اخر الاخبار

تواجه اكثر من نصف النساء في العراق خطر العنف ولا يعرفن جهة يمكن اللجوء اليها لمساعدتهن. وَتتعرض اعداد كبيرة منهن الى الاساءة سواء داخل المنزل. أو خارجه  كالتعرض للاغتصاب أو الاتجار بهن أو اجبارهن على ممارسة البغاء.

ولا تكشف الاحصاءات الا عن أعداد محدودة بسبب التكتم والسرية وقلة الابلاغ عن العنف.

يعتمد التصدي للعنف وحماية النساء على وضع استراتيجيات وسياسات وقوانين داعمة.

ومع ان الحكومة تبنت عدداً من الاستراتيجيات للحد من العنف ضد المرأة الاَ أنَ النتائج كانت متواضعة.

وهناك عقبتان رئيسيتان تقفان أمام تحسين الاستجاية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في العراق، تتمثل الاولى في عدم توفر بيئة تشريعية مناسبة فالقوانين النافذة في العراق لاتوفر حماية كافية للمرأة عندما تتعرض للعنف ولاتنصف الضحايا. وتتمثل الثانية في غياب السياسات والبرامج المؤسساتية الهادفة الى منع العنف ومساعدة الضحايا ومعاقبة مرتكبيه.

العنف في العراق... انتشار مخيف

تساعد الارقام  في كثير من الاحيان على اظهار مدى خطورة العنف الاسري وفي تنبيه وتعبئة الناس  لاتخاذ مواقف للحد منه خاصة الاشخاص الذين ينكرون وجود العنف  وقد تساعد  صناع القرار في فهم الحاجة الى أعطاء الاولوية الى تحسين الاستجابة للعنف

تعرضت 46 في المائة  من النساء للعنف في عام 2011 من قبل الازواج

لم يوفر القانون العراقي حماية للمرأة عندما تتعرض للعنف بل على العكس تبيح المادة (41) من قانون العقوبات للزوج أن يضرب زوجته (لتأديبها)، معداً افعال العنف ضد الزوجة حقا من حقوق الزوج.

 ولايحق للمرأة ان ترفع دعوى قضائية ضد الزوج المعنف الا اذا تعرضت الى اذى جسدي بليغ اذ يتوجب عليها في هذه الحالة الاعتماد على اًحكام قانون العقوبات الخاصة بالاعتداء والتهجم وأحكام هذا القانون لاتنفع الضحية كثيرا الا اذا ثبت وبتقرير طبي تعرضها لاصابات بليغة.

و استقر القضاء العراقي على عدم عدّ ضرب الزوج والشتم ضد الزوجة من الإضرار التي تبيح طلب التفريق مقتصرا على اخذ تعهد من الزوج بعدم الاعتداء على زوجته مجددا، ومثل هذا التعهد لا قيمة قانونية له لأنه لا يعد عقوبة ويستطيع الزوج أن يكرر اعتداءه عليها.

 ويلقى قتل النساء التسامح وربما التشجيع من جانب النظام القانوني المعمول به في العراق.

اذ تمنح المادة 128 - 1 من قانون العقوبات رقم 111لسنة 1969 الجاني عذرا مخففا للعقوبة في حالة قتل زوجته او احدى محارمه بدافع غسل العار. وقد ازدادت  عدد حالات قتل النساء، وقد بلغت حوادث القتل التي تطال النساء 296 حالة مسجلة  في العام  2017، مضاف لها 32 حالة قتل غسلاً للعار  في حين بلغت حوادث القتل التي تطال الفتيات الصغيرات دون السن الثامنة عشر  41 حالة و3 حالات قتل غسلا للعار في العام نفسه.

ان العنف الاسري في العراق يتصاعد سنة تلو الأخرى، وقد ارتفع عدد حالات العنف الاسري المسجلة في مديرية حماية الاسرة التابعة لوزارة الداخلية  من 8552 حالة اعتداء في العام 2016 لتبلغ 11619 في العام2017.

وبلغت عدد الاعتداءات التي قام بها الزوج ضد الزوجة في العام 2017 و المسجلة في مديرية حماية الاسرة 6544 وسجلت 270 حالة اعتداء قام بها الاباء ضد الأبناء يضاف اليها 897 حالة اخرى لم تذكر تفاصيلها 

وفيما يتعلق بالاطفال يعد العنف من أكثر الطرق المستعملة في العراق لضبط سلوك الطفل اذ تتبنى الاسر أسلوب العقاب عندما يتصرف الطفل بشكل غير مرضي وأظهرت نتائج المسح العنقودي للعام 2018 ان 81 في المائة من الاطفال بعمر 1-14 عام قد تعرضوا للعنف.تعرض 31 في المائة منهم للعنف الجسدي الشديد ويتعرض 79 في المائة من الاطفال للعنف النفسي العدائي المتضمن الصراخ واطلاق نعوت مهينة.

عكست وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورة اكثر وضوحا عن طبيعة العنف ووثقت للعديد من الحوادث التي مورس فيها العنف الشديد داخل الاسرة.

في القصص والشهادات التي رصدتها ووثقتها وسائل التواصل الاجتماعي يظهر ان معظم حالات العنف الذي تعرضت له النساء والاطفال هو عنف أسري تباينت فيه الضحايا ما بين اخت وأم وزوجة وزوج واطفال، فيما تباين الجناة مابين زوج وابن واخ وزوجة. كما تباينت أدوات العنف مابين حرق واغراق ونحر واستخدام قنابل يدوية وخنق بوسطة اسلاك وانتحار وضرب مفضي الى الموت ورمي من على السطح وقتل ببندقية. وغيرها من الادوات والوسائل التي تعكس بشاعة وشدة العنف والقسوة المفرطة في استعماله.وجميع الاعتداءات التي وثقتها وسائل الاعلام تعكس حالات العنف الشديد وتعبر عن اسوأ حالات العنف التي وصلت الى حد تصفية الضحايا وقتلهم.

الصمت عن  العنف

من النادر ان تتوجه النساء الى مراكز الشرطة او الى مؤسسات غير رسمية طلبا للمساعدة أو لتقديم شكوى

وغالبا ما تختار النساء التكتم على العنف وتحمله. وهو واحد من أهم المعوقات امام رصد العنف والاستجابة له والحد منه. و يعد الصمت عن العنف وعدم الإبلاغ عنه أو إنكاره واعتياده  ردود فعل سلبية غالبا ما تؤدي إلى استمرار حلقة العنف.

تتحمل النساء العنف ولاتبلغ عنه أو تطلب الدعم خارج نطاق اسرتها بسبب قيود الاجتماعية تفرض على المرأة الصمت وعدم فضح العنف  وبسبب القيم  غير المساندة لحقوق المرأة ولا تعطيها الحق في مجابهة العنف او اختيار استراتيجيات ايجابية لتجنبه و اعتبرته بدلا من ذلك حق للرجل، و بسبب انحياز المجتمع المحكوم بالثقافة الذكورية إلى جانب المعنف، الى الحد الذي يذنب فيه الضحية ويفرض عليها عقوبات اجتماعية في حال توجهت الى الشرطة وابلغت عن زوجها المعنف، وتشمل هذه العقوبات الحكم بنهاية العلاقة الزوجية( طلاق ضمني) والقاء المسؤولية على المرأة في كل ما تعرضت له من اعتداءات ووصمها ، وحرمانها من الحقوق كافة.

وبعض المعنفات يضطررن الى تحمل العنف واعتباره من الامور الحياتية الأعتيادية  خوفا من الطرد من المنزل، مع عدم وجود بديل وعدم توفر استقلالية حقيقية للمرأة عبر القانون مما  يؤدي الى استمرار تعرضها للعنف

وتتحمل المرأة التعنيف المستمر بسبب فقدانها الثقة بذاتها و المهارات اللازمة لايجاد حلول فعالة لمشكلاتها والقلق والاكتئاب الناتجة عن العنف الذي احبط قدرتها على اتخاذ القرار.

كما تتكتم المرأة عن العنف وتتحمله لقناعتها بعدم جدوى التظلم أو الشكوى في اطار غياب قانون يحمي النساء من العنف. وعدم وجود اليات واضحة ويمكن الوصول اليها وتشجيعها على الابلاغ عن العنف.وهو ما ادى الى افلات الجناة من العقاب.

الانتحار المرتبط بالاساءة والعنف

ولان التشريع العراقي النافذ لايمارس دور الرادع للعنف ولاينصف الضحايا، ولغياب برامج وخطط فعالة للاستجابة للعنف وحماية ضحاياه.

تلجأ النساء الى الانتحار بعد ان تنهار قدراتهن على تحمل العنف..ان معظم حالات الانتحار بين النساء التي يشهدها المجتمع بوتيرة متصاعدة هي ردود فعل على الاساءة والايذاء الذي تتعرض له المنتحرات سواء من الزوج او الاهل.

وقد بلغ مجموع حالات الانتحار المسجلة بين النساء في العراق  253 في العام 2019.

كما حظي مشروع قانون مناهضة العنف الاسري بدعم شعبي واضح بموجب استطلاع اجراه مركز البيان للدراسات شمل اكثر من 13 الف شخص، ايد  مايقرب من 89 في المائة من فئة المتعلمين بالعراق اقرار قانون مناهضة العنف الاسري، واعتبر 88 في المائة من المستطلعين  ان اقرار القانون يمكن ان يحدث أثرا ملموسا في مجال حماية النساء والاطفال وكبار السن من العنف الذي قد يتعرضون له داخل الاسرة.

ثمة رهان   على ان الحل يكمن  بوجود قانون يحمي المرأة من العنف  غير ان هذا القانون بحد ذاته غير كاف مادمنا نعيش في اطار بنية ثقافية وواقع يتصدر فيه العرف ويسبق القانون. وبالعودة الى مسودة قانون الحماية من العنف الاسري نجد ان  الارادة التشريعية في القانون تتجه الى جماية الاسرة وليس المرأة نحن نحتاج الى قوانين تحمي النساء في كل مكان وفي كافة مراحل حياتهن عدم تخصيص القانون للمرأة هو بحد ذاته فجوة قانونية وتضمين اشخاص اخرين في القانون هو تشتيت وبعثرة للقضية الاساسية.

ان جميع المبادرات ومشاريع القوانين والسياسات والخطط  جاءت من خلال مبادرات ومقترحات من منظمات المجتمع المدني  الدولية منها والمحلية وهذا يعني ان ذهنية صانع القرار في العراق لم تتوصل الى ان هناك مشكلة يجب التصدي لها مما ادى الى ان تصطدم هذه المشاريع والاجراءات بذهنية صانع القرار

ينبغي أولا ان نعمل على تجهيز الواقع وتهيئة بيئة ثقافية من خلال العمل للوصول الى دولة مدنية مبنية على قيم حديثة تؤسس لحقوق النساء تضمن نجاج وانقاذ هذا القانون وال اسيكون قانوناً مهجوراً (نظرية القوانين المهجورة) ولن تستفيد منه النساء

ينبغي التركيز على تغيير السلوكيات والنظم المشجعة للتمييز والعنف ضد المرأة /القائم على النوع الاجتماعي والعمل على تغيير القيم السائدة عن النوع الاجتماعي اذا ما أردنا الوقاية من العنف والتقليص من آثاره على المرأة وعلى الأسرة والمجتمع. فمثل هذه القيم تبخس قيمة الضحايا  مما يوفر المبررات والمسوغات لارتكاب العنف ضدهن.

نحتاج الى تطوير آليات لخلق فرص للضحية للإبلاغ عن العنف وان نعيد  توجيه المشاريع العاملة في قضايا النوع الاجتماعي بشكل  يضمن وجود الرجال في كافة البرامج ودفعهم لتبني هذه القضية والعمل عليها.  من الضروري اطلاق حملات توعية وتثقيف تستهدف القواعد الشعبية وقيادات المجتمع المحلي تهدف الى ثني الافراد على اتيان ممارسات ضارة بالمرأة وتؤدي الى  تغيير فعلي في السلوكيات التقليدية التي تنطوي على تمييز ضد المرأة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة اكاديمية معنية بشؤون العنف ضد المرأة

الهوامش: الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة ص27

المصدر السابق نفسه

عرض مقالات: