اخر الاخبار

لا أدري متى ينتهي الأمر، فلا تحترق قهوتي صباح هذا اليوم وللمرة الثالثة، وأنا اكتب هذه التحية! 

قال سائق تكسي كنت قد أجرته من السيدية الى الكرادة، بعد أن شم من حديثي أنني يسار: بالتأكيد أنت شيوعي؟ قلت له: وبالتأكيد انت من متابعي اخبار الحزب الشيوعي؟ 

قال نعم، ثم ضحك ضحكة عميقة. قال أريد أن أسألك أستاذ: بعدكم تفرقون بين "مستغِلين "بكسر الغين، ومستغَلين بفتحها"؟، لم اتمالك نفسي من مشاركته الضحك، قلت له انت سائق تكسي ولابد أن معلوماتك جيدة عن أوضاع العراق، لم يجبني، بل التفت إلي وتمعّن في وجهي طويلًا، وأطلقها ضحكة مدوية. 

قال والله ضاعت علينا السالفة: بين غين مفتوحة وغين مكسورة، ما تكلي القضية "شنهو" أستاذ؟، وأنا أشاركه الضحك، قلت: والله ما أجمل هذه السفرة بين السيدية والكرادة، وها أنت شرحت الفرق بين الاثنين فلا يوجد من داع لاشرحها لك. فانا أيضا ضاعت علي السالفة، ومعلوماتي ما زالت قديمة ومحدودة بغين مكسورة وغين مفتوحه، بينما الحقيقة أن "الغين" انقلبت وصارت: حجي، سيد، رفيق، شيخ، نائب، مستشار، مدير...الخ. يبدو اننا متفقون على أشياء كثيرة ما دمت قد قلتها من الأخير. 

التفت إلى ثانية. قال: العفو أستاذ، انا ضابط في الجيش العراقي السابق، وكنت اقرأ جريدة طريق الشعب بغفلة من أصدقائي الضباط، وكنا نعرف جيدًا عنكم حينما هجم عليكم النظام في أواخر السبعينيات. كانت اخباركم تصل من بعض الجنود، لا تتصور يا أستاذ ان أحدًا لا يعرف ما هو تاريخ ونضال الحزب الشيوعي. ولكن كانت الظروف اقوى منا.

 نحن بالرغم من كوننا عناصر في جيش النظام، نمتلك حسًا وطنيًا وكنا نتابع اخباركم وما يحدث لكم في كردستان وغيرها. ولكننا دائمًا عندما نجلس وبعد البيك الأول، نتذكر الغين المكسورة والغين المفتوحة. ثم نبدأ بالشرب.

سقت هاتين الحادثتين: احتراق فنجان قهوتي لثلاث مرات هذا الصباح وانا اكتب هذه التحية، ما جعلني اصرف النظر عن شرب القهوة، واستذكاري لحديث عابر مع سائق تكسي جرى قبل سنة، لأبين عمق صلة الحزب بالشعب العراقي، ولأقول: أن مؤتمر الحزب الحادي عشر مؤتمران: الأول يعقده قادة الحزب والمندوبون من كل مناطق تواجدهم في الداخل وفي الخارج، لمناقشة وثائق جديدة ترسم خطى السنوات المقبلة بعد ان تقيم التجربة منذ المؤتمر العاشر، تمهيدًا لخروج المؤتمر الحادي عشر بأفكار جديدة تتلاءم وسياق التحولات المتسارعة في العراق والمنطقة. 

لقد كانت الوثيقة التي نشرتها جريدة الحزب المركزية طويلة جدًا، لا أعتقد أن أحدًا قرأها كلها من غير المندوبين، وهذه نقطة مهمة، فالبلاغة في الإيجاز والتركيز لا في الاطناب والشرح. وللشيوعيين طريقة وخبرة في تركيز الأفكار تعد واحدة من اشكال البلاغة السياسية والتنظيمية، عندما يلخصون قضية كبيرة في ورقة سكائر "بافرة" أو كما كانوا يفعلون في نشر اخبار ونشاطات الحزب في السجون، وينشروها في صحيفة سرية على وجهي ورقة واحدة. 

أما المؤتمر الثاني فيعقد في بيوت العراقيين ومقاهيهم ووسائط نقلهم، وفي جلساتهم الليلة، وبين أسرهم، وعبر اتصالاتهم. وعندي أن ديمومة المؤتمر الثاني أكثر فاعلية من ديمومة المؤتمر الأول، نظرا لسعة المشاركين فيه ولطبيعة الآراء التي لا تحددها سنوات، ولاستمرار طرح الآراء، حتى لو لم يكن ثمة أي مؤتمر. 

ميزة النقد العراقي للحزب هو أنه يربط بين احداث فترات متباعدة - نقد لا يرحم، مشبع بالعتب والمسؤولية - وهذا حق لأن الحزب يكتب نصًا وطنيًا على مدى تاريخ العراق، والشعب يتذكر هذا النص من خلال مواقف الحزب وشهدائه وحياته وعلاقاته. 

انه اهم نص، يحمل تاريخًا وفكرًا تنويريًا ومواقف لا تساوم على قضية الناس وحياتهم. هو النص الذي يكتبه الشهداء بدمائهم، ومنهم شهداء تشرين الشباب. ليس ثمة فواصل بين مؤتمر وآخر، فهي معنية بمواقف وآراء الشارع، بقدر ما تكون المؤتمرات معنية بنبض الشارع، لذلك اعتبر هذا النبض الوطني هو المؤتمر الذي يجب استيعاب مقرراته ومواقفه وآرائه، وأن تكون ثمة وثيقة منفتحة الصفحات لاستيعابه وتدوينه،. ولن يكون في المحصلة أن ما يقال على لسان الشعب هو ما يخص فترات قبل انعقاد المؤتمر، ابدًا إن ما يقال على المستوى الوطني يشمل كل مراحل تاريخ الحزب، تلك التي كانت كذا وتلك التي ستكون كذا.. 

هذا المؤتمر الشعبي بالرغم من سعته وتنوع المشاركين فيه، يؤلف إحدى السرديات الكبرى في تاريخ العراق، السردية التي يتعدد رُواتها وحكاياتها، نص مفتوح لا يعرف قفلة لنهايته، ويكون قائمًا بجوار وثائق الحزب التي تطرح للحوار والمداولة. فمؤتمرات الحزب ليست إعادة أفكار سابقة، ولا تبديل صياغات قديمة بصياغات جديدة، ولا الحديث عن تغيير في القيادة، إنما هو استيعاب لجديد نبض الشارع العراقي، وما يطلبه من حزب علّم الآخرين معنى أن يكون النضال وطنيًا، وعن الكيفية التي يرون فيها أهمية انعقاد مؤتمر. 

فالحزب ليس باعضائه المنتمين له فقط، بل هو جريان من سيول الناس والمواقف والرايات واللافتات التي غطت سجون العراق ومدنه وقراه وبيوته، وارتفعت في جبال كردستان وشعابها، وفي مدن عربية واوربية، مهاجرون إليها ومنفصلون عنها..

 لا تجد شيوعيًا لا يحب بلاده ويحترم مقدساته وفئاته الوطنية، ولا تجد وطنيًا لا يقدر نضال الشيوعيين ومواقفهم.

تحية للمؤتمر الحادي عشر، وأملنا كبير في نجاحه.

 

24 /11 /2021

عرض مقالات: