في تصريح ينسف كل ما سبقه قال وزير الثقافة أحمد البدران أن «مجلس الوزراء بانتظار وصول الجداول من وزارة المالية» لمناقشتها وعرضها على البرلمان للتصويت.
وسبق للجنة المالية البرلمانية الوعد بأن يصوت مجلس الوزراء على جداول الموازنة الثلاثاء الماضي، لكن هذا لم يتحقق مثل وعود سابقة.
الكلام عن وصول الجداول إلى المجلس من عدمه يُؤشر حالة ارتباك وعدم استقرار في السياسة المالية للبلاد.
معلوم أن الفصل التشريعي للبرلمان ينتهي يوم 8 أيار الحالي، فيما تبقى جداول الموازنة في جعبة وزارة المالية دون سبب منطقي، والوزارة حتى لم تكلف نفسها قول شيء عن التأخير.
عملية تعطيل تنفيذ الموازنة تثير استفهامات كثيرة حول أداء الحكومة ووزارة ماليتها، وإلا كيف نفسر موضوع إقرار موازنة لمدة 3 سنوات ثم تعطيل تنفيذها بسبب عدم إرسال الجداول إلى مجلس النواب لغرض المصادقة عليها!
على الحكومة تبيان أسباب هذا الفشل ومعالجته على وجه السرعة، وان لم تحصل المعالجة عاجلا فلن يبقى سوى تصديق أقوال بعض أعضاء مجلس النواب، بأن الحكومة ترغب في تعطيل الدور الرقابي للبرلمان.
خمسة أشهر مضت على إعلان الحكومة دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال في القطاع الخاص حيز التنفيذ، بعد أن صوت مجلس النواب عليه في أيّار من العام الماضي.
ورغم الهالة الإعلامية الكبيرة التي رافقت اعلان دخول القانون حيز التنفيذ، إلا انه فعليا لم يتم إنفاذه حتى الان، بسبب عدم صدور تعليمات تنفيذه من قبل مجلس شورى الدولة.
الإعلان عن دخول القانون حيز التنفيذ يجب أن يكون بمثابة خطوة نحو الأمان الاجتماعي والاستقرار المالي للعمال، لكن عندما لا يُترجم هذا الإعلان إلى واقع ملموس، يُطرح السؤال: ما الذي يعيق العملية؟ هل هي البيروقراطية، أم نقص الإرادة السياسية، أم التحديات الاقتصادية؟ أم ماذا؟
عندما تُعلن الحكومات عن تطبيق قوانين جديدة، خاصةً حين يتعلق الأمر بقوانين تمس حياة المواطنين اليومية ومستقبلهم، مثل قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، يكبر الأمل عند المواطنين ويتشبثون به، لكن عندما يتأخر تنفيذ هذه القوانين بشكل غير مبرر، يتحول ذلك الأمل إلى خيبة، والثقة إلى شك. وعليه فإن الحكومة مطالبة بأن تتخذ خطوات فورية لتصحيح هذا الوضع، وان تعلن صراحة أسباب التأخير.
نذكّر بأن القيمة الفعلية للقوانين التي على الورق تكمن في تطبيقها بشكل يخدم المجتمع ويحمي حقوق أفراده.
وهنا تتحمل الحكومة المسؤولية الكاملة عن مثل هذا التأخير، فهل من اعلان عن ذلك في عيد العمال؟
مثلما هو حال سابقاتها، خرجت لجنة التحقيق في انفجار معسكر كالسو بتقريرها النهائي من دون ان تحدد أسبابه الرئيسية، مكتفيةً بنفي أن يكون نجم عن استهداف جوي.
وأكد التقرير أن الانفجار تسبب في حفر حفرة ضخمة في الموقع، الذي كان يُستخدم لتخزين الذخائر والصواريخ ومختلف المواد المتفجرة، بالإضافة إلى بقايا صواريخ.
وأوضح أن شدة الانفجار وكمية المواد المتناثرة من المقذوفات والصواريخ والمواد المتفجرة، تستبعد بشكل قاطع أن يكون السبب صاروخًا واحدًا أو عدة صواريخ محمولة جوًا.
إن إصدار تقرير كهذا في شأن حادث بالغة الأهمية، وفي خضم الصراع الراهن في الشرق الأوسط، لا يبدو إلا كمحاولة لطمس الحقائق.
فقد أخفقت اللجنة، مثل سابقاتها، في تحديد المتسببين في الحادث، واعتمدت جازمة فرضية الانفجار الداخلي، على الرغم من تأكيد خبراء أمنيين عديدين إمكانية ان يكون الاستهداف خارجيا ولا تستطيع منظومة الدفاع الجوي العراقية رصده، بينما تُعامله الدفاعات الجوية في قواعد التحالف الدولي على أنه من فعل قوات صديقة!
مع ارتفاع الحرارة تزايدت ساعات انقطاع الكهرباء، في مشهد ألِفه العراقيون سنويًا، رغم الوعود الحكومية المتكررة بمعالجة المشكلة، ورغم مليارات الدولارات المصروفة .. (او المنهوبة جهارًا نهارًا، وفقًا لتقارير مؤسسات الدولة ذاتها).
مصادر إعلامية ذكرت أن هناك تحذيرات حكومية غير معلنة من أزمة قد تتجدد خلال الصيف، وتزداد معها ساعات الانقطاع.
وكانت الحكومة أعلنت نيتها تنويع مصادر الغاز اللازم لتشغيل المولدات، وصيانة شبكة الكهرباء، والسعي إلى الربط الكهربائي مع دول الجوار. إلا أن أيًة خطوات ذات شأن لم تتحقق. وبقى العراق يعتمد على مصدر وحيد للغاز رغم زيارات وزير الكهرباء إلى تركمانستان، والحديث عن إنشاء منصة لاستقبال الغاز في مياهنا الإقليمية.
لم يعد مقبولا تكرار الحجج والأعذار التي طالما سمعها المواطنون، وليس معقولا أيضًا انتظار حدوث الأزمة وسماع المسؤولين يخرجون بالعذر المعتاد: انخفاض او انقطاع شحنات الغاز القادم من إيران!
والجميع يعلمون أن هناك مافيات فساد تستفيد من تعطيل معالجة المشكلة.
ويبقى السؤال الأهم الآن: هل تواصل الحكومة الحالية السير على نهج سابقاتها، أم ان لها موقفا آخر تجسده بالعمل الملموس وليس بالوعود؟
الثلث الأول من السنة يكاد ينتهي وجداول الموازنة لا تغادر أروقة الحكومة. والحكومة كانت بررت ارسالها موازنة ثلاثية الى البرلمان بالرغبة في عدم تعطيل المشاريع مع انتهاء كل سنة مالية. لكن رئيس الوزراء أوقف تمويل المشاريع قبل الانتخابات بشهرين لكي لا تُستغل لأغراض انتخابية. لكن الإيقاف استمر بفعل توقف وزارة المالية عن تمويل المشاريع قبل إقرار جداول الموازنة للسنة الحالية.
وإذ لابد من مراجعة الجداول فليس مبررا تعطيل مصالح الناس. احد أعضاء اللجنة المالية قال ان هناك ازمة سيولة تمنع الحكومة من تنفيذ بنود الموازنة كاملة، لكن هذا هو سوء التخطيط بعينه، والذي أوصل الانفاق التقديري الى 228 تريليون دينار.
احد الوزراء الحاليين قال بدوره ان اغلب أموال الموازنة تشغيلية، والحكومة مترددة بارسال جداولها الى البرلمان!
هذا كله يثير التساؤلات بشأن سياستنا المالية: ما دامت مواردنا عاجزة عن تمويل هذا الانفاق الضخم، فلماذا نقدم موازنات بكل هذا الانفاق الضخم؟
واسئلة عديدة أخرى بلا جواب، مع العجز الحكومي عن تقديم جداول الموازنة فيما أسعار النفط عالية.