اخر الاخبار

تشهد ظاهرة المخدرات في العراق تنامياً مقلقاً، وسط تحذيرات من تحول البلاد إلى مركز ناشط في تجارة وتصنيع المواد المخدرة على مستوى المنطقة، في وقت تتزايد فيه معدلات التعاطي بين فئة الشباب تحديداً. وتُظهر المعطيات الميدانية وجود محاولات موثقة لإنتاج المخدرات في محافظات مختلفة، من الجنوب إلى الشمال، بالتزامن مع نشاط شبكات التهريب والترويج عبر الحدود. وبينما تكثف الجهات الأمنية حملاتها لملاحقة المهربين وتجار المخدرات، يرى متخصصون أن المعالجة لا تكتمل من دون تطوير البنى الصحية المخصصة للعلاج والتأهيل، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية والتشريعية، مؤكدين أن المخدرات باتت "تهديداً صامتاً" يضرب في عمق الأسرة والمجتمع، ويستدعي استجابة شاملة تشمل جميع المستويات: الأمنية، الصحية، والتعليمية.

وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات في وقت سابق عن تنامي خطر تحول العراق إلى نقطة رئيسية لإنتاج وتجارة المواد المخدرة في منطقة الشرق الأوسط. ولفت التقرير إلى محاولات موثقة لإنتاج المخدرات في محافظات عراقية، أبرزها المثنى جنوبي البلاد، إلى جانب كركوك وطوزخورماتو في الشمال.

وأشار التقرير الأممي إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر تضرراً من انتشار هذه الظاهرة، والتي تغذيها عوامل عدة أبرزها البطالة وتراجع مستويات الرقابة الأمنية والمجتمعية. كما حذر من أن العراق، إلى جانب دول المنطقة، بات مهدداً بأن يكون بيئة خصبة لعمليات التهريب والتصنيع غير المشروع.

وقدم التقرير سبع توصيات أساسية، شملت تفعيل الاتفاقيات الإقليمية الخاصة بمكافحة المخدرات، وتعزيز التعاون بين العراق وجامعة الدول العربية ودول الخليج، إلى جانب الدعوة لإنشاء مركز إقليمي متخصص بإنفاذ القانون ومكافحة المخدرات.

ترابط العنف مع الإدمان

أكد عصام كشيش، رئيس منظمة التعافي للحد من خطورة المخدرات، أن هناك علاقة مترابطة بين العنف والإدمان، مشيرا إلى أن العنف الأسري قد يدفع بعض الأفراد نحو تعاطي المخدرات، في حين يؤدي الإدمان بدوره إلى سلوكيات عنيفة وتوترات داخل الأسرة والمجتمع.

وقال كشيش أن "الإجراءات الحكومية في مواجهة الإدمان كانت واقعية وسريعة، ولم تنتظر تشريعات البرلمان، على عكس التحركات البرلمانية التي اتسمت بالبطء في إقرار القوانين المرتبطة بالإدمان".

وأضاف أن تلك الجهود الحكومية أسهمت بشكل كبير في الحد من انتشار الظاهرة خلال النصف الثاني من عام 2024 وبداية 2025، رغم التقارير السابقة التي تحدثت عن تزايد أعداد المدمنين.

وبيّن أن العراق لا يزال يعاني من ضعف في البنى التحتية الصحية لعلاج الإدمان، مشيرا إلى وجود مستشفيين فقط في جانب الكرخ ببغداد، فيما تفتقر المحافظات إلى مراكز متخصصة وتكتفي بأقسام ضمن المستشفيات العامة. ودعا إلى إنشاء مستشفى متخصص في كل محافظة، وهو ما يتطلب موافقات برلمانية ومخصصات مالية.

الظاهرة تنحسر

ونوّه كشيش بدور وزارة الداخلية، وجهود مكافحة المخدرات، فضلاً عن دور الإعلام في التوعية، رغم عدم وصوله إلى المستوى المطلوب بعد. كما نوه بمساهمة منظمات المجتمع المدني وشيوخ العشائر في جهود العلاج والحد من الظاهرة.

وأشار إلى أن منظمته "تعافي" عالجت أكثر من 3,000 حالة إدمان خلال السنوات الثلاث الماضية، بين ذكور وإناث، مؤكدًا أن العراق يشهد حالي تحسن نسبي في مواجهة الإدمان، لكنه شدد على أن "الظاهرة لم تنتهِ بعد، بل انحسرت بشكل واضح بفضل تعاون عدة جهات".

واختتم كشيش بالتحذير من أن المخدرات لا تُعد فقط ظاهرة صحية أو اجتماعية، بل تُستخدم أحيانًا كسلاح من قبل أجهزة استخبارات دولية لزعزعة استقرار الدول.

المنافذ الحدودية.. ثغرة كبيرة

من جهته، حذر الخبير الأمني سرمد البياتي من تفاقم خطر المخدرات في العراق، مؤكدًا أن تأثيرها الأمني والاجتماعي لا يقل عن خطر السلاح، خاصة على فئة الشباب.

وقال البياتي في حديث لـ "طريق الشعب"، انه "في عام 2014، كان التهديد الأكبر بالسلاح الناري، أما اليوم فالمخدرات تقتل بشكل صامت، وتدمر الشباب من الداخل".

وأشاد البياتي بالجهود التي تبذلها وزارة الداخلية لمكافحة المخدرات، لا سيما بالتعاون مع دول الجوار. لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة السيطرة المحكمة على المنافذ الحدودية، كونها تمثل مدخلا رئيسيا لتهريب المواد المخدرة.

ودعا البياتي إلى فرض عقوبات مشددة على تجار المخدرات، قد تصل إلى الإعدام، مع ضرورة تنفيذ هذه العقوبات بشكل صارم، مؤكدا أن التغاضي عنها سيفاقم المشكلة على المدى البعيد.

واكد أن استمرار تجارة المخدرات دون رادع سيؤدي إلى آثار مدمرة ليس فقط على المستوى الأمني، بل الاجتماعي والاقتصادي أيضًا.

تفكيك 74 شبكة

أما الناشطة في مجال مكافحة المخدرات إيناس كريم، فأكدت ما ذهب اليه المتحدثان السابقان بأن العراق يشهد جهودا أمنية حقيقية ومتواصلة في مكافحة شبكات تهريب وترويج المخدرات، مشيرة إلى أنه "من عام 2023 وحتى عام 2025 تم تفكيك أكثر من 74 شبكة في مختلف المحافظات العراقية، وذلك بفضل التعاون بين عدة أجهزة أمنية".

وأضافت كريم لـ "طريق الشعب"، أن "هناك تحسنا ملحوظا في الجانب العلاجي أيضا، حيث تم افتتاح 16 مصحة قسرية لمعالجة المتعاطين الذين يُحالون إليها بدلا من السجون، في خطوة مهمة نحو التركيز على إعادة التأهيل بدلاً من العقاب فقط".

كما أشارت إلى وجود "مراكز علاجية متخصصة تابعة لوزارة الصحة، منها مركز القناة للتأهيل الاجتماعي ومركز العطاء في بغداد، بالإضافة إلى مستشفى جديد يُتوقع افتتاحه خلال هذا العام في منطقة العامرية بجانب الكرخ".

وفي ما يتعلق بالإطار الوطني لمكافحة المخدرات، كشفت كريم عن مشاركتها في إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات 2025 – 2030، التي وصفتها بأنها "خطة شاملة، تم اعتمادها وتطبيقها على جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، تحت إشراف مستشاري الأمن القومي"، مشيدة بتعاون كل الأطراف في صياغتها.

وأشارت إلى أنها تمكنت خلال عام 2025 من معالجة حوالي 420 حالة إدمان من خلال مؤسستها، التي تنفذ حملات توعية واسعة تستهدف المدارس والجامعات والمنتديات الشبابية.

وحول تقييمها لتقرير الأمم المتحدة بشأن الوضع في العراق، أكدت كريم دقته من ناحية الاشارة الى وجود تداعيات اجتماعية واقتصادية وصحية، لكنها قالت إن "الوضع اليوم بات أقل خطورة مما كان عليه، بفضل الجهود الأمنية المتواصلة، وتزايد أعداد المتعافين من الإدمان".

وشددت على "الحاجة الملحة لضبط الحدود والمطارات بشكل أكبر، وتوسيع شبكة المستشفيات والمراكز العلاجية، إضافة إلى تفعيل دور الإعلام في نشر الوعي، من خلال البرامج والمسلسلات والمحتوى الرقمي المؤثر". واختتمت كريم حديثها بالتحذير من خطورة تعاطي المخدرات، واصفة الظاهرة بـ"الإرهاب الناعم أو الإرهاب الصامت، لأنه "ينخر في جسد المجتمع دون أن يشعر به أحد، ويتسلل إلى البيوت والمدارس والجامعات، ويستهدف فئة الشباب بشكل مباشر".

وأكدت أن المتعاطين، في حال عدم تلقيهم العلاج المناسب، قد يتحولون إلى مصدر خطر على أسرهم ومجتمعاتهم، مشيرة إلى أن "الإدمان على مخدرات مثل الكريستال يمكن أن يقود إلى سلوكيات عنيفة قد تصل إلى الاعتداءات الجسدية أو الجنسية".

وأضافت أن "المدمن غير المعالَج أشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة".

كما أعربت عن أملها في "تحويل المتعافين من الإدمان إلى معالجين يساعدون الآخرين على التعافي، مما يخلق سلسلة أمل وإنقاذ جديدة داخل المجتمع".

عرض مقالات: