تُعرف مدينة الموصل القديمة (الساحل الأيمن)، ببيوتها التراثية المطلية بالألوان الزاهية داخل أزقتها الضيقة، التي كانت عامرة بسكانها، ممن احترفت غالبيتهم مهنا استثنائية لا نجدها سوى داخل الأسواق العتيقة في المدينة.
ويوصف حال هذه المدينة العريقة اليوم بـ “المنكوبة”، لما طالها من حروب ودمار، جعل من تراثها ركاماً، ولا يزال سكانها بانتظار حملات إعمار كبيرة، اذ يطالبون الجهات المعنية بالإيفاء بالوعود الخاصة بتعويضهم، وإعادة اعمار محلاتهم وأزقتهم، وتوفير الخدمات الملحة قبيل عودتهم لمناطقهم.
فيتو على بعض المناطق..!
ويعتبر قاسم يعرب، أحد سكان المدينة القديمة، أن “حملات الاعمار في مدينة الموصل القديمة تكاد تكون معدومة، اذ ما زالت الأنقاض على حالها منذ سنوات”، مضيفاً أن “البيوت التي تم ترميمها حالياً تعود لمالكين ذوي إمكانيات اقتصادية كبيرة. وقد تم اعمارها على حسابهم الخاص”.
وكانت السلطات قد باشرت في وقت سابق، حملات إكساء وتبليط الشوارع، وإعادة تأهيل المجاري، إلا انها لم تصل الى كافة ازقة ومناطق المدينة، بحسب حديث يعرب مع “طريق الشعب”.
ويستدرك قائلاً، إن “العديد من أصحاب البيوت المهدمة، لم يتم تعويضهم الى الان بالرغم من الوعود السابقة بهذا الشأن، واكمالهم كافة الإجراءات اللازمة”، مشيراً إلى “وجود قرارات تمنع عودة الأهالي لبعض المناطق في المدينة، دون بيان أسباب ذلك المنع، هل الامر لأسباب سياسية... ام لقضايا أخرى؟”.
ويلفت الى أن “غالبية سكان المدينة يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة، كونهم يسكنون منازل إيجار، وهم بانتظار التعويضات المالية الحكومية منذ وقت طويل”، مستدركا أن هناك حملات اعمار طالت بشكل نسبي مركز مدينة الموصل، الذي يتضمن سوق الأربعاء، وباب الطوب، الا ان سوقي الصياغ وباب السراي، وشارع النجفي، لم يلوحها شيء من هذا الاعمار، سوى ما تم بجهود ذاتية من قبل أصحاب المحال.
ويأمل يعرب أن تلتفت السلطات لهذه المدينة، وتعمل على إعادة اعمارها، وتوفير كافة الخدمات.
مناطق منكوبة
أمين أبراهيم الفنش، قائمقام مدينة الموصل، يقول إن “الساحل الايمن من محافظة الموصل هو الاكثر تضررا من الحرب ضد داعش في نينوى، كونه تعرض الى دمار شبه كامل للبنى التحتية في مناطقه كافة”، مشيرا إلى إن “الاحصاءات الرسمية تقر بوجود أكثر من 21 ألف وحدة سكنية تعرضت للهدم بشكل كامل، وما يقارب 50 وحدة سكنية دمرت بنسبة 50 في المائة، و50 وحدة سكنية اخرى دون الـ 50 في المائة”.
ويصف الفنش لـ “طريق الشعب”، حال المدينة القديمة بـ “المنكوبة”، مضيفاً ان الحكومة المحلية تبذل جهدا كبيرا في اطار التعاون مع سكان المدينة، لأجل إعادة اعمار البنى التحتية للمدينة، وتوفير الخدمات الضرورية.
ويضم الفنش صوته الى نداء المطالبين بتعويضهم وفقا للقانون الخاص بتعويض المتضررين من العمليات الارهابية والعسكرية، كون هذا الملف يتضمن عشرات الالاف من المواطنين، ولم يتم تعويض سوى 5 في المائة منهم.
مشاريع منتظرة
ويتابع حديثه قائلاً، إن “الأمر يتطلب تشكيل لجنة أخرى او فرز معاملات المتضررين من سكان المدينة القديمة في الموصل، واكمالها بأسرع وقت، ليعود كافة المواطنين الى مناطقهم ومنازلهم”.
ويضيف أن “ابناء مدينة الموصل، يشكلون النواة الاساسية للمنطقة، ويملكون حرفاً ومهناً استثنائية وتراثية. كما ان بعض الحرف التي يزاولونها محصورة بهم، فلا نجدها سوى في المدينة القديمة”.
ويلفت الى وجود حملات إعمار لمناطق الحدباء وجامع النوري، بتمويل من دولة الإمارات، إضافة الى انه تم تأهيل خمسين داراً محيطاً بمنارة الحدباء، من قبل منظمة اليونسكو، كوجبة أولى، وأربع وسبعين داراَ اخرى وصل الإنجاز فيها لـ 50 في المائة.
ويكشف الفنش عن وجود مشاريع كبيرة ورئيسية، لدى الحكومة المحلية بالتعاون مع الحكومة الاتحادية، تتمثل بإعادة إعمار الواجهة النهرية التي دمرت بالكامل، ببناء عصري مع الحفاظ على الحلة الموصلية التراثية، وبناء شارع جديد فيها”.
ويؤكد أن “حكومة نينوى لديها طموح كبير في ملف إعادة الاعمار، ونستبشر خيرا بآخر زيارة أجراها رئيس الوزراء للمدينة، حيث استمع الى كافة متطلبات المواطنين، وعلى أثرها أرسل لجنة مكونة من 30 شخصاً بصنوف متعددة، ومنحهم كافة الصلاحيات لمعالجة المشاكل المتواجدة”.
تأخر في الإنجاز
ويرى النائب السابق عن محافظة نينوى، قصي عباس، إن الاهتمام الحكومي بالفترة الأخيرة بإعادة اعمار المدينة “ليس بمستوى الطموح”.
ويقول عباس في حديثه مع “طريق الشعب”، إن حملة تأهيل المجاري في المدينة ابتدأت منذ عام، ولم تنجز إلى الان، وهذا ما يجعل هناك تباطؤا كبيرا في الإنجاز”.
ويعزو عباس أسباب التأخر في إعادة اعمار الساحل الأيمن من الموصل، الى أسباب تتعلق بالحكومة الاتحادية، كونها هي المسؤولة عن ملف تعويض الافراد ممن تعرضت عقاراتهم للدمار، والقسم الاخر يتعلق بالحكومة المحلية.
وفي ختام حديثه، يؤكد عباس حرصه ـ الى جانب جميع المعنيين ـ على المواظبة في الضغط على السلطات باتجاه إعادة اعمار مناطق المحافظة، بما يجعلها مهيأة كاملة للسكن.