اخر الاخبار

لم تكن بطولات قادة حزبنا الذين ارتقوا سلالم المجد شهداء، فعلا فرديا انقطع مع رحيلهم، بل هو زرع أتى ثماره نضالا وبطولات، بنت صرحَ حزبٍ قضَّ مضاجع الطغاة في كل أزمنة الحكومات الرجعية والدكتاتورية ومن ساوم المحتلين وغدر بالوطن... كان زرعا أبقى الأرض خصبة لمزيد من الثراء الفكري والنضالي، فقد تمثل النهج شبيبة اختاروا مسالك العمل الوطني بأرقى صوره، حيث اعتنقوا الشيوعية فكرا وفعلا يوميا ببسالة في الدفاع عن المبادئ حد تقديم الروح تضحية من أجل أن تعلو راية الحزب خفاقة أبداً، فصاربعضهم أنصارا ارتقوا جبالا وعرة، والبعض الاخر نجوما أضاءوا ظلام ليالي الوطن مناضلين ليعيدوا بهاء الحزب بين الجماهير، فكانت أجهزة القمع البعثية لهم بالمرصاد، إلا أنها هيهات أن إستطاعت كسر شوكة التحدي أو تمس كرامتهم كشيوعيين بواسل، تعلموا الصمود وبثوا الرعب في نفوس الجلادين، وهم مكبلون بالحديد، أسماءٌ تعجز الأقلام عن تسطير كل ما قدموا من بطولات وتحدٍ. قد يكونون رفاقا لبعضنا أو إخوة أو أصدقاء وربما أقرباء بعضنا.. ومنهم أسماء سمعنا عنها شيئا وأعجبنا بما فعلوا، وما زلنا نبحث عن شيء من تاريخهم لأجل تمجيدهم وتسطير بطولاتهم كي تتمثلها أجيالنا القادمة فتقتدي بما قدموا.. من تلك الأسماء كان الشهيد البطل بديع المنذري، سمعت عنه شيئا من أخي الأكبر مني، ومن أصدقاء عرفوه عن قرب، وأخيرا قادتني المصادفة لألتقي بأحد أقربائه ورفيق ممن عاصروه لحين اعتقاله، فقصَّوا عليَّ أشياء، والعبرة تملأ صوتهم أسفا عليه وفخرا بما قدم. وأراد قريبه وكذلك رفيقه أن يتحدثوا فقط عن فترة بدء هجمة البعث المقبور على تنظيمات حزبنا في أواسط عام 1978 وحتى اعتقاله في عام 1980وكان له ما أراد، يقول قريبه هذا حيث اشتدت ملاحقة أجهزة القمع للشيوعيين كان الشهيد بديع مع عائلته يسكنون الكاظمية مدينة ولادتهم ونشأتهم، والكل يعرف توجه العائلة السياسي ودورها الوطني.. لذلك صار دارهم محطة مراقبة أزلام الأمن والبعثيين كتاب التقارير، يرصدون كل شاردة وواردة ويعدون عليهم الأنفاس، فما كان من الشهيد بديع وأخوته إلا أن ينتقلوا إلى منطقة المشاهدة في الطارمية حيث لديهم هناك أرض زراعية شرعوا للعمل فيها بعد أن التحق بهم قريب لهم وأحد أصدقائهم من الرفاق الهاربين أيضا، ومن هناك كانت تحركاتهم نحو التنظيم الذي بدأ بالتخلخل تدريجيا نتيجة للاعتقالات والتخفي وخروج بعض الرفاق إلى خارج الوطن، فكان بديع ممن أخذوا على عاتقهم مسؤولية إعادة تجميع الرفاق المنقطعين وبناء تنظيم جديد في مواجهة أزلام السلطة القمعية، إلا إن تلك التحركات جلبت انتباه البعثيين في تلك المنطقة فتربصوا بهم حتى حاولوا في إحدى الليالي اغتيال بديع، وهو عائد بسيارته إلى المزرعة فأطلقوا عليه عدة رصاصات استطاع الإفلات منها رغم أن بعضها أصاب أجزاء من السيارة بثقوب صغيرة وبعض الخدوش، فكان ذاك إيذانا بالخطر فاستطاعت المجموعة كلها من الإفلات والعودة إلى بغداد متفرقين كل في مكان مع إستمرار تواصلهم في العمل الحزبي، بالنسبة لبديع وعائلته فقد انتقلوا من الكاظمية إلى حي أور وكان حينها حيا حديث البناء والسكن معتقدين أنه ملائما للتخفي. كان بديع آنذاك أبا لطفل واحد فهو مسؤول عن إعالة عائلته بعد أن فقدت زوجته عملها في دوائر الدولة نتيجة للمضايقات الأمنية، فسعى للعمل بشتى الطرق، فقد عمل مهندسا زراعيا، أي باختصاصه، في مزارع أحد أثرياء ذلك الزمن، لكن نشاطه مع العمال الزراعيين في تلك المزارع وما تناهى لمسامع صاحب الأرض عن تاريخ ووضع بديع، فقام بمضايقته عن عمد مما جعل بديع يترك العمل معه، لكن البحث عن لقمة العيش بقي هاجسا فقام ببيع سيارته الخاصة ولملمة مالديه واشترى سيارة أجرة يعمل بها وأيضا لإنجاز مهامه الحزبية حيث توفر له سرعة وسهولة التحرك، في نفس تلك الفترة عادت لقاءات الرفاق في البيت وفي بعض الأحيان مبيت أحد الرفاق ممن لا سكن له، وكل ذاك جلب أيضا انتباه الأجهزة القمعية وعادت المراقبة والمطاردات، حتى أنه كان يقول إنه يشعر بوجود سيارة أو أكثر لملاحقته وهو في عمله بسيارة الأجرة، حتى جاءت ليلة السابع على الثامن من أيار عام 1980 حيث داهمت قوة من أزلام الأمن البيت وهم مدججون بالأسلحة ومرتدون واقيات الرصاص فاعتقلوا من في البيت وكانوا بديع واثنين من إخوته وأحد أبناء عمومتهم، وأبقوا على زوجته لأنها كانت لما تزل قد ولدت حديثا طفلة ليترك بديع طفلين حيث الولد لم يبلغ العامين والبنت أقل من شهر واحد، وباعتقاله بدأت مرحلة أخرى من البطولة وتحدي أزلام الأمن انتهت بإعدامه مع كوكبة من المناضلين أعضاء التنظيم الجديد حيث تم اعتقال الجميع في نفس تلك الليلة المشؤومة وبنفس التوقيت تماما أي الساعة الثانية وخمس دقائق بعد منتصف الليل.

يتم قريبه حديثه بالقول إن ابن بديع أصبح الآن من رجال الأعمال في بغداد وابنته نالت شهادة الدكتوراه في هندسة الحاسوب وتعمل مدرسة في إحدى الجامعات العراقية ويفتخران جدا بحمل اسم أبيهما.

عرض مقالات: