اخر الاخبار

“أثقل من رضوى” للمصرية رضوى عاشور، “على الجسر بين الحياة والموت” لعائشة عبد الرحمن، “نساء على أجنحة الحلم” لفاطمة المرنيسي، “حضن العمر” لفتحية العسَّال، “أوراق شخصية” للطيفة الزيَّات، “بحجم حبَّة عِنَب”، لمنى الشيمي، “أوراقي حياتي” لنوال السعداوي، و”يوميات مطلَّقة” لهيفاء بيطار. هذه عناوين سير ذاتية نسائية صدرت بين 1998 و2016، ويمزج بعضها بين الواقعي والمتخيّل، اشتغلت عليها الباحثة نعيمة عاشور، باعتبارها تمثل الجانب التطبيقي في كتابها النقدي “خطابات الذَّات في السيّر الذاتيّة النسائيّة” (مجموعة بيت الحكمة للثقافة -سلسلة “أفق”). وتقصد عاشور بالسيرة الذاتية النسائية، السيرة التي كتبتها امرأة عن نفسها، لتكون هي المؤلف والراوي والبطل في آن. ويلاحظ على هذا النمط من الكتابة النسوية – كما تقول الباحثة – أنه يتسم بالفردية، وتركز كاتبة هذا النوع، على قضايا وجودية تعتبرها ركيزة في البحث عن ذاتها. وعائشة عبد الرحمن (1913 – 1998) المعروفة باسم “بنت الشاطئ”، هي كاتبة مصرية، عملت بالتدريس في جامعة عين شمس، وحازت جائزة الملك فيصل العالمية عام 1994، وتركت ما يربو على 40 كتاباً في الدراسات الفقهية والأدبية والتاريخية. أما فاطمة المرنيسي، (1940 – 2015) في كاتبة وعالمة اجتماع مغربية، درست العلوم السياسية في جامعة السوربون في فرنسا، وحصلت على جائزة أمير أستورياس مناصفة مع سوزان سونتاغ.

ونوال السعداوي (1930 – 2021) هي كاتبة وطبيبة مصرية، انتمت للتيار اليساري، واشتهرت بآرائها الجريئة، في الدين والسياسة والنسوية، ما جعلها مستهدفة من المجتمع المحافظ، ومن السلطات الرسمية على حد سواء. ورضوى عاشور (1946 – 2014) هي روائية وناشطة سياسية مصرية، عملت أستاذة للأدب الإنجليزي في جامعة عين شمس، حصلت على جائزة العويس عام 2012, والمصرية فتحية العسَّال (1933 – 2014) حرمها والدها من التعليم، إلى أن تزوجت من الكاتب عبد الله الطوخي الذي ساعدها على تعلم القراءة والكتابة، ما فتح المجال أمامها للتعبير عن موهبتها الأدبية بدءا من العام 1957، وقد كانت من أبرز الكاتبات المهتمات بقضايا المرأة، سواء في رواياتها أو في عشرات المسلسلات التي كتبتها للتلفزيون. والمصرية منى الشيمي (1968) حصلت على جائزة الشارقة للإبداع عن مجموعتها القصصية “من خرم إبرة”، ونالت عن عملها الذي تتناوله دراسة نعيمة عاشور؛ “بحجم حبَّة عنب”، جائزة ساويرس عام 2015 فرع الرواية. ولطيفة الزيات (1923 – 1996)، هي كاتبة مصرية رائدة، وعملت أستاذة للغة الإنجليزية وآدابها في جامعة عين شمس، وتركز سيرتها الذاتية على فترة اعتقالها عام 1981 باعتبارها من معارضي سياسات الرئيس الراحل أنور السادات. وهيفاء بيطار (1960)، هي طبيبة سورية، لها إنتاج قصصي وروائي غزير.

مفهوم فيركلوف       

والدراسة التي يضمها الكتاب تتناول النص، ومن ثم التفاعل الخطابي، فالممارسات الاجتماعية، انطلاقًا من مفهوم الخطاب لدى نورمان فيركلوف (1941) وهو أستاذ اللغويات في جامعة لانكاستر في بريطانيا، ويعد أحد أهم مؤسسي “تحليل الخطاب النقدي” وتطبيقاته في علم اللغويات الاجتماعية. وفي هذا السياق خلصت عاشور إلى أن غالبية السير الذاتية النسائية؛ “ليست مجرد أفكار أو أيديولوجيات، إنما هي تضرب بجذورها في حيوات النساء ونضالهن وتجاربهن، وتدعو المجتمع إلى تحسين خيارات الحياة بالنسبة إليهن”. ولاحظت عاشور أن فيركلوف يذهب إلى أن الخطاب السردي يمكن أن يكون من بين الخطابات التي تشتمل أخطاء اجتماعية يمكن دراستها، منطلقاً من مفهوم بال Bal في تحليله للنصوص الروائية، فيميز بين الحكاية، والنص السردي. لتخلص إلى أن السيرة حكاية تعتمد على السرد وهي ذات بعد انتقائي، وهذا يمنحها بعداً تخييلياً على الرغم من واقعية الأحداث وصدق روايتها وسردها. وترى الباحثة أنه في مطلع القرن العشرين، تهيَّأت عوامل عدة دعت المرأة العربية إلى الكتابة عن ذاتها، منها انتشار التعليم، والاتصال بالثقافة الغربية. ولاحظت أن مطلع الثمانينيات، يعد بداية مرحلة النضج الفني للسير الذاتية النسائية عربياً. وتستند عاشور إلى كتاب أمل التميمي “السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر”، في تأكيد أن السنوات العشر الأخيرة في القرن العشرين، شهدت السير الذاتية النسائية العربية، تطوراً ملحوظاً، خصوصاً في مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق. ورأت عاشور أن ذلك التطور امتد إلى العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. كما لاحظت أن المرأة باتت تزاحم الرجل في صناعة الأدب، في السنوات الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى. وقد بلغت كتابة ملامح السيرة الذاتية مبلغاً عظيماً من الانتشار والذيوع، دون أن تبتعد عن القضايا العامة، وخصوصا الاجتماعي منها.

مقاربة جدلية

يطرح الكتاب توجهاً نموذجياً لتحليل خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية في ضوء مقاربة نورمان فيركلوف ويندرج نموذجه الذي تطلق عليه الكاتبة “المقاربة الجدلية العلائقية” ضمن “مقاربات التحليل النقدي للخطاب” طبق فيه فكرة “الجدلية” في اقتراح منهج نقدي لتحليل الخطاب يقوم على تفسير العلاقات بين مكونات الخطاب تفسيرًا جدليًّا مؤكدًا كيفية الترابط فيما بينها ترابطًا علائقيًا، من حيث كونه نصًا، وممارسة خطابية (تفاعلية) وممارسة اجتماعية، وكان الهدف الرئيس من وراء هذه المحاولة هو توضيح كيف أن التغييرات في استخدام اللغة تعكس التغييرات الاجتماعية والتي ترتبط بعلاقات القوة والهيمنة / السلطة في المجتمع، ولا بد من الكشف عنها تمهيدًا لمقاومتها، وإحداثًا لتوعية البشر بالتأثيرات المتبادلة بين اللغة والبنى الاجتماعية، وتم رصد ذلك بالتفاعل بين ثمانية أعمال سير ذاتية نسائية لخطاب الذات. في ضوء ما يتسم به خطاب الذات في السيرة النسائية من سمات عامة يمكن أن نتساءل: هل يمكن تناول خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية دراسة جدلية علائقية؟ وبعبارة أخرى: ما مدى ملاءمة مقاربة فيركلوف للخطاب لمقاربة خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية؟ وإن كان ملائما بشكل عام، فهل تتلاءم كل إجراءاته المنهجية التي تميل إلى دراسة خطابات ذات طابع اجتماعي مع تحليل نص إبداعي كالسيرة الذاتية؟

معطى إبداعي

يتألف الكتاب من مقدمة، ثم أربعة فصول وخاتمة. وفي المقدمة ذهبت عاشور إلى أن خطاب الذات في السيرة النسائية يتيح الإنصات إلى كل خطأ وتجربة ورؤية للمرأة بناء على تجربتها، ومن التواصل الخطابي الذي تحققه الأنثى الساردة من خلال قضاياها، تستطيع صنع رؤية ذاتية خاصة؛ حيث يتاح لكل الأصوات الخطابية النسائية القدر نفسه من التواصل. ورأتْ أنه لا بد أن يُنظر إلى الخطاب في حقل الدراسات الأدبية والنقدية بوصفه معطى إبداعياً، وإن كان ثمة توجه إلى رصد العلاقات الجدلية الموجودة في هذه الأخطاء الاجتماعية، فلابد من بيان كيف أسهمت في بناء النص الإبداعي، وكيف أثرت في توجيهه وجهة فنية بعينها. ناقش الفصل الأول مكونات الخطاب وأنماطه لدى فيركلوف (أطر نظرية، وركز الفصل الثاني على التحليل النصي لخطاب الذات (التوصيف)، وعالج الفصل الثالث موضوع التفاعل الخطابي، فيما دار الفصل الرابع حول التفاعل الاجتماعي لخطاب الذات.

وأخيراً، أعربت عاشور عن أملها في أن تدمج مقاربة العالم البريطاني نورمان فيركلوف في التحليل النقدي للخطاب للتحقق من ظواهر التغير الاجتماعي والخطابي، فالدراسات النقدية والأدبية تحتاج إلى مثل هذا التوجه التطبيقي على تحليل الخطاب السردي في الرواية والقصة والأسطورة والخرافة وغيرها من الفنون الأدبية، فالخطاب شكل من أشكال الممارسات الاجتماعية التي لا تنفصل عن المجتمع، وأن يجتمع الباحثون والمشتغلون بالأدب على تطبيق هذا التوجه المنهجي، على قولها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“اندبندنت عربية” – 3 آذار 2024

عرض مقالات: