اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ان العراق واحد من البلدان شديدة التلوث بالأسلحة في العالم، حيث تتواجد المخلفات الحربية القابلة للانفجار على مساحة تزيد عن 3200 كيلومتر مربع من أراضيه، تضم أكثر من 50 مليون لغم. وأشارت ممثلة اللجنة في بغداد إلى أن العدد الدقيق لضحايا حوادث الذخائر المتفجرة غير معروف، رغم أن دائرة شؤون الألغام قد حددتهم بأكثر من 30 ألفاً، منهم 3500 مواطن قتلوا خلال الفترة 2018-2020.
وفيما أعربت اللجنة عن تصورها بأن معالجة مشكلة تلوث الأسلحة في العراق تتطلب موارد هائلة وجهودًا منسقة لجمع المعلومات عن التلوث وآثار الأسلحة المتفجرة وتعزيز إزالة الألغام وزيادة التوعية بالمخاطر، إضافة إلى تقديم المساعدة للضحايا، يحّمل الجميع الحكومات المتعاقبة مسؤولية الفشل في هذا الملف الخطير، حيث أعاق الفساد وسوء الإدارة حل المشكلة، ولم تجر الاستفادة من الدعم الدولي أو من الزام الولايات المتحدة بتنفيذ تعهداتها بإزالة ما سببته من تلوث، في وقت تواصل فيه منظومة المحاصصة والفساد عدم اكتراثها بأرواح العراقيين وبالتلوث الذي تسببه المشكلة لبيئتهم المعرضة للتخريب والتغير المناخي.
بينما تتزيد الصعوبات المعيشية للمواطنين بشكل مضطرد، يواصل مسؤولون حكوميون اتخاذ قرارات من شأنها لا التخفيف عنهم، بل خدمة أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين والفاسدين.
ففي آخر تطورات الكشف عن التلاعب بأموال الدولة، كشفت هيئة النزاهة عن عمليات تلاعب في التحاسب الضريبي مع وكلاء شركات الاتصال الرئيسيين، بينها تخفيض نسبة الضريبة لتصل الى 20 في المائة فقط، كما أفادت بوجود شركات لم تتحاسب نهائياً منذ تأسيسها حتى الآن.
وفيما يشكو المواطنون من ذوي الدخول المحدودة من ارتفاع رسوم المعاملات والضرائب عند إجراء أية معاملة رسمية، ناهيك عن عمليات الفساد والتلاعب في المعاملات، تُظهر الحقائق ان مسؤولين في دوائر الضريبة، أقدموا على خفض نسبة الضرائب على الشركات دون سند قانوني.
وبينما يتطلب إصلاح النظام الضريبي وتفعيله ان تلعب الضريبة، وبضمنها الضريبة التصاعدية، دورها في تعزيز موارد الميزانية، وان تكون أداة للسياسة الاقتصادية يمكن استخدامها لإعادة توزيع الدخل والثروة، وتحقيق التضامن الاجتماعي على الصعيد الوطني، يتبارى العديد من المؤتمنين على المال العام لنيل «حصصهم» عبر الفساد والتلاعب والاحتيال.
جاء العراق في المرتبة 115 بين 167 دولة في مؤشر الصحة العالمي، ولم يتفوق فيه الا على اليمن والسودان من دول منطقتنا.
يعكس هذا المؤشر واقع المواطن العراق الذي افرغ سوء الخدمات الصحية الحكومية جيوبه، ومثله جشع المستشفيات الاهلية والعيادات الخاصة.
الخلل في المستشفيات الحكومية واضح تماما، فهي لم تعد تستطيع استيعاب اعداد المرضى جراء النمو السكني، والأنكى من ذلك البطء القاتل في انشاء المستشفيات الجديدة، التي انقضت سنين على مواعيد إنجازها.
وهناك أيضا غياب العلاجات، خاصة للامراض المزمنة والسرطانية، وعجز الحكومة عن ضبط الاسعار في الصيدليات الاهلية، واستفحال التخادم غير الاخلاقي بين الكثير من منتسبي هذه المهنة لتحقيق اقصى الربح على حساب المواطنين.
وفي مرات سابقة أشرنا الى محاولات بعض الجهات الاستئثار بالوزارة متجاهلين حاجات الناس الماسة، فيما وصل العالم اليوم الى قناعة بان صحة الناس يجب ان لا تدخل في حسابات الربح والخسارة.
لكن المعايير عندنا مختلفة والمتنفذون معنيون بمصالحهم لا بصحة الناس.
وتبقى جوانب واقعنا الصحي غير صادمة لمن يعيش المعاناة اليومية، لكن هل تحفز على منح الأولوية لصحة المواطن، وتخصيص المبالغ الكافية لها؟ش
تقول منظمة اليونسيف الدولية في تقرير أصدرته أخيرا عن العراق، انها ستحتاج الى ٤١٫٢ مليون دولار في عام ٢٠٢٤ لتلبية احتياجات الأطفال والاسر الضعيفة المتضررة من أزمات متعددة”. وتوضح انه “بشكل عام هناك ٣ ملايين شخص، بمن فيهم ١٫٣ مليون طفل، لديهم احتياجات إنسانية وتعليمية وحمائية ماسة، ومنهم خاصة المراهقات والشابات اللاتي يتعرضن لأكبر مخاطر العنف والاستغلال وسوء المعاملة “.
ويشير تقرير المنظمة الى ان معظم هؤلاء الأطفال العراقيين المحتاجين موجودون في مخيمات النزوح، إضافة الى من هم في المحافظات التي تعاني من الجفاف وندرة المياه، والتي شهدت عمليات نزوح.
أليس مفارقة ان يعجز العراق الذي تزيد موازنته لسنة ٢٠٢٣ عن ١٩٨ ترليون دينار (١٥٣ مليار دولار) عن توفير الـ ٤١ مليون دولار المذكورة؟ وان ينتظر من مثل هذه المنظمات الدولية ان تقوم مشكورة بما يفترض ان تنهض به الدولة، وهي تتوفر على إمكانات تغطية هذه الاحتياجات؟
.. ويقينا ان الحدّ من الفساد، مجرد الحدّ منه، سيوفر مبالغ طائلة لرعاية أطفال العراق ولتأمين الغذاء والدواء والكساء والتعليم الجيد لهم.
لا نعرف ما الذي يقدمه المكلفون بتوفير الدولارات للمواطنين الراغبين بالسفر للعلاج او غيره، والمسموح به قانونا، من تقارير ومعلومات الى رئيس مجلس الوزراء واعضائه الذين عليهم متابعة الأمر.
المواطن لا يستطيع رغم كل الوعود والإجراءات، توفير المبلغ المطلوب من السوق بسبب الاختلاف بين السعر المحدد من الدولة والسعر الموازي، فيما يعلن بين فترة وأخرى عن ضبط اعداد كبيرة من “ماستر كارد “معبأة بالدنانير العراقية بهدف تهريبها الى الخارج. ولم تقل لنا الجهات المعنية من يقف وراء ذلك، وماذا اتخذ من إجراءات بحقه. ونعرف جيدا ان باب “التحويل” عبر شركات الصيرفة استغل لتهريب دولارات الى الخارج، تجري بعد ذلك اعادتها لتباع بالسعر الموازي وتكسب مليارات الدنانير جراء الفرق بين السعرين.
الحقيقة المؤكدة هي ان المواطن لا يستطيع الحصول على الدولارات التي تمس حاجته اليها، فالمصرف يخبره عند مراجعته ان “المنصة” مغلقة منذ أسبوعين ولا من يدري متى تفتح، وهذه الشركة المصرفية المخولة تقول “لا يوجد رصيد”.
فهل يعرف رئيس الوزراء والحكومة ذلك؟
ثم يبقى السؤال : لماذا يستمر فرق السعرين ومعه تتواصل معاناة المواطن ؟!