عبر النائب طارق الخولي عن قلقه من تزايد معدلات العنف مؤخرا في الأسرة المصرية, فأينما التفتنا تواجهنا مظاهر عنف لا داخل الأسرة فحسب, وانما ايضا في الشارع وفي المواصلات العامة, وفي مواقع العمل. ولابد أن مراكز البحوث قد التفتت الى هذا المتغير في حياتنا, وعلينا ان نسعى لمعرفة النتائج التي توصلت اليها, فتضاف الى مشاهداتنا وما نراه في الواقع سعيا للتعرف الحقيقي على الظاهرة المقلقة.

وكثيرا ما يلفت نظري العنف ضد الاطفال, والذي يبرره الكبار أحيانا بأن الهدف منه هو التربية, وذلك رغم أن علوم التربية قد بينت لنا بعد دراسة الممارسات المتنوعة للعنف أن هذا العنف هو أسلوب قديم عفى عليه الزمن, وبين العلماء مخاطره على بناء شخصية الانسان.

وتبين لنا النتائج ان أول ما يترتب على العنف- خاصة ضد الاطفال- هو ضمور ملكات الابداع, وهو الضمور الذي ينتجه الخوف من الخطأ, ونحن نعرف- من تجربتنا- ان من يعمل لابد ان يخطيء أحيانا.

وإذا شئنا أن نكون رؤية شاملة لتفاقم العنف لا في مجتمعنا فقط وانما في المجتمعات كافة علينا ان نحلل المكونات العامة التي ستساعدنا على انتاج هذه الرؤية الشاملة.

لعل أول ما سوف نعرفه هو هذه الحالة – شبه العامة- من عدم الرضا, فالشباب غير راض عن واقعه ويسعي الى الهجرة, وغالبية النساء يرين ان المجتمع ظلمهن حين حشرهن في زاوية المؤنث الذي هو والنقصان سواء, وقد اختارت الغالبية من النساء قبول هذه الاوضاع وكأنهن راضيات عنها، ولكن بينت دراسات جادة انه مجرد رضا ظاهري حتى تسير الحياة. ذلك ان المعطيات الجديدة- في عصر حقوق الانسان عملت على تفتيح القلوب والعقول على احتياجات جديدة يتطلبها العصر, وعلى رأسها حفظ الكرامة الانسانية والمساواة في الحقوق والواجبات.

واصطدم التطلع الى المساواة على مدار التاريخ الانساني بملكية الثروة, خاصة ان البشرية عرفت في طفولتها ما اطلق العلم عليه وصف المشاعية البدائية حين لم يكن الانسان قد عرف بعد الملكية الفردية للثروة.

ورغم كل المحن والالام التي تعرض لها الانسان على مدار تاريخ تطوره, فقد راكم من الخبرة والتجربة والمعارف والآفاق التي فتحها له العلم ما أعانه في كل مرحلة من مراحل تطوره على انجاز الجديد, والاضافة الى التجربة البشرية معارف وخبرات وفتح آفاق.

ورغم ان الانسان استبقى من تاريخه القديم- حين كان لا يزال وحشا- استبقى بعض مظاهر العنف والقسوة التي انفجرت في شكل حروب وصراعات من اجل الثروة والسلطة, فإنه استطاع عبر الحضارة- أن يروض الوحش داخله, وتبارت مدارس الفكر في السعي الى بناء انساق انسانية جديدة لتكون جديرة بالانسان الذي انتزع نفسه بارادته من عالم الوحوش, وان كان نجيب محفوظ قد أخذ يذكرنا بأن الوحش قديم والانسان جديد وكثيرا ما يقفز الوحش لمقدمة المشهد, خاصة عندما تحتدم الأزمات وتنفجر العداوات.

تمكن الانسان الذي صنع نفسه على مدار التاريخ تاركا خلفه تراث الوحوش والغابات من بناء مملكة جديدة قوامها المثل العليا الانسانية, وأرشدته الفلسفات والمذاهب والديانات الى ما فيه الخير والتواؤم, حتى خرجت الملكية الخاصة للثروات الى الوجود, فظهر الوحش من جديد مكشرا عن أنيابه, دفاعا عن مصالحه الخاصة التي هي قدس أقداسه.

ولكن الانسان لم يتوقف عبر تاريخه- خاصة الحديث منه- عن ابتداع السبل والطرائق, وخرجت المدارس الاشتراكية لتقول لنا إن أي جشع الملكية الخاصة هو أصل البلاء,  لأنه اطلق شره الاستحواذ, خاصة بعد انقسام المجتمع الانساني الى طبقات, ولم تقتسم هذه الطبقات الثروات في ما بينها بالتراضي خاصة بعد أن نجح العلم في تعظيم هذه الثروات, وفتح آفاقا بلا حدود أمام التقدم الانساني.

وهكذا اصبح الصراع الطبقي حاسما في العالم المعاصر, وهو ما أجج تطلع البشر- أو غالبيتهم- للبحث عن طرائق جديدة لاقتسام الثروات, وعبرت الآداب والفنون والفلسفات عن تناقضات الوضع الجديد, في الوقت الذي لم تتوقف فيه اجتهادات البشر للبحث عن أفق للعدالة والانسانية في مسيرة بلا نهاية, ذلك أن التاريخ الانساني لا ينتهي, كما أن جشع التملك لن ينتهي إلا بالوصول الى العدالة الحقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“الأهالي” – 30 تشرين الثاني 2021

عرض مقالات: