اخر الاخبار

وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 19 حزيران الماضي بتشكيل لجنة مختصة لدراسة أسباب انتفاء الحاجة إلى 28 مشروعاً في محافظة البصرة، على الرغم من صرف مبالغ مالية وإنجاز نسب متفاوتة في بعضها. يأتي هذا التوجيه في ظل تصاعد الانتقادات حول توقف عدد كبير من المشاريع التنموية في المحافظة، وغياب الرقابة الفعالة، ما أسهم في تأخر التنفيذ وهدر الموارد.

الرقابة معطلة

وقال مراقبون، أن ضعف الرقابة الشعبية والحكومية، وصعوبة الوصول إلى أصحاب القرار المسؤولين عن تنفيذ العقود، أدى إلى غياب المحاسبة ومواصلة التلكؤ في تنفيذ المشاريع. كما أبدوا قلقهم من عدم وضوح تفاصيل هذه المشاريع وأصحاب العقود المتعاقد معهم، ما يعزز مخاوف الفساد وسوء الإدارة.

وقال عمار سرحان، مراقب للشأن المحلي، ومدير منظمة بصرياثا، إن أغلب المشاريع المتلكئة والمتوقفة في المحافظة تعود إلى الوزارات الاتحادية، مشيراً إلى أن "ضعف الرقابة سواء الشعبية أو الحكومية يعد السبب الرئيس وراء هذا التلكؤ".

وأضاف سرحان في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "الجهات الرقابية تجد صعوبة كبيرة في الوصول إلى صاحب القرار المسؤول عن تنفيذ هذه المشاريع والعقود، مما يؤدي إلى غياب المحاسبة".

وتابع أن "نحو 90 في المائة من المشاريع الوزارية في البصرة متلكئة، في حين أن النسبة في العاصمة بغداد لا تتجاوز 10 في المائة ما يعكس فجوة كبيرة في مستوى الأداء والمتابعة بين المركز والأطراف".

وفي المقابل، أشار إلى أن بعض المشاريع المحلية التي نفذتها الحكومة المحلية في البصرة حققت نجاحات ملموسة، مشددا على ضرورة تعزيز التنسيق بين المحافظات من خلال هيئة التنسيق المشترك، والتي يُفترض أن تلعب دورا شفافا في عرض ومتابعة المشاريع المنفذة".

وأشّر سرحان عددا من المشاريع المتلكئة، من بينها مشروع مجمعات سكنية تابع لوزارة الإعمار والإسكان، ومشروع لتحلية المياه، بالإضافة إلى مشروع "مدينة النخيل السكنية" الذي بدأ في عام 2013 وتوقف دون إنجاز يُذكر.

واختتم حديثه بالقول: "هناك مئات المشاريع في البصرة تعاني من الإهمال أو تم إيقافها دون مبررات واضحة، ما يتطلب وقفة جادة من الجهات المعنية ومراجعة شاملة لآليات الرقابة والتنفيذ على مستوى المشاريع الوزارية".

الاعمار والإسكان: ليست مشاريعنا

وتواصل مراسل "طريق الشعب" مع وزارة الإعمار والإسكان للاستيضاح بشأن المشاريع المُشار إليها خلال اجتماع رئيس الوزراء بالهيأة العليا للتنسيق بين المحافظات، حيث أوضح المتحدث باسم الوزارة، المهندس نبيل الصفار، أن تلك المشاريع لا تعود للوزارة: انها "تابعة للحكومة المحلية في البصرة". دون الإشارة الى نوعية المشاريع وتفاصيلها.

وأوضح الصفار، في حديث لـ"طريق الشعب"، أن هناك مشاريع تنفذها الوزارة في المحافظة، منها مشروع إنشاء جسر الشهيد عز الدين ومشروع إزالة الجسر الحديدي المؤقت وإنشاء جسر العلي الكونكريتي ضمن قطاع الطرق والجسور.

وتابع الحديث عن قطاع المجاري بالقول: ان "المديرية العامة للمجاري تُشرف على تنفيذ المرحلتين الرابعة والخامسة من مشروع محطة المعالجة (مركز تصفية حمدان)، بينما تتولى المديرية العامة للماء المرحلة الأولى من مشروع ماء البصرة الكبير".

وأشار الى انه في ما يخص قطاع الإسكان فان "العمل مستمر على إنشاء مجمع شط العرب 2 السكني. كما تنفذ شركة الفاو الهندسية العامة عدداً من المشاريع لصالح المحافظة، منها إعادة إنشاء وتأهيل محطة تعبئة وقود المربد الحكومية، وإنشاء مدرسة الأحرار (18 صفاً) في حي الأحرار".

فساد واضح ومفسدون في الظل!

الناشط السياسي حكيم العيداني، قال لـ"طريق الشعب"، أن مستوى المشاريع المنفذة في محافظة البصرة لا يرتقي إلى حجم الخيرات التي تمتلكها المحافظة، مؤشر تقصيرا واضحا في المتابعة والرقابة من قبل ممثلي البصرة في مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة. واضاف العيداني، "إذا أردنا تقييم المشاريع في البصرة، فسنجد أنها قليلة جدًا مقارنة بما تستحقه المحافظة من خدمات وبنى تحتية. في المقابل، نشهد هدرا كبيرا في المال العام، والسبب في ذلك يعود إلى ضعف المتابعة من نوابنا وأعضاء مجلس المحافظة".

وأشار إلى أن بعض المقاولين يستغلون هذا الغياب في الرقابة لتحقيق أرباح خيالية، موضحا انه "قد يُمنح المقاول مشروعا بكلفة مليار دينار، لكنه يسجله على الورق بعشرة مليارات. هذا الفرق الكبير يمر بسبب غياب الدور الرقابي الفعّال من الجهات المعنية".

الارباح تتضاعف عشر مرات

واسترسل المتحدث بأن "أحد الجسور في المحافظة بلغت كلفته 80 مليار دينار، وهو مبلغ ضخم يكاد يوازي تكلفة ناطحة سحاب. وفي المقابل، ما زلنا نعاني من مشكلات مزمنة مثل انقطاع الكهرباء وتفاقم أزمة المياه المالحة".

وذكر العيداني أن المليارات صُرفت على مشاريع تحلية المياه ومحطات ضخ المياه، ومشاريع من الفاو إلى مركز المدينة، من دون أن تظهر نتائج واضحة على أرض الواقع، معتقدا ان "الخلل يكمن في مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة الذين من المفترض أن يتولوا المتابعة والتشريع والمحاسبة، لكن للأسف، خلال السنوات الماضية لم نرَ لهم أي دور حقيقي".

واردف العيداني: أن الهدر في المال العام ليس حكرا على البصرة فقط، بل يشمل معظم المحافظات العراقية، لكنه أكد أن البصرة لها وضع خاص كونها "أم النفط، وأم الخير، وأم الموانئ"، ويجب أن تحصل على ما تستحقه من موازنات عادلة ودعم مركزي.

وأضاف أن هناك العديد من المشاريع الوزارية المتلكئة، إضافة إلى المشاريع المحلية التي تعاني من عدم صرف الأموال، وهو ما يعرقل تنفيذها، مضيفا أن "الوزارات الاتحادية تتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب الفساد الإداري والتلكؤ، فضلًا عن الصراعات بين الحكومة المحلية والحكومة الاتحادية".

وانتقد العيداني الهيئة التنسيقية للمحافظة، قائلاً: "لم تُبين الهيئة ما هي المشاريع المتلكئة، ولم توضح من هي الجهات المتعاقدة والمسؤولة، ولا من يقف وراء الفساد".

وخلص الى ان محافظة البصرة لديها 25 نائبا في البرلمان وهناك 22 عضوا في مجلس المحافظة، متسائلا: أين هم من مسؤوليتهم الرقابية، إذا كانت هناك سرقات أو شبهات فساد؟ أين اللجان الرقابية؟ وأين المحاسبة؟".

انتقادات لاذعة

من جهته، وجّه نائب رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية، جواد اليساري، انتقادات لاذعة للجهات التنفيذية بشأن الإهمال الحاصل في مشاريع خدمية متلكئة منذ سنوات، مشيراً إلى أن العديد من هذه المشاريع اندثرت رغم صرف أموال طائلة عليها.

وقال اليساري، إن "الهيئة التنفيذية غابت طوال هذه الفترة عن متابعة المشاريع، رغم أن بعضها مضى عليه أكثر من 14 عامًا"، متسائلاً عن دور الحكومة الاتحادية الحكومات المحلية والوزارات المختصة في التعامل مع هذه المشاريع.

وأضاف أن "بعض المشاريع التي أُهملت كان من الممكن أن تخدم آلاف المواطنين، مثل المدارس المتهالكة التي أصبحت بلا نوافذ ومهددة بالانهيار"، مشيراً إلى أن "غياب الجدية في المحاسبة ورفع الدعاوى القضائية ضد المقاولين أو الجهات المنفذة أسهم في اندثار هذه المشاريع".

وكشف اليساري عن لقائه ببعض المقاولين الذين أشاروا إلى أن "غياب الصرف الحكومي، وتوقف المشاريع خلال فترة سيطرة داعش، وارتفاع أسعار المواد الإنشائية، دفعهم لترك المشاريع بسبب الخسائر".

وضرب مثالاً بمشاريع حيوية قال إنها ما تزال متوقفة، مثل مشروع النبراس للبتروكيماويات، وأكاديمية المحاربين، ومحطة معالجة مياه المجاري في أبو الخصيب، مؤكداً أن هذه المشاريع مهمة لمعالجة مشكلات التلوث والملوحة، لكنها تعاني من نقص التمويل.

وأشار اليساري إلى أن "المحافظات لا تحصل إلا على جزء بسيط من تمويل المشاريع"، موضحاً أن "المحافظة التي يُخصص لها 100 مليار دينار، لا تستلم سوى 35 ملياراً، والباقي يُدوَّر دون أن تعيد وزارة المالية ضخه مجدداً".

عرض مقالات: