اخر الاخبار

الاستطلاع الذي نشرته جريدة الصباح في عدد يوم 18شباط 2023، واضح المقاصد، لا يخفي هدفه، اذ ينطلق من فكر شوفيني واضح، لم يستوعب مغادرة المركزية الصارمة التي كان قد فرضها النظام الدكتاتوري على الدولة بالتعسف، حيث لم يوفر أداة بطش الا واستخدمها بهدف التسلط والاستبداد، ومارس شتى أنواع القمع ضد طموحات الشعب الكردستاني وحقه في تقرير مصيره، كشعب يعيش متآخيا مع الاقوام التي تتشارك ارض الرافدين، من عرب واكراد وتركمان وكلدواشوريين، شعب متنوع الأعراق والأديان والمذاهب التي شكلت موزاييك بالغ الثراء والجمال.

لا يتحمل حملة الفكر الشوفيني فكرة ان التغيير هاجس للتحضر والتقدم، وان الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها من سمات عصرنا الذي اشكل على التعصب والانغلاق، وان الفدرالية واللامركزية، هي أحد اشكال الحكم، حيث التوزيع العادل للسلطة والمال، في إطار الدولة الواحدة. وللعراق وشعبه، وضمنه الشعب الكردستاني حق العيش في بلد امن يؤمن الحريات ويضمن الحقوق. وإذ لا مجال هنا للحديث عن حق الشعوب كبيرها وصغيرها في التمتع بهذا الحق الذي ارساه كبار مفكري الإنسانية، وتحول الى مادة اممية تضمنتها المواثيق والمبادئ الدولية، ووثائق الأمم المتحدة، حيث العراق عضوا فيها.

لم يتوان الشعب الكردستاني وقواه السياسية وفعالياته المدنية، عن الكفاح المتفاني والمتواصل من اجل تحقيق كل هذه الأهداف النبيلة، ومنها نيل حقوقه القومية، التي لا يؤمنها إلا النظام الديمقراطي، لذا ربط   الشعب الكردستاني أهدافه القومية بموضوعة الديمقراطية، كونها ديمقراطية الجوهر، وقد وضع الديمقراطية كأولوية في شعاراته، الديمقراطية للعراق والحقوق القومية للشعب الكردستاني، بدءاً بالحكم الذاتي، ثم الفدرالية التي صوت عليها الشعب العراقي ضمن استفتاءه على الدستور العراقي، حيث نصت المادة الأولى منه (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي “برلماني” ديمقراطي). 

هذه بديهيات والتي يبدو انها عند البعض عصية على الادراك، فيما لا تحتاج الى الاسهاب فيها والاستغراق في توضيحها، كحق تمت ترجمته ضمن أسس النظام السياسي في العراق وركائزه الرئيسية، حيث سيبقى يعيش في كابوس دائم من يفكر بإرجاع الأوضاع الى الخلف، او انه باستطاعته، نزع حق الفدرالية من شعب كافح وقدم مئات الالاف من التضحيات من اجل حقه في العيش على ارضه.

عندما نتطرق الى كل ما مر، لا يعني ان الأمور في الإقليم تجري على احسن حال، فالأزمة المستفحلة التي يمر بها النظام السياسي في العراق، تلقي بضلالها وتنعكس على الوضع في الإقليم، حيث سبق  قطع الميزانية على الإقليم ما حرم المنتسبين في الوظائف الحكومية من رواتبهم، وهذ من مفارقات السياسية حيث انها تعد عقوبة جماعية للشعب، وقد سبق ومارسها النظام الدكتاتوري، بفرضه الحصار على كردستان، وبهذا المعنى ان الحكومات الاتحادية التي تداولت على الحكم بعد التغيير، لا زالت غير متفهمة لتوزيع السلطات، والتخبط في توزيع الثورة، وهذا ما نشهده عند مناقشة الميزانية كل عام، وانعكاس ذلك على رواتب منتسبي الإقليم، الذين هم منتسبي الدولة في نهاية المطاف، وتأثيرات كل ذلك على حياة المواطنين ومعيشتهم.

كما ان الصراع بين الحزبين المتنفذين في الإقليم يترك اثار وتداعيات سلبية، الى جانب الفجوة الطبقية التي تتسع بين الطبقات الاجتماعية، حيث الغنى الفاحش، وأصحاب الدخل المحدود، وكل هذا ينتج تذمر وعدم رضا، وشعور بالحرمان وعدم الرضا، وشعور الجزع والسخط، وكل هذا لا يعني ان المواطنين يتخلون عن الحق في الفدرالية، بل هم يطالبون بتعميق المحتوى الاجتماعي لها، بالاهتمام بمعيشة الانسان وتحسينها وتقديم الخدمات ووضعها كأولية. ومن هذا المنطلق تأتي دعوتنا الى رص الصفوف ومعاجلة الأخطاء والنواقص، والاهتمام بالوضع المعيشي لشعبنا وتقوية اقتصاده، وتنمية موارده، وتامين كل ما يجعل شعبنا يتمسك بحقوقه، وهذا هو المدخل الصحيح لترصين النظام السياسي في كردستان وتعزيز المشاركة السياسية فيه.

عرض مقالات: