اخر الاخبار

في العشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام يحتفل العالم بيوم الطفل العالمي الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1954، ليكون مناسبة لتذكير الكبار ببراءة الأطفال ولتذكير الحكومات بأهمية اعلان الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1959، وآخرها التذكير باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989، والعراق كان من أوائل الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية، غير أن الطفولة في العراق لم تكن على مر تاريخه الحديث تحظى بما تستحقه من عناية أو اهتمام لا من حيث محيطها الأسري أو من حيث الاهتمام الحكومي، وخاصة بعد الاحتلال.

 أولا.... المحيط الأسري

يقف الفقر في مقدمة العوامل الاقتصادية التي باتت واضحة في تفكيك الكثير من الأسر العراقية، بعد عام 2003، ذلك بسبب جهالة الحكومات المتعاقبة بالاقتصاد ودوره في بناء الأسرة، وبسبب توقف آلة الإنتاج واعتماد العراق على الاستيراد، فقد تراكمت البطالة وانتشر الفقر حتى بلغ ما نسبته 40 بالمئة، وفي محافظة المثنى بلغت النسبة 52 بالمئة، وهذا بدوره يدفع بالكثير والكثير جدا من الأسر لدفع الاطفال لمغادرة المأوى الدافئ للالتحاق بأعمال أغلبها لا تتناسب وتطلعات الطفولة أو تكون أعمالا خارقة للقانون، فترى الكثير من الأطفال وهم متجمعون عند التقاطعات يستنجدون العطايا بوسائل مهينة أو خارقة للبراءة والتي يرفضها الضمير الإنساني، كما وأن الطفل العراقي نزل إلى ميادين العمل الشاق كالحدادة وورش إصلاح السيارات أو العمل في البناء أو العتالة أو أو، وغيرها من الأعمال التي تتعارض وما تقره القوانين الطبيعية والوضعية من حقوق للطفولة، وان ما تقدمنا به كثيرا ما يعمل على انحراف الطفل ليغادر البراءة إلى أفعال يندى لها الجبين الإنساني، والغريب أن مجتمعنا بدأ تدريجيا يقبل ما كان عيبا ومنه عمالة الطفولة وأخذ ينظر إليها على أنها حالة مألوفة، لا بل أخذ الكثير يستغل الطفل في أعمال بيع المخدرات أو نقلها أو تعويده على تعاطيها، والمعتقد أن هذه منتشرة بشكل يفوق جدا ما هو شائع في الدول المجاورة. عليه فإن تخلي الأسرة عن دورها في تهيئة الاطفال نحو المسارات الصحيحة كانت العامل المؤلم لمجتمعنا، لما سيترتب على ذلك في المستقبل القريب من سلوكيات لكبار كانوا موضع إهمال أسري واجتماعي، ربما ستهدد هذا المجتمع في الصميم.

 ثانيا الإهمال الحكومي

الواقع يشير إلى أن العراق لم يشهد على الاطلاق حكومة متخصصة، بعد الاحتلال، فجميع الحكومات التي تعاقبت على السلطة كانت حكومات تجهل دورها في بناء الدولة اولا، وتتجاهل دورها في بناء المجتمع أو إدامة وحدته، فقد أخذت بذيل النظام الرأسمالي، فانفتحت على المقبول رأسماليا بشراهة، وانغلقت على المقبول اجتماعيا بحماقة، وهكذا كانت سببا متعاقبا في توليد الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ومنها توجه المجتمع نحو الجهالة من خلال توسع مديات الأمية أو من خلال تراجع التعليم، وكان ذلك أهم الأسباب التي تلحق الضرر اليوم بالطفل العراقي. فحسب الإحصاءات الأولية لنقابة المعلمين العراقيين بلغت نسبة الأمية أكثر من 10 ملايين، ولكن المتحدث باسم النقابة الاستاذ ناصر الكعبي يؤكد أن الأمم المتحدة أبلغت النقابة بوجود 11مليون أمي في البلاد، هذه الأرقام تشير إلى أن الأمية بلغت في العراق أكثر من 26 بالمئة من السكان، وان الأغلبية الأمية تلحق بالأطفال، كما وأن التسرب على أشده، خاصة في النواحي والقرى والأرياف، وذلك لعدم توفر المدارس القريبة، صعوبة وصول الطفل إلى المدرسة لعدم وجود الطرق المبلطة، إضافة إلى كون المدارس بحالة رثة فهي مدارس طاردة لكونها مدارس بدائية تفتقر للكثير من مستلزمات التعليم.

إن الطفولة في العراق تقع ضحية بين التعنت أو الاضطهاد الأسري جراء الجهل والفقر، وتعاني من الإهمال الحكومي المستديم، بسبب انتشار الفساد واستحواذه على المال العام، مما أفقد الطفولة حظها في أموالها ورياض ترعرعها ومدارسها وأخيرا في مستقبلها.

إننا لا نلوم المسؤول الذي يحاول التغيير ويفشل في وسط الطريق لكثرة المشاكل وتعقد جذورها، ولكن نطالب بفرز مشاكل الطفولة عن الموقف العام والاهتمام بما تعانيه هذه الطفولة البريئة وحاضنتها الام المسؤولة، وان لا نكتفي بما تقدمه الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بل نطالب بإنشاء وزارة للأمومة والطفولة، لانتشال هذه الشريحة الصغيرة في السن والواسعة في العدد من واقعها الذي يمكن أن يحولها يوما وهي كبيرة إلى مصدر خطر يداهم المجتمع والدولة من الداخل.

أن مقترحنا هذا سيعمل على جعل هذه الوزارة بهيكلها الجديد مرتعا لدراسة مشاكل الطفولة والأمومة، ابتداء من رياض الاطفال وصولا إلى التنسيق مع وزارة التربية من أجل إعداد طفل يتمتع بطفولة حقيقية وتعليم مقبول ومستوى معيشي يليق بمواطن غض يعيش في بلد غني مثل العراق.