تشكل تجربة الفنان عبد الجليل النوري نقطة تحول جديدة في فن الكرافيك وتشكيلاته المختلفة من حيث التكوين والتقنية التي حاول فيها ان يجسد معاناة الانسان ومحاكاته للحياة وطبيعتها المركبة. انه يصنع زمكانا مختفيا وراء خطاب يتجاوز فيه حدود اللوحة سائراً نحو هدف يتوارى خلف الالوان والتكوينات الرمزية التي قام باستعارتها في معظم اعماله الفنية. لقد شكل الانسان محور خطابه البصري الجديد وهو حائر تائه لا يشعر بالثبات انه القلق.. ارهاصات الحياة المركبة التي لم تعد حركة يومها ثابتة بل متغيرة بحسب تغير الانسان نفسه، لقد استطاعت الوانه ان تجعل لنا جواً مخضباً بالصراحة اللونية في التعبير تارة، وبشفافية تنحو نحو الهدوء والسكينة تارة اخرى. فهناك سؤال خفي يطرح نفسه قائلاً اين هو الانسان، في هذه الحياة المركبة الصعبة والمتحولة من هنا وهناك؟ انها تساؤلات طرحتها ذاتيته الباحثة عن الوجود والامان والاستقرار والسعادة والحياة الملونة... فالإنسان غدا وحيداً ينازع في هذه الحياة مناديا المجهول من اجل الوصول لشاطئ الامان والسعادة، انها المواجهة الحقيقية ما بين الذات والطبيعة والبيئة والحياة... لقد سعى عبد الجليل النوري الى وضع الانسان وقلقه الدائر في حيرة من امره، فالحياة تحتاج الى تمنيات تبقى واقع هلاميا لا يمكن تحقيقه الا من خلال السعي نحو ولوج عالمها السحري المجهول احيانا.

ان حضور الذات ورسوخها في اعمال النوري جسدت لنا المقدرة التعبيرية الهائلة في ايجاد مشاهد افتراضية قلقة تحاكي الواقع الاليم.. غير الثابت، فلإنسان يتجه باتجاهات مختلفة في معظم اعماله الفنية، فهل حقق ذاته في اتجاه واحد اما في اتجاه معاكس ام من خلال تقابله مع الاخر؟؟؟؟، انها الذات والاخر، حوار مشفر لا يمكن سبر اغواره وفك مضمراته الا من خلال فهم تداخلات الالوان والكتل اللونية والحروف المتناثرة هنا وهناك. انها جدلية مركبة في بنائية الهيئة بمكوناتها المختزلة باحثة عن تأويل يكشف لنا صراع الانسان مع ذاته ومشكلاته وحياته ومتطلبات وجوده وسط اجواء سادت عليها لغة لونية متضادة احيانا ومنسجمة في احيان اخرى. ان تجربة عبد الجليل النوري جاءت لتكون احدى اهم التجارب التقنية والفنية المتطورة لفن الحفر الطباعي او ما يسمى علميا وتقنيا بفن الكرافيك، اذ استطاع ان يقدم لنا مشاهد عالية في التقانة والرمزية التعبيرية ولاسيما تلك الاصرة التعالقية ما بين الالوان والاشكال من جهة والتقنية الجديدة المتعددة المهارات من جهة اخرى. انه الحضور والغياب، ثنائيات متضادة تقصد بها النوري من اجل الكشف عن طعم الحياة والتأكيد بان الانسان هو من يتحكم بها ويجول في تضاريسها بكل ثقة وتفاؤل.

عرض مقالات: