اخر الاخبار

تعود العلاقات الروسية – الهندية وطبيعتها الاستثنائية الى عقود الحرب الباردة عندها تبنت الهند غير المنحازة نوعًا من التضامن مع الاتحاد السوفيتي. وجاءت هذه العلاقة حينها كرد على العلاقات الوثيقة التي ربطت الولايات المتحدة وباكستان، ومن جانب آخر تعويضا للقطيعة بين الاتحاد السوفيتي السابق والصين. وتكتسب هذه العلاقات أهمية استثنائية مرة أخرى.

في حين أخطأ الغرب في تصور ان سياسة العقوبات التي ينتهجها ضد موسكو سيكون لها صدى إيجابي في العالم، توشك الهند على إبرام صفقة كبيرة مع روسيا. ووفق المعطيات المتوفرة، ستحصل الهند على قرابة 3.5 مليون برميل من النفط الروسي بسعر تفضيلي.  وهذه الكمية قابلة للزيادة، اذ تقدر حاجة الهند اليومية من النفط بـ 5.2 مليون طن. ان توقيت وظروف الصفقة لافت للنظر، فالصفقة تأتي في وقت تحاول فيه واشنطن محاصرة موسكو اقتصاديًا. ومن الجدير بالذكر ان كلا من الصين والهند لا تشارك في المساعي الامريكية، وان لكلا البلدين وزنه الكبير في التوازنات العالمية، ويعيش داخل حدودهما ثلث سكان العالم، وهما بلدان نوويان يمتلكان إمكانات اقتصادية هائلة.

تبادل التصريحات

لقد ولّت الأوقات التي كانت الولايات المتحدة فيها تنجح في التهديد بسلاح العقوبات، وهو الأمر الذي اعترفت به الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، حيث جاء ردها على الهند بتصريحات لا قيمة لها. وقالت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، خلال مؤتمر صحفي: “فكر في الجانب الذي تريد أن تكون فيه عندما توثق هذه اللحظة في كتب التاريخ!”، ولم تشر المتحدثة الامريكية الى ما تحتويه كتب التاريخ عن مواقف بلدها. لقد ردت الصحافة الهندية ببرود على تصريحات واشنطن، مذكرة إياها بصورتها في العالم، على سبيل المثال، أشارت صحيفة “تايمز أوف إنديا”، وهي إحدى أكبر الصحف اليومية في البلاد والتي تصدر باللغة الإنجليزية، إلى صورة الاقتصاد العالمي وإلى الدول الغربية التي تواصل شراء النفط الروسي.

وبالإشارة الى واقع سياسة الطاقة في العالم، تعد الهند، إلى جانب الصين، أحد محركات نمو الاقتصاد العالمي. وهذا يؤدي الى زيادة حاجتها للطاقة، مقابل محدودية مصادر طاقتها المحلية، وبالتالي سيزداد اعتماد الهند على استيراد الطاقة بشكل كبير. ويقدر المحللون الهنود أن دلهي ستحتاج إلى استيراد قرابة 90 في المائة من احتياجاتها من النفط الخام بحلول عام 2030، وسيكون نصيب الأسد للبلدان المصدرة للنفط في الشرقين الأدنى والأوسط، ولهذا فإن الصفقة مع موسكو مريحة جدا بالنسبة للحكومة الهندية.

بالروبل والروبية

في الوقت الذي عملت فيه الصين بنجاح للحصول على ميدان نفوذ في مجال الطاقة، كما فعلت ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، تحتاج الهند إلى تنويع مصادر حصولها على الطاقة. لكن ما يزعج الولايات المتحدة حقا هو أن الهند تعمل بنشاط لاعتماد نوع من نظام تسديد مالي ثنائي بالروبل والروبية. ومن شأن هذا أن يتجاوز أهمية الدولار الأمريكي ونظام سويفت، على الأقل فيما يتعلق بالتجارة بين دلهي وموسكو.

ويبدو أن هناك عودة الى تجارب مماثلة تعود لحقبة الحرب الباردة، عندما كان هناك نظام دفع هندي-سوفيتي بالعملات الوطنية بعيدا عن الدولار. وفي الآونة الأخيرة، يجري تعامل مماثل محدود أيضا بين الهند وإيران، على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. بالإضافة إلى ذلك، لا تنوي الهند الحد من شرائها الأسلحة الروسية. وهذا تذكير مباشر لواشنطن بمحدودية تأثير عقوباتها المفروضة على روسيا.

وهنا تتضح جوانب التطور الجيوسياسي. إن أيدي واشنطن مقيدة إلى حد كبير، حيث أن الهند مطلوبة مرة أخرى كشريك في خط المواجهة مع الصين. لهذا السبب لا تريد الولايات المتحدة تعكير الأجواء مع الهند الصاعدة، والتي ستصبح قريبا أكثر بلدان العالم اكتظاظًا بالسكان. والهند تعلم ذلك جيدا، وتدافع بوضوح عن مصالحها. لقد امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين الاجتياح الروسي على أوكرانيا.

ان ما تقدم يؤشر ان العلاقات بين الدول تحكمها المصالح والتوازنات، وهي غير معنية بأسئلة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والى حد بعيد بطبيعة الأنظمة السياسية، فحكومة رئيس الوزراء الهندي اليمنية العنصرية المحافظة، تحتفظ بعلاقات وثيقة ارستها حكومات الهند غير المنحازة والليبرالية، مع الاتحاد السوفيتي السابق، بالنسق نفسه مع روسيا بوتين. وفي الوقت نفسه تلتقي الهند والولايات المتحدة في مواجهة الصين التي يقودها حزب شيوعي.

عرض مقالات: