اخر الاخبار

تمر ذكرى يوم العمال في الاول من ايار المجيد، وتحتفل جماهير العمال في العديد من دول العالم بهذا العيد، الذي يعتبر عطلة رسمية في اكثر من 100 دولة. تعود قصة هذا العيد الى بداية الثورة الصناعية التي انتقلت في القرن التاسع عشر الى الولايات المتحدة وشكل العمال المهاجرون الشريحة الأكبر من القوة العاملة وكانت ظروف العمل مريعة والأجور متدنية وساعات العمل طويلة، فشاعت الاضرابات العمالية في العقد الثامن من القرن التاسع عشر، وكان من بين قادة الحركة العمالية الأمريكية عدد كبير من الاشتراكيين والشيوعيين وغيرهم من اليساريين الذين كانوا يؤمنون بضرورة انهاء الاستغلال الرأسمالي.

في 1 مايو من عام 1886 نظم عمال شيكاغو إضرابا شارك فيه حوالي نصف مليون عامل، مطالبين بتحديد ساعات العمل تحت شعار «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة»، الأمر الذي لم يَرق للسلطات وملاك المعامل خصوصا وأن الإضراب حقق نجاحا جيدا وشل الحركة الاقتصادية في المدينة، فقامت الشرطة بفتح النار على المتظاهرين وقتلت عددا منهم، ثم ألقى مجهول قنبلة في وسط تجمع للشرطة أدى إلى مقتل 11 شخصا بينهم 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال وحُكم على 4 منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة. وعند تنفيذ حكم الإعدام بالعمال الأربعة اخذت زوجة أوجست سبايز أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام تقرأ خطابا كتبه زوجها لابنه الصغير جيم «ولدي الصغير عندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء، وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا فاني لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بابيك وتحكى قصته لأصدقائك» وبعدها ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة عندما اعترفت الشرطة بأن من رمى القنبلة كان احد عناصر الشرطة أنفسهم.

تجاوزت اصداء قضية المجزرة أسوار أميركا وبلغت اسماع عمال العالم، فاحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية ذكراها في باريس عام 1889، وتمت الدعوة لمظاهرات دولية لإحياء ذكرى المجزرة عام 1890، واقرت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني عيد العمال على انه حدث سنوي. وفي عام 1904 دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية وخاصة الاشتراكية منها في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأول من مايو/أيار من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول.

وبالرغم من مرور اكثر من قرن ونصف على هذه الاحداث لاتزال الطبقة العاملة في العراق تقاسي انواع المعاناة والظلم والقهر الاجتماعي والطبقي. ولازالت تناضل من اجل الديموقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية.  وضد انتشار وازدياد البطالة وانتشار عمالة الاطفال وتوقف التطور والنمو الاقتصادي نتيجة انعدام الرؤية والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي ادت الى توقف وتدهور الصناعة العراقية والى انتشار الفساد في مؤسسات الدولة.

يعتبر التصنيع أساسياً للتنمية الاقتصادية. ولم تنجح البلدان في التطور الا بالتصنيع وحتى البلدان الغنية بالثروات الطبيعية لم تحقق ثروتها دون الصناعات الاستخراجية.

إن التصنيع ليس هو الطريق الطبيعي للتنمية فقط بل انه نتيجة لعولمة الصناعة، ويمكن ان يدفع وتيرة التنمية بشكل هائل، كما حدث قبل حوالي ثلاثين عاما حين كانت تشاوتو Qiaotou في الصين قرية، اما اليوم فتعتبر عاصمة الازرار وتنتج ثلثي ازرار العالم. وهذه القدرة على النمو المتفجر ميزة خاصة للتصنيع. واليوم بعد أن أصبحت الأسواق عالمية، لم يعد قيد السوق الصغيرة موجودا، فإذا تمكنت دولة ما من العثور على مكانة مناسبة في السوق العالمية، فيمكنها التوسع بلا حدود تقريبا، كما هو واضح في مثال تشاوتو.

أن العثور على موقع في الصناعة العالمية والحفاظ عليه ليس بالأمر السهل كما هو معلوم ولكن يمكن للدولة العراقية واجهزتها المتخصصة وبمساعدة النقابات العمالية ان تقوم بهذا الدور، ويتعين على العراق اقتحام الأسواق الصناعية العالمية، فلقد وجدت العديد من البلدان مكانة مناسبة فيها. وعلى الرغم من ان التصنيع معروف منذ عقود، إلا أن هناك سببا وجيها لتحديث التحليلات والسياسات. لقد أحدثت التغييرات الأخيرة في الاقتصاد العالمي تغييرات كبير في فرص التصنيع، وأدت البحوث العلمية الحديثة إلى تغيير كبير في فهمنا لعملية التصنيع.

أحد التغييرات في الاقتصاد العالمي حدث بسبب الارتفاع الحتمي في نسبة الإنتاج الصناعي الذي يتم تداوله عالميا، وهذا ساعد على خفض الحواجز التجارية وخفض تكاليف النقل واحتلت التجارة العالمية موقعا مركزيا للغاية في عملية التصنيع لدرجة أنه لم يعد من الواقعي التفكير في التصنيع على أنه عملية داخلية فقط.

ان الطفرات الدورية في أسعار السلع العالمية تعطي فرصا لانطلاق التصنيع في بلدنا كنتيجة مباشرة للصناعات الاستخراجية والتي يتوفر اساس كبير لها في العراق.

فعلى الدولة العراقية ان تحدد اهداف واضحة للتصنيع ولا سيما الهدف الشامل المتمثل في الحد من الفقر؟ وبشكل لا لبس فيه، فالنمو الصناعي السريع والمستدام يؤدي عادة إلى انخفاض كبير في الفقر، وعلى عكس ذلك، فسيكون الحد من الفقر صعب للغاية اذا استمر الركود.

إن الصادرات المصنعة من البلدان النامية عادة ما تكون كثيفة العمالة، مما له تأثير اجتماعي واقتصادي متساوٍ أيضا. فمع تقدم التنمية القائمة على التصنيع كثيف العمالة، فإن ذلك يخلق فرص عمل. وقد يكون هذا مهما بشكل خاص للمساواة بين الجنسين لأن التصنيع كثيف العمالة هو مصدر رئيسي لتوظيف النساء. ولاحظنا في الحالات التي لا يتطور فيها التصنيع تكون للمرأة فرص أقل لاكتساب مكانة اقتصادية.

وعلى الدولة العراقية الانتباه لمخاطر تغير المناخ فتغيرات المناخ قد تجعل التصنيع بعض الأحيان أكثر أهمية من الزراعة، فجزء كبير من الزراعة سيتأثر سلبا بالتدهور المناخي حتما، فتصبح الأولوية الرئيسية للاقتصاد هي التكيف. ونظرا لأن التدهور المناخي لا يؤثر على التصنيع بشكل كبير، فإن جزءا من عملية التكيف هو أن تسرع الدولة تحولها من الزراعة إلى التصنيع. والتصنيع هنا هو جزء من الحل وليس جزءا من المشكلة.

لقد توسع نطاق المنتجات التي يتم إنتاجها مع تطور مفهوم عمليات التصنيع فالمنتجات الأكثر ملاءمة لتصنيع بلد ما تتغير بمرور الوقت، والتغيير ضروري ولكن من المحتمل أن يكون تطوريا. ويجب فهم تطور المنتج على نطاق واسع بحيث لا يشمل فقط التكنولوجيا الصلبة (المكائن والاليات) المستخدمة في عملية الإنتاج، ولكن يشمل التكنولوجيا اللينة ايضا المستخدمة في جميع المراحل الإضافية الضرورية (مثل التصميم والبرمجة واللوجستيات والتسويق). وحسب دراسات الامم المتحدة (اليونيدو) فأن البلدان النامية التي حققت نجاحا أكبر قد تميل إلى زيادة تنوع وتعقيد المنتجات التي تنتجها وتصدرها. والآن بعد أن هيمنت التجارة على التصنيع، فليس من الضروري أن تنتج كل دولة نفس النوع من المنتجات ووجدت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) أن البلدان ذات الدخل المنخفض الناجحة هي التي وسعت حصتها السوقية في المنتجات غير المتطورة وأن البلدان المتوسطة الدخل الناجحة هي التي صعدت بقوة على سلم تطوير المنتجات.

ويحتل موقع الإنتاج دورا مهما في نجاح التصنيع فيحتاج التصنيع إلى التمركز، وهذا هو الأكثر وضوحا على مستوى المصنع: فكرة المصنع هي الجمع بين الآلات والعاملين في مكان واحد. ومع ذلك، فإنه ينطبق أيضا على موقع الشركات العاملة في نفس النشاط، من خلال التجمع معا في مكان واحد وبهذا تقلل الشركات المتشابهة من تكاليف بعضها البعض، وهذا يدفع الى التفكير بانشاء مدن صناعية متخصصة.

ادى انهيار مؤسسات القطاع العام في العراق الى تفتتها الى شركات أصغر بكثير مما هي عليه في البلدان الصناعية، مما جعل التنظيم النقابي صعبا وكذلك انتشار القطاعات الاقتصادية الغير رسمية بشكل كبير، وهنا يجب الكف عن منع الكثير من الأنشطة النقابية او إعاقتها تماما، ومنع تأسيس تنظيمات من نسل الأحزاب السياسية لتخدم اهدافها السياسية والايديولوجية في المقام الأول، ويجب تحجيم تدخل مؤسسات الدولة في هيكلة الأجور وتحديد ظروف العمل (من خلال لجان أو قرارات تحدد الحد الأدنى للأجور، وما إلى ذلك).

وعلى الدولة وقوى المجتمع المدني ان يعززوا دور النقابات العمالية في البلاد عموماً. فيمكن للنقابات المنظمة جيدا ان تلعب دورا فعالا في رسم وتطبيق سياسة ورؤية فعالة للتصنيع في العراق. لذا يجب تقوية النقابات العمالية كما يُفترض وعليها لعب دورها المهم في الحفاظ على مصالح العمال وتحسين شروط معيشتهم. والحد من مستويات البطالة.

ان الحركة النقابية الواعية تدرك ان توزيع الدخل بين رأس المال والعمالة، يتم تحديده بشكل حاسم من خلال عوامل التقدم التكنولوجي والتغير الهيكلي في الاقتصاد وزيادة الانتاجية مما يؤثر ايجابا على زيادة اجور العمال، فالأجور هي إلى حد كبير انعكاس للاختلافات في إنتاجية العمل. وتلعب النقابات دور اساسي في توازن معادلة توزيع الدخل. لذلك تساهم النقابات في تطوير كفاءات ومهارات العمال لزيادة انتاجيتهم مما يضمن مسار مستقر لتنمية اقتصادية اجتماعية مستدامة.

فلا بديل لوضع سياسة ورؤية واضحة لتصنيع البلاد بمساهمة فعالة من نقابات عمالية قوية.

عرض مقالات: