اخر الاخبار

ما ان اندلعت الحرب الحالية قبل اسابيع في السودان، حتى وجدت المرأة السودانية نفسها من جديد في مواجهة الاعتداء الشنيع – الاغتصاب الذي يجبرها العساكر المستهترون على تحمله في اجواء القتال والعنف المنفلت.

والحرب الحالية هي امتداد لحروب سابقة عانى منها السودان منذ بداية عهده الوطني، واستخدم فيها الاغتصاب كسلاح لكسر شوكة الخصم، والذي هو مواطن من واجب الدولة حمايته.

في اجواء الحرب ظلت الفئات الضعيفة والهشة في المجتمع وعلى رأسها فئة النساء، تدفع ثمن اجتهادات خرقاء تتسم بانعدام الحس الانساني والمسؤولية الوطنية تجاه تماسك النسيج الاجتماعي، نظرا الى ان جريمة كالاغتصاب تورث احساسا عميقا بالمهانة، ولا تنتهي تأثيراتها في المديين القريب والمتوسط.

وفي حرب جنوب السودان ظل الاغتصاب ديدن الضباط والجنود مسنودا بفهم مغلوط لثقافة القبائل الجنوبية،  التي اعتقدوا انها لا تقيم وزنا للانتهاكات الجنسية، وهذا يعطي فكرة عن العنصرية المستشرية في مؤسسات يفترض فيها انها وطنية عامة وتعبّر عن كل السودان. وقد سببت ممارسات الضباط والجنود المذكورة في مناطق الجنوب اذى نفسيا جسيما  لمجموع القبائل الجنوب سودانية . وفي ظني ان تلك الانتهاكات كانت واحدة من الاسباب التي جعلت انفصال الجنوب خيارا شعبيا.

 وفي دارفور التي انفجر فيها التمرد عام ٢٠٠٣, شاع وقتها عن قوات مليشيا الجنجويد التي سُيّرت لقمعه، انها ترتكب الفظائع وعلى راسها الاغتصاب مما جعل الاهالي يفرون من امامها تاركين قراهم  ليسكنها اولئك الاعراب. 

بذلك اصبح الاغتصاب ثقافة عند هذه القوات المحميّة من السلطة.  ولهذا تضمنت كل المفاوضات اللاحقة مطالبة حركات التمرد للحكومة بحل مليشيا الجنحويد، كما ان المطلب ذاته ورد في كل تقارير حقوق الانسان الدولية. لكن الحكومة في مسعى للخروج من هذا المأزق امام المجتمع الدولي، اعلنت المليشيا  قوات نظامية وسمتها “قوات الدعم السريع”. وها هي الان تفشل في اقناع العالم بانها قوات متمردة. 

وكانت الحكومة طوال فترة الحرب في دارفور تنكر ممارسات الاغتصاب من قبل قواتها وتعتبر ذلك دعاية ضدها تمارسها المنظمات العالمية بالتعاون مع بعض العملاء.   ولكنها الان تطالب المجتمع الدولي بادانة انتهكات الدعم السريع وعلى راسها الاغتصاب،  بعد ان سجلت جهات رسمية وقوع حالات اغتصاب في بعض المدن مثل مدينة بحري قامت بها هذه القوات.

لقد ظل هذا السلوك مقترنا بهذه القوات منذ نشأتها وكانت تقوم به بعلم السلطة. بل وان الدولة خططت لاخلاء اقليم دارفور من السكان باستخدام اسلحة منها سلاح الاغتصاب. لكن اهل شمال السودان وو سطه الواقعين تحت تاثير الدعاية الحكومية، لم يكونوا يصدقون وقوع مثل هذه الممارسات حتى اصبحوا الآن هم انفسهم ضحية لها. فقد بيّنت افادات شهود عيان ان هذه القوات دخلت عدة بيوت واغتصبت البنات والامهات امام رجالهم،  ولم تنجُ من افعالهم حتى القاصرات .

وقبل ايام دانت مجموعة “نساء ضد الحرب” من الخرطوم جرائم اغتصاب النساء “التي ترتكبها المليشيات والاطراف المتنازعة في السودان”، كما دانت “استمرار الصمت الدولي والاممي تجاه هذه الجرائم”. 

لقد انتهت الحروب السابقة في السودان، التي حوّل المتحاربون فيها اجساد النساء الى واحدة من ساحاتها، انتهت باتفاقيات سلام او هدنة تطول او تقصر، لكنها لم تنصف أبدا الضحايا خاصة النساء الذين لاناقة لهم ولا جمل في صراعات القوى السياسية والعسكرية الفاشلة وانقلاباتها على بعضها.

فهل سيختلف الحال هذه المرة، حين تنتهي الحرب الحالية الدموية والمدمرة؟

عرض مقالات: