اخر الاخبار

يبدو لي ان الوضع الصحي الراهن في العالم لا يعطي فكرة واضحة،عما ستكون عليه حياتنا بعد انحسار جائحة كورونا. وكما هو الحال مع اي ازمة عالمية، فان التداعيات الناجمة عن هذا الوباء غير معروفةا الى حد كبير، ولا يمكن التكهن بها حالياً. ولكن على المدى القصير لن يؤدي الوباء الا الى تفاقم عدم المساواة وارتفاع نسب البطالة الى مستويات غير مسبوقة، واذا كانت الدول المتقدمة قد قدمت مساعدات كبيرة الى الاشخاص الذين فقدوا وظائفهم، والى الشركات الخاسرة بسبب الوباء، فان العديد من دول الشرق الأوسط، فرضت الحجر الصحي، ومنع التجوال لفترات طويلة، وفقد عدد كبير من الناس مصادر رزقهم، دون ان تفكر تلك الدول بتقديم مساعدات مالية الى المحتاجين منهم.

الفقراء يعانون من تداعيات كورونا، اكثر من غيرهم، ويموتون بنسب  اكبر. لأن العزل المنزلي ترف للاغنياء فقط، ولا يمكن ان يتمتع به شرائح المجتمع الأخرى لفترة طويلة.

نحن اليوم في وضع لم يكن موجودا منذ زمن بعيد، فالتقدم العلمي التكنولوجي اوحى لنا بأن لكل داء دواء، وكل أزمة قابلة للعلاج، ولأول مرة تقف البشرية عاجزة امام هذا الداء الوبيل..ليست ثمة جوانب إيجابية لما نمر به الآن سوى الإدرات العميق بان مصير المجتمع الانساني واحد.وسيكون خلاصنا او هلاكنا مشتركا، فنحن في سفينة واحدة. لم يفهم الناس قط من قبل بهذا الوضوح ان ثمة تأثيرا متبادلاً بينهم وبين العالم بأسره، يؤثرون فيه، ويتأثرون به.لقد اظهر الوباء اننا جميعا نعتمد على بعضنا البعض – ما حدث في الصين أثَّر بشكل خطير في حياة البشر جميعا.

هذا الوباء سيدق المسمار الأخير في نعش الانعزالية. وقد اصبح اليوم جليا أننا لا نستطيع السماح بتكرار ما حدث.، والطريقة الوحيدة لضمان ذلك هي العمل معاً

العودة الى الحياة الطبيعية ممكنة فقط في حالة واحدة، وهي التوصل الى انتاج لقاح فائق الفعالية، من دون آثار جانبية خطيرة، وبأسعار معقولة للحميع. كما ان التطعيم الجماعي يضع حداً لأنتشارالوباء وتنهي كوفيد – 19 على نطاق عالمي.

نحن محظوظون الى حد ما،لأن هذا الوباء حدث في عصر الثورة الرقمية، وقد منحنا ذلك الفرصة لمواصلة التواصل، والاحتفال بالاعياد والمناسبات العائلية، ومواصلة العمل عن بعد. لو حدث هذا الوباء قبل عشرين عاما، لكان الوضع أسوأ بكثير. ولكننا نحن البشر مخلوقات اجتماعية، لا نطيق العزل الاجتماعي لفترة طويلة جداً. صحيح ان التكنولوجيا الرقمية سهلت على الناس تحُّمل الحجر الصحي، والعزل الذاتي، والتباعد الاجتماعي، لكنها ليست بديلة عن التفاعل الاجتماعي الحي.

سوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يشعر الناس بالراحة مرة اخرى في الحفلات الموسيقية والمسارح والسينمات وغيرها من الفعاليات الثقافية والاجتماعية، لكننا سنعود الى هذا على اي حال، وسوف يستمتع الناس بوجود اشخاص آخرين. فالانسان كائن اجتماعي لا يمكنه الانعزال عن المجتمع، والاستغناء عما يزخر به من اعمال وفعاليات.

كنت وما ازال،  اقضي معظم وقتي في مكتبي المنزلي، ولكن الحجر الصحي، أتاح لي فرصة أكبر للكتابة،  وقراءة  ما فاتني من الأدب الكلاسيكي العالمي، وقضاء وقت اكثر مع افراد العائلة ، والقيام بما اريد القيام به دون ان افكر في الذهاب الى اي مكان. وقد نشرت بعض المقالات حول الجوانب المختلفة لحياتنا في ظل جائحة كورونا..

ادب كورونا

صدرت خلال اشهر الحجر الصحي روايات وقصص قصيرة كثيرة في شتى بلدان العالم، تتناول الحياة في ظروف العزل المنزلي. وكالعادة فان معظم تلك الأعمال ظهرت في الآداب الأوروبية والاميركية. ولكن معالجة موضوع الكورونا كانت احادية الجانب، حيث لجأ العديد من كتاب الدرجة الثانية والثالثة الى استغلال هذه الفرصة، وتأليف روايات تتحدث عن المعاناة النفسية بسبب عدم القدرة على مغادرة المنزل والمشاكل الناجمة عن ذلك. فعلى سبيل المثال، هناك رواية انجليزية طريفة تحت عنوان “العزلة مع زوجتي السابفة“. جاء الزوج السابق الى منزل طليقته لأخذ كلبه المدلل، وفي هذا الوقت اعلن الحجر الصحي، فأضطر أن يبقى ويعيش معها.

وكتب الروائي الروسي المعروف فيكتور بيليفين رواية كبيرة تقع في حوالي 700 صفحة عن الحياة في ظل كورونا تحت عنوان “شمس لا تقهر“

هناك اليوم ما يمكن ان نسميه “أدب كورونا“، ولكن هذا الأدب كُتِبَ ونشر على عجل لتلبية حاجة السوق. وهي لا ترقي – فكرا وفنا – الى مستوى الروايات التي كتبت عن الأوبئة التي أصابت البشرية في السابق، ومنها مثلا.رواية البير كامو “الطاعون“.

عرض مقالات: