ذكرتني مسألة ورقة الإصلاح البيضاء للحكومة بتجربة سوريالية سابقة لي آواخر التسعينيات تقريبا .. إذ قمت بإعداد مجموعة من الأوراق البيض في مطبعة محلية وبحدود خمسين ورقة ، طبعت وغلفت بهيئة كتاب شعري وبغلاف أبيض وضعت عليه عنوان : ( قصيدة حب بيضاء جدا ) / شعر : أحمد جارالله ياسين 

ومن دون رقم إيداع ولا رقابة ولا موافقة .. وسحبت منه 100 نسخة وزعتها بين الأصدقاء والأدباء ..وسط ردود فعل بين الدهشة والاستغراب والرفض للفكرة ..وبين من أفاده الكتاب كدفتر ملاحظاتيدونها في صفحاته البيض .. تفتح الكتاب فلا تجد في أوراقه كلها إلا البياض .. كان ذلك أولا من تأثيرات النزعتين السوريالية والدادائية اللتين كنت متأثرا جدا بهما كونهما يتفقان مع نزعتي الشبابية والحماسية للتمرد ..وخرق المألوف ..والثورة على الأشكال الفنية في الرسم والشعر .. فضلا عن تأثيرات فكرة ( الأثر ) التي تحدث عنها التفكيكيون ..حد وصفهم أن النص لا وجود له إلا بالأثر الذي يتركه في القاريء ..واطلعت عليها في فترة دراستي العليا .. وكان أيضا موقفا ساخرا من مسألة الرقيب ..اذ لا يوجد في الأوراق كلام يمكن ان يخضع للفحص ونيل الموافقة على الطبع او الرفض .. وحينذاك نبهني أحد الاصدقاء إلى أن الامر خطير يمكن أن يؤول أبعد من ذلك .. وأبعد من شطحاتي السوريالية .. لكنني أجبته أن الديوان المزعوم إنما يتناول موضوع الحب بلغة التشكيل وليس الكلام .. وفكرته الصوفية السوريالية تقول إن الحب الذي عبرت عنه آلاف النصوص بالكلمات ..وعجزت عن احتوائه ..لعل البياض والفراغ أبلغ في التعبير عنه ..ولهذا اخترت أن تكون الأوراق بيضاء جدا ..عدا الغلاف .. وقلت له لو أنك دخلت غرفة فارغة مطلية باللون الأبيض ثم دخلت غرفة بلون آخر وممتلئة بالأثاث هل شعورك هو نفسه في الغرفتين ?.. فأجابني : كلا طبعا .. قلت له : إذن للبياض في كتاب دلالة وأثر مختلف عن كتاب آخر مكتظ بالكلمات .. كانت تجربة ممتعة وساخرة ومتهورة ..وأخذت من الشعر شرط ( النية ) فقط الذي قال به ابن رشيق في تعريفه للشعر وهو بعد النية : القول الموزون المقفى الذي يدل على المعنى .. هي تجارب ممتعة مرت ....وربما نسيتها وذكرتني بها الورقة البيضاء للحكومة في أيامنا .. وأحسب أن الإصلاح فيها لا يمتلك من الشروط إلا النية ..مثل ديواني ( قصيدة حب بيضاء جدا) .