علمتنا التجربة التاريخية للأحزاب الاشتراكية بأن لا يمكن اتخاذ الموقف من الحرب دون تلمس طبيعة الحرب وهدفها وتحديد من تخدم. وبالاستناد على هذا الاساس يجري اتخاذ الموقف من الحرب لكي لا تسقط مصلحة العمال الكادحين وسائر الشغيلة اليد والفكر في حضن البرجوازية الحاكمة، و لكي لا تصبح الطبقة العاملة وقودا في حرب غير عادلة هي ليست حربها، بل حرب امبريالية من أجل اعادة تقسيم العالم واعادة توزيع الأسواق والهيمنة على العالم وحرية حركة رأس المال دون عوارض وعقبات.

إن الخيار الاشتراكي بالنسبة للعمال والشغيلة الواعية، وكل من يطرح البديل الاشتراكي لمواجهة أزمات الرأسمالية ووحشيتها، يجب أن لا يمر عبر نزعات التوفيق مع الرأسماليات الحاكمة والاصطفاف معها والاذعان لتبريراتها وتوجهاتها الناجمة عن تصادم المصالح وسعيها إلى حلها عبر الحرب.

فالرأسمالية كنظام عالمي تسعى دائما إلى حل أزماتها العامة و تناقضاتها الداخلية وتصفية صراعاتها عبر وسائل عديدة، منها الحرب التي تمهِّد لها عبر التأثير على الرأي العام، وصياغة مبررات واهية وخلق وعي مزيف لتبرير الحرب، بغية جر أكبر عدد ممكن إلى محرقة الحرب، وتقسيم آراء الناس ضمن ثنائية التصنيف بين الخير والشر أو الأسود والابيض، أو الادعاء بأن الصراع و الحرب الدائرة هي بين رأسمالية تسلطية و رأسمالية ديمقراطية، واعتبار كل طرف من أطراف الرأسمالية المتنازعة والمشتركة في الحرب نفسه ممثلاً للخير واعتبار الآخر ممثلاً للشر.

لقد تعاملت الدعاية الرأسمالية للأطراف المتحاربة الآن في المعارك الدائرة بين روسيا وأوكرانيا بمنطق شكلي هدفه منع بلورة حركة جماهيرية ضد الحرب ومناضلة من أجل السلام، ومُكافِحة من أجل تحويل الحرب الامبريالية الدائرة بين الرأسماليات الحاكمة إلى حرب الطبقة العاملة وسائر الكاحين ضد الأوليغارشيات المتنفذة والكارتلات التي تقسم الاسواق العالمية وتحتكرها.

لقد قدمت الأطراف الرأسمالية المتنفذة والحاكمة تصوراً مشوهاُ حول الأطراف المشاركة في الحرب، فجرى تصوير النزاع والحرب الدائرة كونها بين دولتين هما روسيا وأوكرانيا، في حين ان الأطراف الاساسية المشتركة في الحرب هي أوسع من ذلك. فدول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أطراف مشاركة في الحرب عبر مشاركة جميع هذه الأطراف إضافة إلى روسيا وأوكرانيا في الدعاية للحرب والعمليات اللوجستية والانفاق العسكري والتزويد بالسلاح واستخدام العقوبات الاقتصادية والتهديد بتوسيع رقعة الاشتباكات لتشمل دولآ أخرى.

إن التهديد الحقيقي للحرب وآثارها الكارثية لا تنحصر في إطار جزء معين من المعمورة. فضمن الآثار المباشرة للحرب زيادة القلق والمخاوف من كارثة نووية، وما جرى من ارتفاع ملحوظ في سعر النفط والطاقة عموماً، أضافة إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، وهي مخاوف تهدد البشرية جمعاء وتضع السلام العالمي عموماً في مفترق طرق، وخاصة بعد أن هيأت الحرب الأجواء والظروف المناسبة لغلاة اليمين المتطرف لخطابها الداعي للكراهية بين الشعوب والتمييز العرقي.

إن الرأسمالية نظام عالمي مهيمن على الساحة الدولية، و لذا فإن الحرب بين أطرافها تتسم بالطابع الدولي، وبالتطورات المتراكمة الحاصلة على الساحة الدولية التي تمثلت في تحويل التراكمات الكمية الناجمة عن الاحداث والمتغيرات بين الأطراف والدول الرأسمالية التي تعبر عن مصالح الاوليغارشيات المالية في ظل نظام وهيمنة القطب الواحد إلى تراكم نوعي تتمثل في عدم امكانية استمرار القطب الواحد والتحول إلى الثنائية القطبية في إطار الخيارات الرأسمالية وتنازع مصالح الاوليغارشيات المتنفذة التي اختارت أوكرانيا كساحة أساسية، باعتبارها الحلقة المباشرة في الصراع بين المسعى الرامي إلى اعلان الثنائية القطبية من قبل روسيا الاتحادية، ومسعى الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو لبقاء القطبية الواحدة، في وقت تجري هذه الخلافات في اطار الخيار الرأسمالي وتناقضاتها.

إن على الاحزاب الاشتراكية والشيوعية أن تكون بمنتهى الدقة والصراحة في تحديد طبيعة الحرب وماهيتها وأهدافها، وتحديد مسؤولية كافة القوى المناهضة للحرب والمناضلة من أجل السلام والتنمية والاشتراكية والمصير المشترك للبشرية، لاتخاذ موقف أممي مشترك مبني على فضح الحروب الرأسمالية ومبرراتها وخوض النضال الاشتراكي ضد الرأسمالية، من خلال التأكيد على نقاط اساسية، وهي:

ــ إن الحرب الحالية تعبر عن أزمة الرأسمالية وتجلياتها، وهي أزمة سياسية واقتصادية تتمثل في الركود من جهة وازدياد التفاوت الطبقي من جهة أخرى، وتهافت الشركات الرأسمالية على الأسواق وإعادة النظر في توزيعها الذي جرى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وستسفر الحرب عن تعميق هذه الأزمة بعد أن مرت الرأسمالية بالأزمة المالية عام 2008 والأزمة الناجمة عن وباء الكورونا.

ــ ان سَوق الطبقة العاملة والكادحين إلى محرقة الحرب عبر حجج واهية تعتمد على خطاب “الدفاع عن الوطن” و”حرية الانضمام إلى الاحلاف العسكرية” أو حجة “حماية الديمقراطية” تصب جميعها لصالح أرباح الرأسماليين وجعل الكادحين وقوداً في صراعات الرأسمالية، وحروبها.

ــ ينبغي على قوى التقدم والاشتراكية وحاملي مشروع التغيير الاجتماعي في العالم أن يكافحوا ضد خطاب الكراهية بين الشعوب الذي يروجه اليمين المتطرف.

ــ من الضروري ان تركز القوى اليسارية المناوئة للحرب الرأسمالية على استثارة الطبقة العاملة وسائر شغيلة اليد والفكر والفئات المهمشة عبر التأكيد على افلاس الراسمالية كخيار حتمي وتاريخي للبشرية.

ــ إن الأطراف الرأسمالية إذ تخوض هذه الحرب فإنها تعرض نفسها للخطر، فتاريخ البشرية ونضال الشعوب تزخر بمعارك كبيرة خاضتها قوى التقدم والاشتراكية، وعلى قوى الاشتراكية أن تُذَكِر الجماهير بنضالات كومونة باريس وثورة أكتوبر ونضال الشعوب المناضلة ضد الكولنيالية.

إن الحرب الحالية هي بين غلاة اليمين المتطرف في العالم، وعلى قوى اليسار والاشتراكية أن تدينها بوضوح. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني

عرض مقالات: