اخر الاخبار

تفاقمت وتتفاقم يوم بعد يوم أزمة تقديم الخدمات العامة للمواطنين في العراق، واخفقت جميع المحاولات الارتجالية في معالجتها. وضاعت ألوف المليارات من الدنانير في حلول ترقيعية خائبة يشوبها الفساد نتيجة للخلل الجسيم الذي لحق في طبيعة التوزيع السكاني في عموم العراق بسبب تلك العقول الدخيلة على الحكم بحروبها وفسادها وتطرفها وسوء إدارتها.. ففي إحصاء 1957 كانت القرى والأرياف والتي تعتبر مصدرا للإنتاج الزراعي والحيواني وغيرها من المهن والحرف الأخرى تحتضن ما يقارب 70 بالمائة من نفوس العراق، حيث بدأت هذه النسبة بالتراجع التدريجي نتيجة للهجرة المعاكسة والمستمرة من تلك القرى والأرياف التي تعرضت إلى جملة أزمات خدمية ومعيشية وأمنية بالإضافة إلى مشاكل بيئية إلى المدن العراقية بشكل عام والعاصمة بغداد بشكل خاص لغرض الحصول على أي فرصة عمل يسدون بها رمقهم.. ووفق آخر تقرير كان قد صدر من قبل وزارة الإسكان يؤكد بأن عدد سكان القرى والأرياف يبلغ 11.790.000 مليون نسمة أي ما يعادل الآن 30 بالمائة من نفوس العراق بعد أن كان يعادل 70 بالمائة كما تم ذكره.. علماً بان عدد سكان العراق الآن حسب تقديرات وزارة الإسكان مستعينة بالقائمة التموينية منذ عام 2000 إلى عام 2022 ازداد ما يقارب 23.500.000 مليون نسمة أي بمعدل زيادة في النمو السكاني سنويا 2.9 بالمائة وهي زيادة قريبة من الحالة الطبيعية وتتوافق ايضاً مع النسبة التي أكدها المنظر السكاني مالثوس وهي تضاعف عدد سكان العام كل ربع قرن تقريبًا، علماً بان التقرير الموجز الذي سبق وأن نشرته وزارة الإسكان حول مراحل النمو السكاني في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الآن يتوافق إلى حد ما مع هذه النسبة المذكورة.. ففي عام 1920 كان عدد نفوس العراق 2.500.000 نسمة وفي عام 1945 بلغ قرابة 5.000.000 ملايين نسمة. ووصل تعداد السكان في عام 1970 10.000.000 ملايين نسمة وفي عام 1995 اصبح 20.000.000 مليون نسمة والآن وفق الإحصاء التقديري لعام 2020 وبالاستعانة ايضاً بأعداد القائمة التموينية، أعلنت وزارة الإسكان بان عدد نفوس العراق الآن بحدود 40.000.000 مليون نسمة، إذ اصبح من الصعوبة جداً تقديم خدمات متكاملة ومستمرة للمواطنين قبل إعادة النظر في عملية التوزيع السكاني في عموم العراق والتي أهم خطواتها الاولى هي البدء في إعمار القرى والأرياف وتوفير كافة مستلزمات الحياة فيها وتشجيع من هجرها للعودة اليها مجدداً لغرض إعادة مزاولة مهنهم وحرفهم الموروثة في الإنتاج الزراعي والإنتاج الحيواني والصيد والصناعات الشعبية وغيرها لغرض تخفيف الضغط السكاني الذي يسود جميع المدن العراقية وبالتحديد العاصمة بغداد والتي تشهد تكدساً سكانياً غير مسبوق بلغ ما يقارب 12.000.000 مليون نسمة، أي بزيادة بلغت أكثر من 6.000.000 ملايين نسمة عن النمو الطبيعي.. ففي الإحصاء السكاني الأول الذي شهدته بغداد بعد صدور الجنسية العراقية رقم 48 لعام 1920 بإشراف وزارة المستعمرات البريطانية بلغ في حينه بحدود 250.000 نسمة حيث يجب ان يكون عدد نفوس بغداد الآن وفق النمو الطبيعي بحدود 8.000.000 مليون نسمة، حيث تأكد أن هناك أكثر من 4.000.000 ملاين نسمة من الوافدين اليها.. علماً بان جميع المحافظات العراقية الأخرى تعاني ذات المعضلة لكن بنسب متفاوتة تهون عن ما تعانيه العاصمة بغداد.. لذا اصبح من الصعوبة جداً تقديم أو تأمين خدمات متكاملة لجميع المحافظات العراقية وسط هكذا فوضى، حيث تحولت معظم الوحدات السكنية إلى أكثر من واحدة واختفت الحدائق والاسطح المنزلية وتم التجاوز على الأرصفة والأراضي الخدمية، وتحولت الأراضي الزراعية القريبة من المحافظات إلى قطع سكنية، وتمددت العشوائيات لتطوق المدن وغيرها من التجاوزات العديدة، حيث أكد التقرير الأخير الذي قدمته وزارة التخطيط بأن أكثر من نصف مليون وحدة سكنية موزعة على 4000 آلاف عشوائية مما أدى كل ذلك إلى تجاوزات على الأنابيب الناقلة لمياه الإسالة والأسلاك الضخمة الناقلة للطاقة الكهربائية والتلاعب بالعدادات علاوة على تجاوزات كبيرة على شبكة تصريف المياه الثقيلة ومياه الأمطار وغيرها من التجاوزات العديدة الأخرى.. أما بخصوص الاختناقات المرورية نتيجة للتكدس السكاني في المدن والانفلات في استيراد المركبات فقد وصلت إلى مراحل تعطلت فيها حركة المواطن وجميع عجلات الخدمات العامة والخاصة. وقد أكدت مديرية مرور بغداد بأن شوارع بغداد باتت تستوعب ما يعادل 4 بالمائة إلى 60 بالمائة فقط من مجموع المركبات المسجلة في ذات المديرية وغيرها من الإشكالات الأخرى لا مجال لذكرها الآن.

كل هذا ولا زال معظم المسؤولين يصرون على تقديم إصلاحات ترقيعية غير مجدية ويصفون هذا التكدس السكاني في المدن على حساب تراجع عدد سكان القرى والأرياف بالنمو السكاني ولا يعيرون أي أهمية تستحق الذكر للقرى والأرياف والتي يعتبر إعمارها مفتاح الحلول، حيث لا يزالون يتجاهلون الأصوات التي تقدم الحلول العلمية لهذه المعضلة. وآخرها تلك المسودة الرائعة التي طرحها الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الوطني الحادي عشر والتي تتكون من 19 فقرة حول موضوع الزراعة وإعمار القرى والأرياف بشكل علمي رصين.. علماً بأن جمهورية الصين الشعبية مثلاً كانت قد قدمت عروضا في بناء قرى عصرية زراعية وصناعية وفق البيئة المناسبة ومتكاملة الخدمات وفي فترة زمنية قياسية تستقطب وتوفر العيش الكريم للملايين من القرويين المشتتين في العشوائيات التي خنقت المدن والحقت بالغ الاضرار فيها. لكن مع شديد الأسف تم رفض تلك العروض المغرية والبناءة لسبب واحد وهو طبيعة تعامل تلك الشركات الصينية عن طريق المقايضة بالنفط بالآجل وليس بالسيولة النقدية أي لا مجال لحيتان الفساد والاستفادة منها لتستمر هذه الحالة من الإجراءات الترقيعية التي أثبتت فشلها ليبقى شعبنا في هذه الحالة من التشتت والحرمان من ابسط حقوقه في التمتع بالخدمات ليواصل حياته ويقدم خدماته للوطن والمجتمع.