اخر الاخبار

في ليلةٍ حالكة السواد مدلهمّة، يزيدها وحشةً نباح كلابٍ سائبة يمزِّق عتمة الليل الموحش.. وبيوت قديمة متهالكة تحتضن بعضها كي لا تتهاوى، غارقةً في صمتٍ حزين، اقتحموا الدار وعتمة الليل عنوةً، وجوهٌ فولاذية مصفّحة، صبّوا نظراتهم رصاصاً على أجسادٍ خائفة ترتعش، احتضنت الأم ابنتها ذات العامين بقوة، محتميةً بزوجها الذي أفرد ذراعيه، يحميهما. بعثروا أشياءهم الصغيرة، مزّقوا الوسائد وحشوة الفراش، ووجدوا دليل إدانته.. صور ومناشير بخطٍّ أحمر، دليلُ كافٍ على أنه يعمل بتنظيمٍ سرّي. انهالت عليه الصفعات والركلات بأحذيتهم الثقيلة، سالت دماؤه، وعلا بكاء طفلته، كانت ترتعش وفي نوبة صرعٍ مخيفة سقطت امرأته أرضاً. كان معصوب العينين.. اقتادوه، ومن يومها لم تعرف له طريقاً، وفِي عداد الأموات حسبته يخرج من تحت وسادتها صورةً قديمة..

هذا بابا....

أين هو...؟

تتساءل الصغيرة بعد ثلاثة أعوامٍ ...

سافر...

متى يعود؟

لا أعلم…

 وتشهق بالبكاء، وطفلتها ملتفّةً حول رقبتها. زميل له في السجن خرج لتوّه يحمل رسالةً لها، فاهتدت إلى مكانه، بصحبة ابنتها ذات الخمسة أعوام قادتها خطاها مرتجفةً إليه...

سترين بابا اليوم، سيعطيك الحلوى...

جذلاً ضحكت الصغيرة، وتطايرت ضفيرتها في الهواء تسابق خطاها. في قاعة كبيرة باردة، يجلس رجال كثيرون إلى طاولاتٍ خشبية. مزيج من الإعياء والترقب يرتسم أملاً خجولاً في عيونهم برؤية أحباء لهم فارقوهم منذ أمد. حملقت الأم بلهفة في الوجوه، تبحث.. وعلا وجيب قلبها حتى كاد يُسمع، وفي غفلةٍ منها انطلقت الصغيرة إلى أقرب رجلٍ رأته، لحيته بيضاء صغيرة، وتجاعيد بعمق الزمن أخاديد حفرت في وجهه. ركضت إليه.. “ بابا.. بابا “، قبل أن تستيقظ الأم من ذهولها...

ليس أباك… ليس أباك حبيبتي…

 صاحت بصوتٍ يختنق. فتح ذراعيه بلهفة، ارتمت الصغيرة على صدره تقبّله... احتضنها بكلِّ حرمانه وشوقه، بلّلت دموعه وجهها الصغير... ومن بعيد يطالعه وجه ابنته الغائبة مبتسماً .. اعتصرها على صدره... وبكى..

عرض مقالات: