اخر الاخبار

في كل العصور وعبر السنوات الطوال ومن خلال ألوان العطاءات وعلى شتى الأصعدة يبرز مبدعون لهم من المزيات والاعمال ما يجعلهم في مقدمة الصفوف وعلى قمة الابداع الثقافي والفني والسياسي، الشهيد حسين أحمد الرضي (سلام عادل) من هؤلاء المبدعين، فلم يكن سياسياً ومثقفاً عادياً، كان من نوع مختلف عن السائد، ولم يكن وحيداً في تميزه لأنه كان ينتمي إلى الصفوة الذي لا يعرف الخوف طريقاً إلى عقولهم وقلوبهم وإلى مصادر الحياة العامرة في شرايينهم، فمنذ فتوته وشبابه المبكر دخل عالم السياسة فكراً ونضالاً وشارك فيهما بفعالية ملحوظة منذ التحول الاجتماعي والازدهار الثقافي الكبير الذي كان في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وانتمى إلى الفكر الماركسي العلمي وللثقافة التقدمية والديمقراطية الحرة المغايرة. فسبح في وجه التيار وغرد خارج السرب وعرفته السجون والمعتقلات مناضلاً مدافعاً عن الحرية والسلم والتقدم والعدالة الاجتماعية وإعلاء كلمة الانسان في الفكر والعمل، تخرج سلام عادل في دار المعلمين وعين معلماً سنة 1943م بإحدى مدارس الديوانية وحسبما يصفه الفنان الراحل سامي عبد الحميد قائلاً: (كنت معجباً بشخصيته وضبطه للصف وكان معلمنا سلام عادل رساماً ورياضياً ومخرجاً مسرحياً....

كان سلام عادل شجاعاً في اختياره الفكر الذي يمثل المستقبل، وكان شجاعاً أيضاً في اختياره أنواع العمل السياسي والمعاناة مع الصفوف المكتظة بالناس الطيبين من شعبه وهو يحمل راية الحرية والتقدم والسعادة للعراق وشعبه الطيب الأبي، عاش سلام عادل وبعمق مع متغيرات العصر وتفاعل معها تفاعل حياة ووعي،  وكان ذا شخصية فكرية وثقافية مرموقة، ولم لا فهو وريث القيم النبيلة والأخلاق والشجاعة، قاتل بضراوة من أجل انتصار الطبقة العاملة والفلاحين والفقراء وكل الكادحين الذين يعانون الظلم والجوع والفزع المستمر والسياط وكل أنواع  التعذيب، كان سلام عادل يتنفس الانسان بكل كيانه فلا يترك منفذاً إلا وان مزجه باعتراضه الدائم على الذين دخلوا السياسة من شبابيك اللصوص، كان مفرطاً في انسانيته يقول ذلك كل من عاشره وكشف عن خصائص الانسان الحقيقي لأنه كان يسعى باستمرار لصياغة آمال جميلة لمستقبل العراق، فقد قال عنه السياسي المعروف محمد حديد: (رجل شديد الهدوء والدماثة، ولم يكن من السهل الوصول اليه، وكان يبقى في الخلف ولا يظهر علناً إلا بشكل نادر)، أما كامل الچادرچي فقد قال عنه: ((كان شديد التصلب في أفكاره ولم يكن ينظر ذات اليمين أو ذات الشمال مقنع بشكل غير عادي، عالي المعرفة بشؤون الحزب  ميال إلى المغامرة)، ووصفه جماعة من أصدقائه من الشيوعيين: (بطل من حزبنا، من صميم شعبنا، عشنا معه شاطرناه مسرات العمل لخير الناس، تقاسمنا واياه فرحة الآمال ومشاق النضال على الدروب الوعرة سرنا معه وتحت قيادته نحو الأفق الوردي أفق الحرية والاشتراكية والشيوعية، معه عملنا ومنه تعلمنا كيف تصنع الحياة وكيف توهب مناجل الوطن لخير الشعب لسعادة الكادحين، عاش سلام عادل من أجل الحرية وفي سبيل الديمقراطية ومن أجل المثل العليا للشيوعية استشهد سلام عادل).

أيها الحضور البهي:  يعلمنا سلام عادل من خلال سيرته كمناضل صلب كيف يكون الانسان متبصراً يعطي لنفسه حق الذكر والفخر، وتذهلنا الجرأة التي كان يملكها والشجاعة التي رافقته والاقدام الذي كان يتحلى به، فها نحن بعد إحدى وستين سنة من استشهاده نحتفي به وننظر إلى صورته وصور رفاقه التي تؤكد لنا كل يوم ان لا حياة لوطن ليس فيه رفاق فهد ولا مستقبل لبلاد ينسى أبناؤها رجلاً وقف وحيداً وبكل جرأة ليبصق في وجه جلاديه، إنها مأثرة سلام عادل الحقيقية وإرثه النضالي الذي علينا جميعاً أن نتمسك به ضد الاستبداد والانتهازية السياسية والطائفية والأهم ضد إعادة شبح الدكتاتورية... يقول الشاعر الكبير الراحل مظفر النواب في مرثيته لسلام عادا:

لحظة أن سملوا عينيك العاشقين

أضاء النفق المظلم بالعشق الأحمر

واحتُضر الموت

قال رفاقك لم تتوجع

إلاّ رجفة صبرٍ

وتوجع مما غارَ السفودَ بعينيك

الكون وصاح الصمت

أدرت عماك المبصرَ للشعب

أعطيت بيان الصمت

وتقويمك فاجتمع الوقت

ويقول أيضا:

وستمطر يا سيد يا نائم في المجهول بلا عينين

يظهر قبرك بين العشب

وتنزل قطرة طل

أبدعها الصبح لبؤبؤ عينيك الحالمتين

نقف الآن بإجلال لأن الفولاذ شيوعي

ليس لأن مكانك يزداد شموخاً منذ ثلاثين سنة

لكن حين استفردت وصاح السفود بعينيك

رشفت الصبر بصبر

واتجهت بوصلتا عينيك الداميتين إلى الشعب

سلام عادل لم يكن موجوداً بيننا لكننا لن ننساه ولن ننسى كل ما ارتبط بحياته وسيرته من جميل، وما تركه لنا من سيرته ونضاله كثير وراسخ في وجدان كل منا وراسخ في وجدان شعبه العراقي، وللجواهري الكبير قصيدة نظمها بعد الانقلاب الدموي سنة 1963 استذكاراً وتخليداً للشهيد سلام عادل ورفاقه من شهداء العراق:

سلاماً: وفي يقظتي والمنامِ... وفي كل ساعٍ وفي كل عامِ

تهادى طيوف الهداة الضخام... تطايحُ هاماً على إثر هامِ

سلاماً: وفي كل ما استعيدُ... من الذكريات وما استفيدُ

من العبرِ الموحيات الدوامي... أحس دبيباً لها في عظامي

سلاماً: مصابيح تلك الغلاة.. وجمرة رملتها المصطلاةِ

سلاماً: على الفكرة المجتلاة... على صفوة الزمر المبتلاة

ولاة النضال، حتوف الولاة... سلاماً: على المؤمنين الغلاة

سلاماً: على صامد لا يطال... تعلّم كيف تموت الرجالُ

قالها الخالد فهد في بداية ثلاثينيات القرن الماضي في بيان بتوقيع عامل شيوعي: (لقد كنت وطنياً وعندما أصبحت شيوعياً صرت أشعر بمسؤولية اكبر تجاه وطني)، جسدها الشهيد سلام عادل وسار عليها وتوضح ذلك في حبه للناس بشكل عجيب وكان  مولعاً بحب الوطن فالناس والوطن عنده متساويان وأحبهما وعشقهما وحرص عليهما وبذل حياته من اجلهما، علمنا الشهيد سلام عادل دروساً في المواطنة التي كرست انتماءنا للعراق فالحديث عنه يعني الحديث عن كفاح الحزب الشيوعي العراقي واذا تحدثنا عن كفاح الحزب الشيوعي العراقي معناه أننا نتكلم عن كفاح الشعب العراقي من أجل التحرر والاستقلال، لقد رحل سلام عادل بعد رحلة عناء زاخرة بالعمل من اجل الانسان فهو لميكن رجلاً كان إنسانية بكاملها، لتعلم يا سلام أنك حي بموتك هذا، فقد اختصرت المراحل كلها في مرحلة واحدة لم يزل  دمها نازفاً.

لك المجد والخلود أيها الشهد الباقي بيننا....

عرض مقالات: