اخر الاخبار

يناقش كتاب “النقد النسوي للرواية النسوية العربية/ المقولات والتمثلات”، للدكتورة نضال السلمان، المضمار الطويل الذي قطعته الحركة النسوية العالمية من أجل أن تحلّ المرأة في الموضع الذي تستحقه، عبر صراع عنيف مع قرينها الرجل، وما الحقه بها من حيف وتجاهل واضطهاد، كان مزدوجاً حينما قلص حدود شخصيتها، في الاعتبار الذاتي الذي كان يتعرض الى القمع المستمر والمباشر بوجه خاص، وفي المساحات الضيقة التي رسمها لها، على مستوى النشاط الإنساني والاجتماعي والإبداعي بوجه عام.

من هنا كان كفاح المرأة نحو تحرير ذاتها صعباً ومرّاً وعسيراً، قبل ان يصبح من بعد مؤزراً  بكفاحات إنسانية وثقافية طليعية، تنظر الى المرأة نظرتها إلى الرجل في الحرية والعمل والحقوق والواجبات، فكان من جراء ذلك كله أن نهض الادب النسوي الذي يؤرخ لنضال المراة ويطالب بصوت عال داعياً الى نيل حقوقها وفي المقدمة منها ما يتعلق باسترجاع كرامتها التي بوصفها المنطلق لكل نشاط.

ومع ظهور أدب نسوي ونساء اديبات يكتبن القصة والرواية والقصيدة وغير ذلك، ظهر

النقد النسوي الذي كرس جهداُ نقديًا جديداً لمواكبة، مخلتف نشاطات المرأة الإبداعية.

تحدد الكاتبة زمن الانطلاقة نحو التحرر بمنتصف القرن التاسع عشر تآخياً مع ما كانت تبثه الثورة الفرنسية التي دعت الفرد الاوربي عامة الى التحرر وتحطيم قيود العبودية، والتوجه الى ما يرافق الحياة الجديدة التي تستنهض اقصى طاقات الانسان نحو العمل وتسوية الفرص إلى صنع كل ما من شأنه ان يبني النفس الإنسانية  بناءً سليماً ينشده العصر الانساني الجديد والحديث.

لقد كان تصميم المرأة على انتزاع حقوقها من الرجل والحياة بمجملها، قد دعا بعضاً من  الادباء الى التضافر معها تحقيقًا لذاتها وتسريعًا لنيل حقوقها، كما تشير إلى ذلك الناقدة بشرى موسى، في ان الحركة النسوية “لم تقتصر على النساء بل انضم إليها العديد من النقاد الرجال، وقد غدا من العسير على المنظرات النسويات ان يطورن نظرياتهن من دون اللجوء الى المنظرين الذكور”.

الأمر ذاته الذي تؤكد عليه الناقدة خالدة سعيد مشيرة في ذلك إلى قاسم أمين “ الذي وقف مع قضية تحرير المرأة ، وعدها انساناً وجزءاً لا يستهان به في المجتمع، فبدون ارتقاء المرأة وتحريرها سيبقى المجتمع متخلفاً”. بل ظهرت اصوات نسائية عالية تدين الحضارة التي تقمع صوت المرأة وحريتها كما تعلن الكاتبة والروائية فرجينيا وولف،”…ان هذه الحضارة  المزعومة ليست تحضراً او تطوراً فكرياً، فالحضارة التي تقمع المرأة ليست حضارة”

لقد  رافقت نزعة التشكيك بمناهج النقد الادبي والتربوي التي وضعها الرجل، النشاط النسوي منذ مراحله الأولى، مع الاخذ بنظر الاعتبار صعوبة تحقيق ذلك، الأمر الذي استدعى لانجازه جهوداً مضنية وعبر عقود من السنين، تنوعت معها نشاطات المرأة الكفاحية التي شملت محاولة الغاء سيادة الرجل بحسب الاختلاف البيولوجي، وضعف الخطاب الانثوي والاقتصار على المسائل الوجدانية والاجتماعية والثقافية العامة دون الغوص في القضايا الفلسفية العميقة وغير ذلك مما عدته مجموعة اتهامات لا أساس لها في منطق الحقيقة والواقع.

بل عدته انحيازاً صارماً لم يأخذ بالحسبان الأنشطة الثقافية الجادة التي تتكافأ فيها المرأة مع الرجل في كثير من هذه المجالات.

لقد اتسع وعلى مدى عشرات السنين وحتى اليوم مصطلح النسوية بعد ان تعافت الحركة النسوية، بدءاً من منتصف القرن العشرين، اذ لم يعد الأمر يتوقف على الفارق الخلقي بين الرجل والمرأة بل تعداه الى استعادة مبدأ التوازن في النشاط الذهني الذي يتعلق بصنوف المنتج النسوي من العلوم والفنون على وجه العموم.

 وكان ذلك يستدعي نشاطاً دائباً كانت المرأة اهلاً له، وعلى مستوياته كافة؛ النفسية والجسدية، ما أهلها إلى احتلال موقعها الطبيعي من الحركة الانسانية العامة.

ليس من شك في ان تكريس هيمنة الذكر على الانثى جاء أيضاً من التثقيف الدائب بهذا الشأن الذي يفرز “قوالب نموذجية من الرجال الأقوياء ، والنساء الضعيفات” ليتحقق للرجل هذا التفوق المركب المصنوع بأصابع مشتركة مما لدى الرجال والنساء.

ظهرت الحركة النسوية في الأساس حركة سياسية لنيل حقوق المرأة الاجتماعية، مدعومة بهذا القدر او ذاك بنضالات جماعات ذكورية في هذا الشأن، كنضالات الزنوج والعمال والفقراء ، الأمر الذي جعلها مع توالي الأيام جزءاً من حركة أوسع تنادي بالمساواة بين الرجل والمراة على اكثر من صعيد.

تميز د. السلمان بين أنواع من النسويات ، فهنالك النسوية الليبرالية والنسوية الراديكالية والنسوية السوداء وكل هذه مع اختلاف اسمائها ومنابعها الثقافية والفلسفية، تصب في توجه واحد؛ تحرير المراة من هيمنة الرجل وتحقيق التوازن بين الطرفين.

وتحدد الكاتبة ثلاثة مستويات على صعيد تلقي المنتج النسوي بالنسبة للمرأة المتلقية، بعد أن اخذ مكانته اللائقة في المجتمع الإنساني.

المستوى الأول ( المتلقية الإنموذجية) “التي  تمتلك الحرية في انتقاء قراءاتها… لكن هذه المتلقية محاصرة بقيود الواقع الثقافي  الذي يهيمن عليه الذكور.”

المستوى الثاني ( المتلقية الأسيرة) وهي المتلقية السلبية التي” تقع اسيرة لقيود الواقع الثقافي او القيود التي فرضتها على نفسها بنفسها…”

المستوى الثالث (المتلقية الرافضة) “تلك التي يكون لها دور ايجابي، فضلاً عن قرار صلب تستطيع بمساعدته أن ترفض كل نص ذكوري يتجه نحو تثبيط النص الأنثوي في إطار التحليلات التي يقدمها..).

ومن البديهي ان تتوفر المرأة الناقدة على اخر تطورات النقد الحديث لتضارع النقد الذكوري في كشوفاته وتوصلاته. وهو ما حصل فعلاً بعد أن توفرت كافة المجالات الى كفالة ذلك.

يواجه قارىء هذا الكتاب اشكالية المصطلح والمفهوم بالنسبة للنقد النسوي، وذلك لاشتباكات النشاطات النسوية وتعدد مآلاتها ما يجعل من تحديدها او فرزها امراً عسيراً، ولاختلاف درجات المواقف من المرأة وحريتها العامة في الحياة، تبعاً لفلسفة هذا المجتمع أو ذاك، وتبعاً كذلك لاستجابة كل مجتمع لما يطرأ على مسرح الحياة العامة من تطورات.

هذا الكتاب بما يحتويه او ينضم عليه من معلومات حيوية وافرة، يعد انجازاً كبيراً يحيل القارىء بقصد حصري إلى معرفة وضع المرأة بكل ما يتعلق بحياتها بدءاً من تدرجها على سلم وجودها الحياتي حتى حاضرها الراهن الذي تحقق لها فيه منجزات عظيمة الأثر، قياساً على ما كانت عليه قبل عقد او عقود من السنين.

ان ما ينبغي ان يكون الأدب النسوي عليه، هو فاعليته الإيجابية واصراره العنيد على تعزيز دوره امام المتلقي بإزاء الادب الرجولي، لارباكه وزعزعة سيادته الصارمة. وهو الأمر الذي يجب ان تتضافر عليه جهود النساء البيض والنساء السود، بعيداً عن فوارق الجنس واللون.

تألف الكتاب من مقدمة موجزة وتمهيد واسع عريض زاخر باكثر من عنوان ، وثلاثة فصول طويلة ولكل فصل ثلاثة مباحث غنية بتفريعات ضافية عززت مكانة الثقافة والإطلاع الذي شفت عنه صفحاته.

وهو بحجمه هذا ومادته الثرة الغنية، جهد عظيم نمّ عن طاقة كبيرة اتحفتنا بها الكاتبة والناقدة الكبيرة د. نضال السلمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

*صدر الكتاب عن دار ومكتبة أهوار للعام 2022.

عرض مقالات: