فِي رِوَايَتِهِ الْخَالِدَةِ، “الْحَرْبُ وَالسَّلَمُ”، وَبَعْدَ أَنْ يَفِيضَ عَلَيْنَا بِذِكْرِ مَا وَقَعَ مِنْ مَآسِي لِمُوسْكُو عِنْدَمَا دَاسَتْهَا حَوَافِرُ الْغَازِي الْفَرَنْسِيِّ، ثُمَّ مَا تَبِعَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِيَّةِ إِحْرَاقِهَا وَمَا رَافَقَ كُلَّ هَذِهِ الْفَوْضَى مِنْ سَرِقَةٍ وَنَهْبٍ وَسَلْبٍ وَاعْتِدَاءٍ عَلَى الْأَنْفُسِ بِالْقَتْلِ وَالْأَعْرَاضِ، بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، يَصْحَبُنَا تُولِسْتُوي فِي مُحَاكَمَةٍ تَارِيخِيَّةٍ تَشْتَمِلُ كُلَّ الْأَزْمَانِ وَتَتَخَطَّى حُدُودَ النَّكْبَةِ الرُّوسِيَّةِ وَالِاعْتِدَاءِ الْفَرَنْسِيَّ:

- هَلْ نَابِلْيُونَ وَحْدَهُ الْمُجْرِمُ؟ وَمَا تَصْنِيفُنَا لِجُنُودِهِ وَضُبَّاطِهِ؟

وَلِأَنَّ كُلَّ - أَوْ أَغْلَبَ - كُتُبُ التَّارِيخِ تُدِينُ نَابِلْيُونَ، فَإِنْ تُولِسْتُوي لَمْ يَتَحَدَّثْ عَنْ إِجْرَامِهِ بِإِسْهَابٍ، وَإِنَّمَا حَكَى بِتَفَاصِيلَ دَقِيقَةٍ عَنْ جُنُودِهِ الَّذِينَ يَتِمُّ تَبْرِأَتُهُم

-هَلْ الْجُنْدِيُّ الَّذِي نَفَّذَ الْأَوَامِرَ وَأَطْلَقَ النَّارَ بَرِيءٌ فِعْلًا، وَفِي أَيِّ مَنْطِقٍ؟

- هَلْ الْجُنُودُ الَّذِينَ هَدَمُوا الْبُيُوتَ عَلَى رُؤُوسِ سَاكِنِيهَا تَنْفِيذًا لِأَوَامِرِ الطَّاغِيَةِ، أَبْرِيَاءَ أَيْضًا؟

- وَأَيْنَ عُقُولُ مَنْ يُبَرِّئُونَ هَؤُلَاءِ الْجُنُودَ الَّذِينَ يَتَسَابَقُونَ لِلْحُصُولِ عَلَى “ مِيدَالْيَةً “ مِنْ زَعِيمِهِمْ الْخَالِدِ، أَوْ تَرْقِيَةً فِي جَيْشِ امْبِرَاطُورِهِمْ الدِّيكْتَاتُورِ؟

- هَلْ مَنْ اغْتَصَبَ النِّسَاءَ وَتَفَاخَرَ بَيْنَ رِفَاقِهِ بَرِيءٌ؟

لَا، لَيْسُوا أَبْرِيَاءَ وَلَنْ يَكُونُوا أَبْرِيَاءَ، وَحُجَّةً “ تَنْفِيذِ الْأَوَامِرِ” هِيَ

حُجَّةٌ تَافِهَةٌ وَمُنْحَطَّةٌ لَا تَنْطَلِي عَمَّنْ يَسْتَخْدِمُ عَقْلَهُ!

إِنَّ نَابِلْيُونَ - كَحَالِ جَمِيعِ الطَّوَاغِيتِ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ - مَا هُوَ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ إِلَّا رَجُلًا عَادِيًّا، وَإِنَّهُ وَمَهْمَا بَلَغَ مِنْ قُوَّةِ الْإِقْنَاعِ وَقُوَّةِ الْحُجَّةِ مَا كَانَ لِيَدْفَعَ النَّاسُ لِيَخُوضُوا حَرْبًا وَيَرْتَكِبُوا أَبْشَعَ الْجَرَائِمِ وَهُمْ يَحْمِلُونَ قُلُوبًا طَاهِرَةً!

كُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّ نَابِلْيُونَ كَانَ الْأَجْرَأَ وَالْأَشْجَعُ فِي أَنْ يُعْلِنَ عَنْ رَأْيِهِ، وَأَنْ يُصَرِّحَ عَنْ الْعَدَائِيَّةِ الَّتِي فِي صَدْرِهِ، وَعَنْ الْعُنْصُرِيَّةِ بِتَفَوُّقِ الْفَرَنْسِيِّ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَمَّا تَشَابَهَتْ النُّفُوسُ وَالْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ بَيْنَ نَابِلْيُونَ وَجُمْهُورِهِ تَبِعُوهُ.

لَمْ يَتَّبِعُوهُ شَخْصِيًّا، وَإِنَّمَا تَبِعُوا مَنْ وَجَدُوا فِيهِ النَّمُوذَجَ لِكُلِّ أَهْوَائِهِمْ وَعُدْوَانِيَّتِهِمْ وَحَقَارَتِهِمْ.

رُبَّمَا أَيْضًا أَنَّهُمْ أَعْجَبُوا بِمَهَارَتِهِ فِي التَّعْبِيرِ أَوْ الْفِعْلِ الَّذِي يُوَافِقُ قَنَاعَاتِهِمْ، وَلَكِنْ مُسْتَحِيلَ كُلِّ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونُوا مُخَالِفِينَ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ عَقْلِيَّةٍ إِجْرَامِيَّةٍ.

وَفِي النِّهَايَةِ، أَلَّا يَكْفِيَ أَنْ نُحَاكِمَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَكَّنُوا الطَّاغِيَةَ مِنْ تَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلَاهُمْ هُمْ، لَمَا ارْتُكِبَتْ الْجَرَائِمُ.

إِنَّ الْجُنُودَ وَقَائِدَهُمْ فِي الْمَرَكَّبِ نفسه وَفِي الدَّرَجَةِ نفسها مِنْ الْإِجْرَامِ.

وَمَا دَامَ قَدْ حَكَمْنَا عَلَى نَابِلْيُونَ أَنَّهُ مُجْرِمٌ، فَجُنُودُهُ مُجْرِمُونَ بِالضَّرُورَةِ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْهُمْ وَاجِبٌ، وُجُوبِ التَّخَلُّصِ مِنْ نَابِلْيُّونَ نَفْسِهِ.

عرض مقالات: