اخر الاخبار

“ارسم منظرا طبيعيا”؟ سؤال يختزل منهاج التربية الفنية في غالبية المدارس الابتدائية والثانوية. أما معلمو ومدرسو هذه المادة فتحولوا الى مساعدين لإدارات المدارس في إنجاز بعض المهام، من بينها مراقبة الساحات في أثناء أوقات الاستراحة بين الدروس.

هذا السؤال كان يلخص أسئلة الامتحان النهائي لطلبة بعض المدارس. “يكفي ان تكتب اسمك وتخرج من القاعة”، هكذا رد المدراس المراقب على أحد طلبته في أثناء الامتحان النهائي لهذه المادة، قبل ايام قليلة مضت. يرى أصحاب الاختصاص، إن حصة “التربية الفنية” تواجه اليوم تهميشاً كبيراً من قبل إدارات المدارس، على اعتبارها درسا لا أهمية له.

ويأمل هؤلاء أن تلقى مادتهم الاستحقاق الذي تستحق، والعمل على تطوير المنهاج التربوي الخاص بها.

موهبة أصبحت مهنة

تذكر أمل رائد، طالبة في كلية الفنون الجميلة، أن درس الفنية في مرحلة الثانوية “كان بمثابة متنفسا للتعبير عما في داخلي من أفكار على شكل خطوط والوان بكراس الرسم، وما كان يحفزني أكثر هو مدرستي لمادة التربية الفنية، التي تنبأت وقتها بأني سأكون رسامة ماهرة، وساعدتني في ذلك، ولولاها لما تمكنت من معرفة انني املك هذه الموهبة”.

وتردف كلامها لـ “طريق الشعب”، قائلةً إنها “تمكنتُ من استثمار هذه الموهبة في تحقيق عائد مالي يساعدني في تمشية أموري الحياتية”، مضيفةً أنها تقضي اوقات فراغها في الرسم “اذ اصبح متنفسي الوحيد”.

وتشير في حديثها إلى إن “مادة التربية الفنية تواجه اهمالا كبيرا وتهميشا من قبل اصحاب الاختصاص، بالشكل الذي يجعل غالبية الطلبة لا يعيرون لها أهمية، حتى وان كانوا يملكون موهبةً”. لكن أمل تعتقد أنها من اهم المواد الدراسية التي تدعم المواد التعليمية.

وتشدد على أهمية تضمين درس الفنية في قطاع التعليم واعطائه استحقاقه، وتطوير اساليبه بشكل مستمر، وبناء قاعات خاصة للمراسم، كون اغلب المدارس تفتقد هذا النوع من القاعات.

درس إضافي

تقول الأكاديمية نور عادل الخفاجي، إن “هناك استغلالا كبيرا لدرس مادة الفنية من قبل بقية مدرسي المواد التعليمية، على اعتباره درسا غير مهم مقارنةً بالمواد الأخرى”.

وتردف كلامها لـ “طريق الشعب”، أن “قلة الاهتمام بالجانب الفني في المدارس، يجعل من الطالب يظن أن المدرسة هي بوابة للوصول الى الشهادة الأكاديمية فقط، وليس دورها تنمية المهارات وصقلها”.

وتضع الخفاجي اللوم الأكبر على مدرس مادة الفنية، لاعتباره هذه الحصة “مادة إضافية” ليس لها أهمية، ويجعلها متاحة أمام الجميع باستغلالها.

وترى الخفاجي، أنّ حصة الفنية درس ينمّي مهارات الطلاب ويشكل حافزا لهم لشغل أوقات فراغهم بمواهبهم، بدل اللجوء الى شغله بأشياء غير صحيحة.

وتستدرك قائلة، “نتعجب خلال الامتحانات النهائية، وأثناء تصحيح الأوراق الامتحانية لمادة الفنية حين نكتشف أننا نملك طلاباً رسامين ماهرين وخطاطين محترفين، وبعضهم يسرد قصصاً برسمة بسيطة، لم نكن نعرفهم”. وتتأسف لكونهم لم يجدوا دعماً يصقل موهبتهم او ينميها.

فسحة للاكتشاف

ويعتبر اكتشاف موهبة الطفل من الصغر في المدرسة او البيت، له أهمية وتأثير كبير بما يملكه من قدرات. هذا ما قالته وسن عامر، مدرسة مادة الفنية في إحدى ثانويات بغداد للبنات.

وتبين في حديثها مع “طريق الشعب”، أن “إهمال حصة التربية الفنية، يؤدي لاندثار المواهب الفنية لدى الطلاب”، مشيرة الى إن الإهمال يبدأ من تقاعس أساتذة مادة الفنية وتنازلهم عن الحصة لأجل باقي الدروس العلمية، ما يحرم الطالب من إخراج روح الإبداع والفن في داخله، وتفريغ طاقته السلبية بأوراق الرسم”.

وتجد عامر، أن مادة التربية الفنية والاعمال اليدوية “تعد بمثابة فسحة للطالب، لاكتشاف وتنمية مواهبه، لكن في الكثير من المدارس تم إلغاؤها من جدول الحصص الدراسية، او إهمالها بالشكل الذي لا يعطيها حقها”.

وتشيد عامر بالمدارس التي تقيم معارض فنية ومنافسات بين المدارس الأخرى، وتكرم خلالها أصحاب المواهب في الرسم، وبقية المواهب الأخرى، بما يشكل دعماً لهم وحافزا لبقية الطلبة من أجل اكتشاف مواهبهم.

وتلفت عامر إلى وجود مواهب إبداعية أخرى غير الرسم “نجد الكثير من الطلاب مولعين بالموسيقى والكتابة والخط والرياضة بأنواعها، ولا بد من تخصيص حصص لها لتشجيعهم ودعمهم في تنمية هذه المواهب”.

وتحث عامر على وضع منهاج تربوي لمادة الفنية، وتضمينه اعمالا وتقنيات فن متطورة ومتعددة، لأجل ترسيخ ثقافة الفن في نفوس التلاميذ، وجعل هذه المادة محببة إلى قلوبهم.

وتحاول عامر جاهدة إعطاء حصة مادة الفنية استحقاقها الحقيقي، وجعل الـ 45 دقيقة التي تقضيها برفقة طلابها وقتاً للاستمتاع وتعلم فنون جديدة. وتجد أن هذه المادة “تساهم بتهذيب سلوك الطالب.. أليس هذا أسمى هدف تربوي نستهدفه؟”.

عرض مقالات: