اخر الاخبار

ضمن سلسلة ندوات ينظمها «المجلس العربي للعلوم الاجتماعية» في بيروت عبر منصة «زوم»، عقدت مساء الأربعاء الماضي جلسة بعنوان «تفكيك البنى الاستعمارية: تخيلات مستقبلية من خلال فلسطين»، شارك فيها الباحثان: اللبناني فادي بردويل والمصرية هدى الصدّة وأدارها الباحث الفلسطيني محمد باميه، وبُثّت عبر صفحة المجلس على «فيسبوك».

انطلق الأستاذ المشارك للدراسات العربية في «جامعة ديوك» الأميركية، فادي بردويل، في مداخلته، من مقولة للصحافي اللبناني الراحل جوزيف سماحة، أوردها في كتابه «سلام عابر: نحو حل عربي للمسألة اليهودية» (1994)؛ مفادها أن «تراجع المطلب الفلسطيني يؤشر إلى تراجُع المطلب القومي العام»؛ حيث اعتبر بردويل أن «المطلب القومي هو مشروع النهضة العربية بما هو محاولة الأمة للخروج من آثار التبعية والتخلف، وعليه فإن الموقف من فلسطين يشكل ميزان الحرارة للتقدم أو الانحطاط العربي».

كما تناول المتدخل كتابات غسان كنفاني بُعيد الهزيمة في 1967، حيث تحدث الروائي والناقد الفلسطيني الشهيد في «دار الندوة» ببيروت في آذار 1968 عن «اللغة العمياء»، وعن الجسد والإنسان العربي، قائلاً: «أما القارة العربية فحققت خلال ربع القرن، الذي سارت خلاله إلى العصر الحديث، واحدة من معجزات التطور في التاريخ، فوق أرض من وحول التخلف المظلم، امتدت في حياتها أكثر من خمسمائة سنة». واعتبر بردويل أن نصي سماحة وكنفاني «ينتميان إلى منظومة سياسية تضع فلسطين في قلب مشروع التحرر، الذي يسعى إلى تصفية آثار التجزئة والتبعية للاستعمار».

ولفت المحاضر إلى أن هناك عدة أسباب لأفول هذه المنظومة المعرفية السياسية، التي وقعت قضية فلسطين في قلبها، «لكن ما انهار أيضاً هو عالم معرفي كامل، مبني على نظرة تقدمية للتاريخ، قامت مشاريع النهضة والتحرر الوطني على أسسها؛ فالانتقال من الظلمة إلى النور، ومن البنى المفوَتة إلى الحداثة، أساسه أن العمل السياسي في الحاضر يمحي الماضي ويؤسس لمستقبل زاهر».

وترافق أفول المنظومة المعرفية، كما أضاف بردويل، مع «بؤس المعسكر الاشتراكي وانهياره، وتنامي الأنظمة الاستبدادية والحروب الأهلية التي مزقت المجتمعات المتحررة من الاستعمار، وصعود الشعبويات اليمينية في العالم، والارتداد على مكتسبات دولة الرعاية الاجتماعية. كل هذا أسهم في طي الإيمان بتقدم البشرية نحو مستقبل أفضل».

وقد مثّلت الثورة الفلسطينية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حسب الباحث، «جزءاً من كوكبة الثورات في العالم الثالث، كثورتي فيتنام والجزائر»، واستشهد بمقولة لأحد المخرجين اليابانيين الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية: «في زمني كان هناك فيتنام وفلسطين، وأنا اخترت فلسطين».

وأضاف: «تكمن ديمومة فلسطين كجرح نازف في رفض تطبيع الاستعمار كحالة. وإن كان عالمنا ما يزال يقوم على قسمة بين مراكز وأطراف، إلا أننا في عالم عقدي، وبالتالي فإن فلسطين هي القضية الكونية اليوم، ليس لأنها قضية عادلة، بل لأن ماضيها القريب وحاضرها يشكلان شهادة حية على عنف التراكم الأولي للاستعمار الذي وُلد منه عالمنا الحديث». وهنا استشهد الباحث برواية «تفصيل ثانوي» لعدنية شبلي، للتدليل على العلاقة التي تؤسس وتصل بين الماضي والحاضر، وبمقولة لغسان أبو ستّة مفادها أن «الإسرائيليين يستخرجون قيمة التراكم الرأسمالي من أرواح وأجساد الفلسطينيين»، حيث يطورون أسلحتهم من خلال أجساد الفلسطينيين.

وختم بالقول إنه «يمكننا النظر إلى القضية الفلسطينية بعيداً عن التاريخانية والهوياتية، وأبرز مثال على ذلك دعوى جنوب أفريقيا التي تنطلق من موقف إنساني لا علاقة له بروابط الدم والدين. وأهميتها تأتي من فتحها كوىً لمستقبل أكثر عدالة، ودحض النظريات العدمية». بدورها، أشارت الباحثة هدى الصدّة إلى «أن مفهوم التنمية الذي اعتمدته وروّجت له الأمم المتحدة هو مفهوم ليبرالي بامتياز، وكان المطلوب منه نزع السياسة عن فعل التغيير، والخلاص الفردي، وهذا ما انعكس أيضاً على المجالات البحثية».

وعن تأثر النسوية العربية بتيارات النسوية الغربية، قالت: «ما نبحث عنه في العمل العابر للقوميات هو التضامن، وحده الشيء الذي يمكن تثمينه، وهذا ما نشاهده اليوم على المستوى الشعبي من مختلف دول العالم، التي يخرج فيها شابات وشبّان لدعم القضيّة الفلسطينية. ومن هذا المنظار نقرأ خطوة جنوب أفريقيا. وبالتالي، فهذه المجموعات المتضامنة بدأت بتشكيل لغة واحدة في ما بينها، وتطلعات صوب عالم أكثر عدالة. عند هذا الحد لا تتقوقع النسوية العربية على ذاتها بقدر ما تنفتح على أشكال مختلفة من العمل النسوي حول العالم».

وأضافت: «نمر على المستوى الدولي بمرحلة انهيار لمؤسسات كثيرة أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، لكي تتفادى الإنسانية مآسي الحروب، وربما من خلال هذا الفهم نستطيع قراءة التخلي عن ‹أونروا›، وقطع التمويل عنها من قبل الدول الداعمة. وهذا ينسحب إلى حد ما على القوانين الدولية أيضاً، التي تبقى بطبيعة الحال ملجأ للضعفاء، وهنا نشهد بداية ثورات وظهور حركات اجتماعية جديدة».

أما الباحث الفلسطيني محمد باميه، فانطلق في تعقيبه من «أن الاحتلال الإسرائيلي مسألة استعمار استيطاني، ولكنه ليس كباقي الاستعمارات الاستيطانية السابقة، بمعنى أن مجرمي الكيان الكبار اعتبروا أنهم موجودون في المنطقة العربية بشكل جغرافي، وليس لهم علاقة بثقافتها، وهذا ما أسس للعداوة والحروب المستمرة مع المحيط».

وأضاف: «ليس هناك حدود لما يطلبه المستعمِر لـ›أمنه› المنشود. وفي المقابل، ليس هناك أي أمن متوفر للشعب الفلسطيني». كما لفت المتحدث إلى مفهوم السيادة وعلاقته بالدولة، و»كأن الدولة هي الدواء لمرض انعدام الأمن»، وأشار إلى «أننا اليوم أمام حرب إبادة وتطهير عرقي بشكل واضح، حيث يتم طرح حل الدولتين، ومن ثمّ يتم نسيانه بعد فترة. لكن ما يعيد وضع فلسطين في قلب المشهد دائماً، منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى اليوم، هم الفلسطينيّون أنفسهم».

وختم بالقول إن «حدثاً كالسابع من تشرين الأول/ أكتوبر، الذي ينظر إليه كحدث مسلح، كان قد سُبِق بحدث سلمي واجتياح للحدود يتمثل في مسيرة العودة عام 2018، والتي رد عليها الاحتلال بمجزرة مروعة راح ضحيتها عشرات الشهداء».

ـــــــــــــــــــــــ

«العربي الجديد» – 10 شباط 2024

عرض مقالات: