اخر الاخبار

في بلد يواجه أزمات متعددة، تتصدر أزمة القطاع الصحي مشهد المعاناة اليومية للمواطن العراقي، حيث أصبح الحصول إلى علاج بسيط يشكل تحديا مرهقا في ظل تراجع الخدمات وندرة المستلزمات الطبية.

وتكشف شكاوى متزايدة من داخل المؤسسات الصحية عن خلل عميق يتجاوز ضعف التمويل، ليطال منظومة إدارية تعاني من الفساد وغياب الكفاءة.

وفي وقت تهدر فيه المليارات على عقود مشبوهة، يُترك المرضى، لا سيما المصابون بالأمراض المزمنة والسرطانية، في مواجهة مصيرهم، وسط نظام صحي ينهار بفعل المحاصصة والولاءات السياسية.

تراجع صحي كبير

وقال الصيدلي الممارس زيد شبيب، إن قطاع الصحة في العراق يشهد تراجعا كبيرا، مرجعا ذلك إلى قلة التخصيصات المالية للوزارة ومؤسساتها، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية الصحية، مشيرًا إلى أنه حتى الوحدات الصحية التي تم إنشاؤها حديثًا، يعاني أغلبها من التعطيل بسبب سوء الإدارة المالية والإدارية.

وأكد شبيب لـ"طريق الشعب"، أن "الفساد مستشر داخل الوزارة، خصوصا في ما يتعلق بالعقود الخاصة بشراء الأجهزة والمستلزمات الطبية والأدوية"، موضحا أن هذه العقود تشوبها الكثير من الملاحظات والشبهات، وتفتقر إلى الشفافية والرقابة.

وأشار إلى حادثة شهيرة جرت في عهد أحد وزراء الصحة السابقين، حين حاول توريد أجهزة ومستلزمات طبية بقيمة تقارب 2 مليار دولار، في حين أن نفس الكميات والمواصفات كانت تُورد سابقا بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار، وهو ما يوضح الخلل الكبير في آليات التعاقد وتفاوت الأسعار بشكل غير مبرر.

وشدد شبيب على أن مرضى الأمراض المزمنة والسرطانية هم الأكثر تضررا من هذا التراجع، حيث تؤثر قلة الميزانية المخصصة للصحة مباشرة على قدرتهم في الحصول على العلاج والرعاية المناسبة.

وأضاف ان "ما نعيشه اليوم هو نتيجة نهج إداري قائم على المحاصصة، حيث تُدار المؤسسات من قبل أشخاص لا يمتلكون الكفاءة، بل يمثلون محاصصات سياسية وجهات متنفذة، الأمر الذي أدى إلى حالة من التناحر والصراع داخل المؤسسات، على حساب صحة المواطن العراقي".

معوقات إدارية

وقال الدكتور سعد بداي، عضو نقابة الأطباء، إن مصطلح "السيولة" لا يُستخدم بشكل دقيق عند الحديث عن تمويل المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية، موضحا أن التمويل يتم عبر موازنة الدولة السنوية المخصصة لوزارة الصحة، والتي تُوزع على دوائر الصحة في المحافظات والمستشفيات التابعة لها.

وأضاف البداي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "مشكلة نقص الموازنات تعد من أبرز التحديات التي تواجه النظام الصحي الحكومي، وتؤثر بشكل مباشر على قدرة المؤسسات على شراء الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لاستمرار العمل". وتابع انه "في كثير من الأحيان، بل في معظم الأوقات، توجد شحة كبيرة في موازنة وزارة الصحة، وهذا يؤدي إلى نقص حاد في المواد والمستلزمات الأساسية".

وبيّن أن وزارة الصحة منحت بعض الصلاحيات لإدارات المستشفيات للسماح لهم بشراء بعض المواد بشكل مباشر دون الرجوع إلى دوائر الصحة، وذلك ضمن حدود معينة، في محاولة لتجاوز بعض المعوقات الإدارية.

ومع ذلك، أكد أن شح التمويل ينعكس سلبًا على المرضى، حيث يُضطر الكثير منهم إلى شراء مستلزمات طبية من خارج المستشفى لاستكمال عمليات جراحية أو علاجات، ما يثقل كاهلهم ماليًا ويضعف من جودة الرعاية الصحية المقدمة.

معدات طبية بأسعار مضاعفة

من جهته، ذكر الناشط السياسي علي القيسي أن "ما يجري داخل وزارة الصحة من فساد إداري ومالي ممنهج لا يمكن السكوت عنه، لأنه ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين وصحتهم".

وأضاف القيسي لـ "طريق الشعب"، أن "عقود بمليارات الدنانير توقع دون رقابة حقيقية، ومعدات طبية تُشترى بأسعار مضاعفة، بينما يعاني المواطن من نقص أبسط المستلزمات في المستشفيات الحكومية، هذا دليل واضح على أن الفساد أصبح جزءًا من بنية الوزارة".

وأشار إلى أن "المشكلة لا تتعلق فقط بالأموال، بل بمنظومة متكاملة من المحاصصة السياسية والولاءات الحزبية التي تحكم عمل الوزارة، وتمنع الإصلاح الحقيقي".

وتابع انه "من غير المقبول أن يبقى المواطن العراقي رهينة لصراعات الكتل وتناحر المصالح، بينما يفقد المريض حقه في العلاج والكرامة".

واختتم القيسي بالقول "نحن بحاجة إلى مساءلة حقيقية، وفتح جميع ملفات الفساد في وزارة الصحة أمام القضاء والرأي العام، وإلا فإن هذا الانهيار سيتواصل، وسيدفع ثمنه الأبرياء من المرضى والفقراء".

عرض مقالات: