اخر الاخبار

 شمس

أوهمتْ العجوز حفيدها بأنَّ نظره إلى السماء؛ سيجعل الشمس تغيب ولن تظهر مُجدّداً، فأطاع الصبي جدته، ولم ينظر إلى السماء أمامها، لكنه غافلها ورمق السماء بتفحص ونام مبكراً، وصحا مبكراً أيضاً، ولكن على صوت البكاء؛ لموت جدته، فهرع خارجاً؛ ليجد الشمس تشرق من جديد...

كرّرت أمه النصيحة نفسها، وكأنّها تجترُ نصائح المرحومة، لكن الصبي لم يتلقف النصح، وزاولَ هواية النظر إلى قرص الشمس كلّما نال فرصة، على الرغم من أن أمه لم تمت، لكنها بدتْ تذبل يوماً بعد آخر.

فذهب إلى المُعلم، وطرح عليه التساؤل المُحيّر، بيد أن المعلم ـ هو الآخر ـ نصحه إن أراد العيش من دون مشكلات، ومن دون أن يفقد أعزته، فعليه أن لا ينظر إلى الشمس.

تلقّف الصبي النصيحة، وترك النظر إلى الشمس؛ فتحسنت صحة أمه، لكنه كان يرى صور أصدقائه معلقة على الجدران كشهداء وبالتتابع! فشعر بالعار، ورجع ينظر إلى قلب الشمس بكل جُرأة، حتّى عُلقت صورته بجانب صور الشهداء. 

 كدر من أجل العيش

مثل نسمة صبح تمرُّ أمام بيتي، تطلقُ التحية ككروان يغنّي، تكرّر الأمر على طول الزقاق مع  الجيران، بعدها يخرج زوجها بتكاسل، يجر خطواته كالمكبّل، لا يحييني ولا يحيي أي جار، يبتعد وهو ينتقد الطقس وبلاط الناصية وإسفلت الشارع وورق الشجر والحظ والنصيب والقدر...

غير أنه مع تكرار سماع السقم من لسانه السليط؛ اعتدنا، وبعضنا أصبح يتلذّذ بعبارته الناقمة! وإن كنّا نسأم من تصرف الزوج، ونتعاطف مع زوجته الرقيقة، هكذا على مدى الشهور الستة التي جاورانا بها.

لكن يوم وصلتْ سيارة حِمل، وسمعنا بأنهما سيغادران المنطقة، تجمّع كل الجيران، حينها صدمنا؛ حيث كان يبتسم ويتكلم بلطف وهدوء! فحاصرتْ النساء زوجته بالأسئلة؛ لمعرفة سبب هذا الانقلاب، فتهربتْ هي، لكنه أكد أنَّهُ يعمل ممثلاً، وكان يتمرن على دور الناقم، طول الأشهر السابقة.

 تجربة

شعور جديد دعاني صباحاً أن أترك التصرفات المُعتادة، فتركتُ فرشاة الأسنان ورجعتُ لطريقة جدتي بالمضمضة بالملح، ثمَّ أفطرتُ طعاماً نباتياً، نعم أكلت الخبز المُقدّد ورأس فجل! وضربتُ ملحوظات زوجتي عرض الحائط، حتى أنني تركتُ المعطف الصوفي، واكتفيت بقميص بأكمام على الرغم من برودة شباط المُعتادة، مفتاح السيارة تركته على الطاولة مع علبة السجائر والهاتف المحمول، وخرجتُ، صرخت خلفي:

ــ خذ قائمة التسوّق...

 ضحكتُ وأشرت للنقود التي تركتها مع المسبحة قرب التلفاز، خرجتُ إلى الشارع حراً، حتى من ذكريات الأمس ومشكلات العمل.

 أحسستُ بجمال الرصيف، لا مقود سيارة انشغل به، ولا زحام ولا حتى مسبحة، صحيح افتقدت صوت فيروز من مسجل السيارة غير أني قرّرتُ أن أدندن مع نفسي، وجدت نفسي أردّدُ لحناً تراثياً، مرَّ جاري؛ ورمقني مذهولاً، الطالبة الجامعية التي تعدل مكياجها بركن الزقاق كل يوم، نظرت لي شزراً، بائع كل شيء في نهاية الحي استوقفني متسائلاً، أكتفيك بالابتسام وذهبتُ، فالبائع بدأ  يناقش زميله مُصلح كل شيء عن جنوني المفاجئ؛ لأني خرجت عن المألوف، كذلك موظف الاِستعلامات، ومحاسب الدائرة، وساقي الشاي لصقوا بي التهمة نفسها، فقط مديرتي في الدائرة لم تتهمني بالجنون، بل اقترحتْ ـ تماشياً مع التغيير ـ أن أتزوجها.

 مُحلّل سياسي

ظهر المُحلل السياسي الاستراتيجي عبر الشاشة  على الهواء مباشرة، وهو أنيق ببذلة وربطة عنق حمراء، وقميص بنفسجي، وكان  ينتقي كلماته بدقة، وخلفه ستارة جميلة بأزرار براقة...

تكلّم عن الاستراتيجية والتكتيك، وعن تلاقي الحضارات وتلاقح الأفكار، وأزمات الماء والبترول، ونبّه لمستقبل غامض وحذّر من مغبّة عدم الانتباه لرؤاه و...

 قطة ملعونة سوداء دخلت من خلف المُحلّل، في البدء أهملها وأكمل تلاوة رؤاه التحليلية السياسية، لكنها دارتْ وتكرّرت حركتها المقلقة له، ويبدو بأنها تطارد فأراً، فأزعجته بتحريك الستارة، ولم تنفع محاولاته بمسك الستارة بيده، فسقطتْ؛ وبان كوم القمامة خلفه! فأرتبك وتحركت الكاميرا؛ فظهر الرجل دون بنطال! وبلا ملابس داخلية.

عرض مقالات: