآبار بمقدار يصل إلى 5-6 أمتار.

عرض مقالات: