اخر الاخبار

أطلقت وزارة التخطيط خلال شهر أيار الجاري استراتيجية وطنية لبناء القدرات والاحتراف المهني في مجال التعاقدات الحكومية، وذلك بالتعاون مع البنك الدولي. ورغم الأهمية الكبيرة لهذه الاستراتيجية، إلا أن مراقبين يشيرون إلى تحديات اقتصادية متوقعة قد تؤثر على نجاح تنفيذها.

وفي ورشة العمل الخاصة بإطلاق الاستراتيجية التي نظمتها وزارة التخطيط، أكد المدير الإقليمي للبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الدكتور ماجد البياع، أن تطوير القدرات في مجال المشتريات العامة يشكل أداة استراتيجية لتنفيذ سياسات الدولة في مختلف القطاعات، مشدداً على أهمية الشراكة مع العراق لتحقيق أفضل النتائج.

تطوير الإطار القانوني

من جانبه، أوضح مدير عام العقود الحكومية العامة في الوزارة، ثامر عواد السعيدي، أن الاستراتيجية تعتمد على مسارين رئيسيين: الأول يمتد حتى نهاية عام 2027 ويركز على تطوير الإطار القانوني وتنفيذ برامج تدريبية شاملة. أما المسار الثاني فهو متوسط المدى حتى عام 2029 ويهدف إلى ترسيخ الاحتراف المؤسسي لوظيفة التعاقدات الحكومية.

وبالحديث عن هدف الاستراتيجية، يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن "الهدف يتمثل ببناء القدرات في مجال التعاقدات وتستهدف الوصول إلى الاحتراف الكامل في وظيفة التعاقدات الحكومية وتعزيز مكانتها ودورها وفعاليتها في الواقع التنموي والاقتصادي الاستراتيجي لمدة 5 سنوات من 2025 الى 2029".

وأوضح الهنداوي في حديث خص به "طريق الشعب"، أن الشرائح المستهدفة من هذه الاستراتيجية، هم موظفو: "الخدمة المدنية المشاركون في عمليات التعاقد عبر مراحل مختلفة، والذين هم ضمن هذه الفئة، فهناك المستوى الأول والمستوى الثاني والثالث والرابع، فيما يبلغ عدد المستفيدين حوالي 5500 موظف في الحكومة الاتحادية، وسيستفيد من هذه الآليات 1500 موظف في حكومة إقليم كوردستان".

مراحل التنفيذ

وأشار الهنداوي إلى أن الاستراتيجية ستنفذ على شكل مراحل، الأولى وفقا ستكون على :"لمدى القصير لعام 2027، وتعتمد على الإطار القانوني المناسب للاحتراف وتحديد الشروط والمتطلبات والآليات، والثانية تطوير وتنفيذ برنامج تدريبي مستدام وشامل على المدى المتوسط لغاية نهاية الاستراتيجية لعام 2029، تستهدف ترسيخ مكانة ودور ووظيفة التعاقدات الحكومية كأداة استراتيجية في تخطيط وتحقيق الأهداف العليا للجهات التعاقدية من خلال التطبيق العملي للاحتراف".

وبيّن ان ركائز هذه استراتيجية ترتكز على الاعتراف بوظيفة التعاقدات الحكومية كإحدى فئات الخدمة المدنية في الدولة، وتحديد الفئات المستهدفة واحتياجاتها من المستويات الاحترافية، وتقدير أعداد المستفيدين".

وأضاف ان "الركائز الأخرى للاستراتيجية هو إنشاء منظومة تدريب متكاملة ترتكز إلى الإطار العام للكفاءات، من خلال بناء فريق من المدربين المحليين المعتمدين، وإنشاء مراكز ومؤسسات تدريب محلية، ونظام تعلم للتعاقدات الحكومية على منصة الكترونية".

وتابع الهنداوي، أن "الكفاءات على مستوى الإطار العام تقسم إلى 5 مراحل كفاءة هي: كفاءات مرحلة التخطيط لعملية التعاقد، وكفاءات مرحلة إجراءات التعاقد، وكفاءات مرحلة إدارة العقد، والكفاءات الإدارية للقيم والسلوكيات الاحترافية".

كما حددت الاستراتيجية 4 مستويات للاحتراف، الأساسي والمتوسط والمتقدم والخبير، بالإضافة الى تحديد المؤهلات والمتطلبات اللازمة لتدريب كل مستوى من هذه المستويات وصولا للاحتراف ونطاق والمسؤولية. بحسب الهنداوي.

خطوة مهمة

الباحث في الشأن الاقتصادي، احمد عيد ذكر أن "إطلاق استراتيجية تنمية القطاعات يمثل خطوة مهمة نحو إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية شاملة خارج الإطار الريعي التقليدي"، مؤكدا أن "التركيز على رفع كفاءة التعاقدات الحكومية يعد مدخلا أساسيا للحد من الهدر المالي، ويضمن تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية ذات جدوى فعلية، في وقت يعاني فيه البلد من تراجع كبير في كفاءة الإنفاق العام".

وفي حديث عيد مع "طريق الشعب"، قال إن "جودة إدارة العقود الحكومية تُعد مؤشراً مباشراً على مستوى الفساد المالي والإداري، إذ أن سوء التعاقد، وضعف الرقابة، وغياب الشفافية ساهمت بشكل كبير في تفشي ظاهرة المشاريع الوهمية والمتلكئة خلال السنوات الماضية، ما أضعف الثقة بالجهات المنفذة وأجهض الكثير من المبادرات الحكومية".

واضاف، أن "بالرغم من وجود استراتيجية تطرح رؤى طموحة، إلا أن هناك تحديات اقتصادية جدية قد تعيق تنفيذها حتى عام 2029، أبرزها: محدودية الموارد المالية، تصاعد العجز المزمن في الموازنة العامة، ضعف التخطيط اللامركزي، وافتقار بعض المحافظات إلى الكوادر المؤهلة، فضلاً عن غياب البيئة الآمنة والمستقرة، في ظل استمرار ظاهرة السلاح المنفلت ونفوذ الميليشيات، والتي تمثل عائقا مباشر أمام الاستثمار والتنمية، سواء من خلال فرض الإتاوات أو التدخل في منح العقود".

إشراك القطاع الخاص

وتابع أن "إشراك القطاع الخاص في هذه الاستراتيجية، سواء على مستوى التدريب أو التنفيذ، سيكون عامل حاسم في إنجاحها، لا سيما أن القطاع الحكومي وحده غير قادر على تحمل أعباء التنمية"، مستدركا بالقول "لكن تحقيق ذلك يتطلب بيئة قانونية وتنظيمية حامية ومحفزة، إلى جانب إصلاحات حقيقية في ملف النزاهة والشفافية".

وبرغم الظروف المالية الصعبة، رأى عيد أن توقيت إطلاق الاستراتيجية قد يكون "مناسب إذا ما تم البناء عليها تدريجياً، وبما يتلاءم مع الإمكانات المتاحة"، مشيراً إلى أن "التخطيط الطويل الأمد، ولو في ظل التقشف، يظل خيارا أفضل من الاستمرار في النهج العشوائي وردات الفعل، ويُعد رسالة إيجابية للمواطن والمستثمر على حد سواء".

وقال علي نجم العبدالله، مختص في الاقتصاد، أن "إطلاق وزارة التخطيط لاستراتيجية وطنية لبناء القدرات في مجال التعاقدات الحكومية هو خطوة مهمة على طريق إصلاح الجهاز الإداري وتحسين جودة الإنفاق العام في العراق"، مؤكدا ان "التركيز على تطوير الإطار القانوني وبرامج التدريب يعكس وعيا بضرورة الاحترافية والشفافية في إدارة العقود، وهو ما يمكن أن يقلل من الهدر المالي ويعزز الثقة في تنفيذ المشاريع التنموية".

وبيّن العبدالله لـ "طريق الشعب"، انه "لا يمكن تجاهل التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه تنفيذ هذه الاستراتيجية بنجاح. محدودية الموارد المالية، والعجز المستمر في الموازنة، والبيئة الأمنية غير المستقرة كلها عوامل قد تعيق تطبيق البرامج التدريبية أو تحديث الأطر القانونية بشكل فعال".

وذكر أن "غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات المركزية والمحلية، يشكل عائقا أمام تطوير منظومة التعاقدات بشكل متكامل، مؤكدا ان "نجاح هذه الاستراتيجية مرهون بوجود إرادة سياسية حقيقية، ودعم مستمر من البنك الدولي، إلى جانب مشاركة فعالة للقطاع الخاص".

وخلص الى انه "في حال تمكن العراق من تجاوز هذه التحديات، فإن هذه الاستراتيجية قد تصبح نموذجا ناجحا لتحسين الإدارة الحكومية وتنفيذ مشاريع ذات جودة عالية، تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة".

عرض مقالات: