اخر الاخبار

عندما نجحت ثورة 14 تموز عام 1958، انتشرت صور قائدها الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم في كل مكان وخاصة في الشوارع والمحلات التجارية وفي البيوت ودوائر الدولة وغيرها. وكان في غالبيتها يبدو مبتسماً وأنيقاً وهو بالزي العسكري الرسمي. لكن الصورة الاخيرة لا تشبه مثيلاتها والتي كانت في اليوم الاخير من حياته حيث ظهر الزعيم فيها لافظاً انفاسه الاخيرة وكان مضرجاً بالدماء في ظهر يوم التاسع من شباط عام 1963 الموافق الخامس عشر من رمضان، حيث كان الزعيم الشهيد عبد الكريم صائماً في ذلك اليوم وتم الغدر به بعد محاولة استدراجه للتفاوض مع الانقلابيين في اليوم الثاني حينما تربعوا على سدة الحكم ونصبوا العقيد عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية والذي قام بترقية نفسه الى رتبة مشير فيما بعد.

في ظهر يوم 9 شباط صعد الزعيم عبد الكريم مع الزعيم طه الشيخ أحمد بدبابة بينما صعد الزعيم فاضل عباس المهداوي مع الملازم الاول كنعان خليل حداد القيسي وقاسم الجنابي الى مدرعة، واتجه الجميع الى مبنى دار الاذاعة في الصالحية ببغداد حيث كان في انتظارهم شلّة من البعثيين ومن قيادة الحرس القومي وهم معروفون للناس جميعاً وبعد أقل من ساعة تمت تصفيتهم بإطلاق الرصاص عليهم وهم جالسون على الكراسي والتي سقطوا منها لحظة فقدانهم الحياة ما عدا الزعيم الشهيد طه الشيخ أحمد والذي يظهر في منتصف الصورة بقوامه الممشوق وقد مال رأسه للخلف دون حراك. وأن الذي أطلق الرصاص على الشهيد عبد الكريم هو المقدم منعم حميد بأوامر من مرؤوسيه بينما نفذ آخرون أوامر القتل بالبقية بعد أن تعرض الزعيم فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب المعروفة حينذاك للاعتداء عليه حال دخوله لمبنى الاذاعة بالإضافة الى خلع رتبته العسكرية والبصاق عليه وشتمه. ولم يسلم من الاعدام سوى قاسم الجنابي الذي تم اخراجه من بينهم والعفو عنه.

وقد انتشرت الصورة الاخيرة للزعيم عبد الكريم وهو في الجهة اليسرى تفيض من جسده الدماء وهو ساقط قرب الكرسي وبجانبه الشهيد طه الشيخ أحمد وبجانبه الملازم الاول الشهيد كنعان خليل حداد وهو أيضاً غارق بدمائه وقد سقط بجانب كرسيه. وكان مرافقاً للزعيم عبد الكريم وبقى معه لآخر لحظة من حياته ولم ينسحب وهو شاب في مقتبل العمر وكان مواليد عام 1935! وهذه الصورة المحزنة لهؤلاء الوطنيين تم نشرها حينذاك في التلفزيون العراقي بالوقت الذي رفع فيه أحدهم رأس الشهيد عبد الكريم من شعره وبصق عليه.

كان الانقلابيون فرحين بأن انقلابهم نجح الآن بعد مقتل الشهيد عبد الكريم قاسم ومقتل رئيس محكمة الشعب الشهيد فاضل عباس المهداوي، وقبل ذلك تمت إصابة الشهيد الزعيم عبد الكريم الجدة بشظايا نارية حينما كان يقاوم الانقلابيين في مقر وزارة الدفاع، حينما اتصل به الشهيد عبد الكريم طالباً منه القدوم اليه وهو في مقر الوزارة وتم في اليوم التالي نقل جثته الى مبنى الاذاعة مع بقية الشهداء ليتم دفنهم مساءً في منطقة المعامل شرق بغداد ولكن لم يُعرف مكان قبورهم للآن.

ومن الجدير بالذكر أن نقطة الصفر في انقلابهم الدموي كانت حينما اغتالوا الشهيد الزعيم الطيار جلال الأوقاتي قائد القوة الجوية العراقية، بحيث أن الشهيد عبد الكريم حينما اتصل به في البيت قائلاً لزوجته (وينة الزعيم...!) ويقصد الأوقاتي..فردت عليه..هذاك هو ممدد بالشارع فقد تم قتله من قبل الانقلابيين..حزن عليه الزعيم عبد الكريم وتوجه لدعوة الضباط الكبار الذين يشهد لهم بالإخلاص له وللوطن ومنهم الشهداء عبد الكريم الجدة و طه الشيخ أحمد والمهداوي ووصفي طاهر وغيرهم والذين استشهدوا جميعاً.

أن هذه الصورة الاخيرة للشهداء بقيت وسوف تبقى في ذاكرة ابناء الشعب العراقي، صورة للحزن عليهم والغضب من جرائم البعثيين الذين لم يتفاوضوا معهم وكانوا يستفزونهم لحظة دخولهم لدار الاذاعة ويشمتون بهم ومن ثم قتلوهم بدم بارد دون محاكمة او محامين وإنما كان هؤلاء عبارة عن زمرة من القتلة المارقين الذين استحوذوا على السلطة ودمروا العراق ولا زال شعبنا يحصد ما قاموا به من جريمة نكراء الى اليوم..وحينما تخلى عنهم لاحقاً عبد السلام عارف في يوم 18 تشرين الثاني من نفس العام وبعده بسنة، أعد للنشر هادي خماس كتاب أسماه المنحرفون والذي فضح فيه جرائم البعثيين والحرس القومي على وجه الخصوص وهو معزز بالصور والوثائق وأسماء الضحايا والتي يستطيع اي مواطن التعرف على ابعاد الجريمة التي حصلت في 8 شباط عام 1963.

سوف لن ينسى التاريخ هذه الجريمة التي تم فيها وبالقوة القضاء على الحكم الوطني الذي قاده الفريق الركن الشهيد عبد الكريم قاسم ورفاقه الضباط الوطنيون الشرفاء من أجل العيش الكريم لكافة ابناء الشعب وخاصة الفقراء منهم.. المجد والخلود لضباط الصورة الاخيرة المحزنة والتي يفتخر بها شعبنا ولكنه ينظر للضحايا بألم وحسرة..

ـــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة.. كانت رتبة الشهيد عبد الكريم هي زعيم اي عميد فيما بعد ثم تمت ترقيته وفق الاستحقاق الى رتبة لواء ثم في 6 كانون الثاني عام 1963 رقي الى رتبة فريق.. أما بقية الشهداء طه الشيخ أحمد وعبد الكريم الجدة وفاضل عباس المهداوي ووصفي طاهر وجلال الأوقاتي فكانت رتبهم حين استشهادهم هي الزعيم اي العميد.. ورتبة الشهيد كنعان خليل القيسي هي ملازم أول.

عرض مقالات: