اخر الاخبار

يعد الأول من أيار العيد الأكبر في العالم، لا تضاهيه اية مناسبة سيما وأنه اليوم الذي تلتقي فيه مشتركات أكبر تجمع بشري يعبر حدود الدول (اينما تذهب تجد عاملا) وفقا لمفهوم الأممية البروليتارية ووفقا لوحدة الآمال ووحدة ظروف العمل، كل هذه المشتركات تتوجه اليوم نحو استذكار تاريخ أول صدام كبير بين الطبقة العاملة وبين الرأسمالية الظالمة. لذا فإن المعنى يتجسد في جدلية صراع مستديم بين نقيضين يريد كل منهما من جانبه أن يغير أو يكتب التاريخ.

العامل هو ذلك الفرد (الإنسان) الذي تشترى بأثمان بخسة قوة عمله ونتاج اتعابه في انتاج الخيرات التي تعود جملة ثمارها لصاحب المصنع أو صاحب المشروع الانتاجي (الرأسمالي)، وهو بالتالي تراه يملأ كل تلك المصانع التي أرست أسسها اوروبا الغربية منذ بداية الثورة الصناعية واستهلال عصر التنوير

وكان هذا المخلوق ينتج كل تلك السلع والبضائع تحت أقسى ظروف الانتاج ولساعات عمل غير محدودة في بداية حقبة التصنيع. كل هذه الظروف وكل تلك العوامل أوجدت اوجاعا متساوية بين تلك القوى المنتجة مما دفعها إلى توحيد جهودها وتوجيه أفكارها نحو إقامة تنظيمات تدافع عن حقوقها بعد توسع أعدادها جراء انحسار الوظائف الزراعية والتوجه إلى المدن الصناعية وانشاء قرى عمالية فقيرة على أطراف المدن التقليدية أو المدن الصناعية، وهكذا تشكلت نقابات العمال متأثرة بأفكار المدرسة الماركسية التي أعلنت برنامجها في البيان الشيوعي عام ١٨٤٨ الذي نادى بوحدة الطبقة العاملة في كل بقاع العالم تحت شعار ( يا عمال العالم اتحدوا) والذي أشار مخاطبا جموع العمال .. أن العامل الحديث عوضا من أن ينهض مع تقدم الصناعة يغوص أعمق فاعمق إلى شروط معيشية الأدنى من مستوى طبقته ليصبح معدما، وقد كان لهذا البيان الأثر المباشر في قيام الحركات الجارتية في اوروبا الغربية عام ١٨٤٧-١٨٤٨ التي كانت تنادي بتقليل ساعات العمل وتحسين ظروف الإنتاج في المصانع البائسة والعمل على تحسين الأجور والأخذ بمبدأ التعويض عن الأضرار(أضرار العمل)، وقد انتقلت كل تلك الأفكار إلى القارة الأمريكية بعد هجرة البريطانيين إلى العالم الجديد ، وبعد أن اجتاحت استراليا وكندا، وكانت مدينة شيكاغو المتأثرة بكل تلك الافكار في القرن التاسع عشر تخوض نزاعات عمالية لتخفيض ساعات العمل في هاملتون متأثرة بحركة اسمها (ثمان ساعات) . ففي عام 1886 دعا اتحاد العمال في الولايات المتحدة إلى إضراب عام في الاول من أيار (مايو) للمطالبة بثمان ساعات عمل يوميا، وقد شارك في الإضراب أكثر من 300 ألف عامل وصنائعي وفي الثالث من مايو قتل ثلاثة عمال من المضربين على يد الشرطة. وفي الرابع من أيار وفي اثناء التجمع انفجرت قنبلة في ساحة هيماركيت أدت إلى مقتل سبعة من رجال الشرطة وعدد من العمال المضربين، وعندها تجمع العمال المضربون في اليوم التالي تجمعا سلميا معيدين المطالبة بثمان ساعات عمل. وقد صاحب التجمع هيجان عام على مقتل زملاء لهم من العمال، غير أن إدارة الولاية قامت بمحاكمة العمال واصدرت المحكمة حكما بإعدام 8 من القادة النقابيين، بتهمة الضلوع بمقتل رجال الشرطة، وقد تم تنفيذ حكم الاعدام بأربعة منهم عام 1887، وفي العام 1889 كتب رئيس اتحاد نقابات العمال في الولايات المتحدة إلى المؤتمر الاول للأممية الثانية المنعقد في باريس داعيا إلى توحيد نضال العمال في كافة أنحاء العالم ، وقد قرر المؤتمر الاستجابة لهذا المطلب، داعيا إلى قيام تظاهرات عامة في كافة أنحاء العالم في الأول من شهر أيار ( مايو ) من العام التالي، أي عام 1890. وأصبح هذا اليوم ومنذ ذلك الحين عيد العمال حول العالم. وفي الولايات المتحدة تم اعتماد الاثنين الاول من شهر سبتمبر من كل عام عيدا للعمل (وليس للعمال خوفا من كلمة عامل) وكذا جعلته كندا المجاورة، غير أن الشيوعيين والاشتراكيين في الولايات المتحدة ظلوا متمسكين بالاحتفال في الاول من أيار من كل عام، مما دفع بالكونجرس الامريكي عام 1958 على إثر المظاهرات العارمة في شيكاغو وسياتل ونيويورك لإصدار قرار وقعه الرئيس أيزنهاور أعلن فيه أن الأول من أيار من كل عام إجازة رسمية.

أن المتتبع لمجريات الاعتراف بهذا اليوم عيدا لعمال العالم، يجد أن أكثر من 112 دولة في العالم تعده عطلة رسمية، وان قوى اليسار تقف وراء اعتبار هذا اليوم عيدا وطنيا لأنها تقف في طليعة القوى المنتجة في نضالها من أجل استحصال حقوق هذه القوى لأنها هي بحق من يصنع الحياة لكل من يقطن سطح الكرة الأرضية.