اخر الاخبار

على هامش احتفالات الذكرى التاسعة والثمانين اتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، أُقيم معرض تشكيلي على قاعة كولبنكيان ببغداد، تضمن مشاركة عشرات الفنانين من بغداد ومحافظات الوطن وأكثر من 100 عمل مشارك، توزع بين الأجناس الفنية المختلفة، كان نصيب الرسم منها أكبر، حيث بلغ عدد الأعمال(70) لوحة، أما البقية توزعت بين النحت والخزف، مضافاً لهذا الحضور النوعي لشخصيات ثقافية وفنية توجت هذا الجهد الكبير، الذي عاود حضوره بعد تراجع في الأجناس المشاركة والاكتفاء بالرسم فقط لأسباب تتعلق بالموضوع الخارجي. ولهذا المكان(كولبنكيان) حضور روحي لدى الكثير من الحاضرين، لأنه احتضن سابقاً أهم الأعمال في المشهد التشكيلي.

وتتويجاً لهذا التوجه فقد تم عرض(10) تخطيطات للفنان الكبير الراحل (محمود صبري) تقدمت الأعمال المشاركة وأصبحت مستهلاً للدخول الى عناوين الجمال المُعبر، بوصفه جزءاً من استحضار أعمال الكبار والمسهمين في صياغة هوية التشكيل العراقي الحديث، إذ تم سابقاً الاحتفاء بتجربة الفنان الراحل (صلاح جياد) وسيتم استحضار فنان آخر في كل مرة. فقريباً من حمامات بيض ترفس الهواء بأجنحتها الصاعدة نحو الأعالي وصوت تصفيق الأكف، وبجانب الأمومة التي تبث في الحرية معنىً وترفد عنوانها الاحتجاجي. وبعد تراجع في الكم الذي آلت اليه ظروف موضوعية محيطة بنا، وبالتجربة الجمالية ذاتها، يعود مهرجان الفرح واللون والشكل المعبر بما يتناغم وألق الروح وضوئها الداخلي. لكي نحتفي بابداعنا ونتاج أرواحنا المطلقة الذي يترصد مكامن الإبداع والتجاوز الفني، على الرغم من غياب الموجه الاجتماعي أو الفني أو الآيديولوجي، إنه تعبير حر عن هواجس الذات المبدعة الخلاقة وهي تجترح نسقها البصري وسبيلها للمرامي التي تتواءم مع جوهر هذه الذات وكينونتها.

إن فكرة إقامة معرض جماعي شامل بالتأكيد ستغيب فيه ملامح التجارب الشخصية في العمل الواحد والمنحوتة الواحدة بوصفه عملاً فردياً لايمثل التجربة كاملة أو نزعات الاشتغال على الفكرة وتقنية السطح التصويري، لكنه في الوقت نفسه يحاول أن يزيل الحواجز أمام بعض التجارب التي تعذر على أصحابها الحصول على فرصة المشاركة والوصول بمنجزهم للجمهور الفني. لذا تكرست بعض التجارب والأساليب لفنانين ترسخ حضورهم في المشهد التشكيلي على صعيد الرسم والنحت وقدموا رؤاهم ذاتها وبمتناولات جديدة تنسجم مع الحدث العراقي وأحياناً المناسبة التي تمت المشاركة بها مثل (قاسم حمزة، هادي كاظم، محمد مسير، منعم الحيالي، مراد ابراهيم، معراج فارس، صباح حمد، شفاء هادي، رجاء غالي) وآخرين، فيما سعى البعض الآخر الى تقديم نموذج جديد يصلح أن يكون مساراً مغايراً في التجربة ضمن محاولات جادة لايجاد مسارات جديدة فيها واجراء تعديلات وتحديث ضمن البنية الداخلية في جوهر العمل الفني، بما يدفع به الى الأمام. بيد أن البعض الآخر المتطلع الى فرض منجزه انجز محاولاته في الانجاز ليكون مع جيل تقدمه في التجربة والصياغة ضمن هواجس التعبير النابع من الذات الساعية الى الخلق الجمالي من دون رقابة أو وصاية، لكي يؤسس خطوته الصحيحة في المشهد التشكيلي القادم. أجناس فنية ومدارس واتجاهات تؤثث قاعة العرض، سطوح ملونة على الجدران، وأعمال نحتية وقطع خزفية تتوسط فضاءها الداخلي. أجيال تتضامن وتسهم في إنجاح هذه الفعالية، ومدن تدعو فنانيها للمشاركة في المناسبة التي تسكن وجدان الأغلبية، فيأتي القبول المضيء ليبث روحاً عراقية داخل هذا الحيز المكاني الذي ينفتح على الخارج وآفاقه الواسعة ويديم علاقته مع الجمال عبر تاريخ متصل. محمولات دلالية ومضامين للتعبير عن حوادث قريبة من قضايا الوطن والناس تصيرت بطرائق واساليب ومناهج تختلف باختلاف الرؤية والنظر الىى تلك الوقائع، ليصبح هذا التعدد والاختلاف مجالاً للخصب ومساحة أُخرى للإبداع بعيداً عن التجسيد المباشر للأفكار والأشياء، وهنا يكمن جوهر التضمين فيما يخص العلامة الجمالية منهجاً للبث والتواصل مع الآخر، حتى يفرز نوعاً من خلال الكم المشارك في الأداء الإبداعي، ليتصير خطاباً بصرياً عراقياً خالصاً في المتناولات والهواجس والتقانات، كان يوماً رافداً للمشهد التشكيلي العراقي، وسيكون كذلك غصناً لشجرة الابداع العراقي في اللحظات القادمة، بما يجعل النماذج المشرقة في هذا الحقل أكثر ثراءً وأشد التصاقاً بالحياة وتواصلاً مع طرائق شيوخ الخلق الفني.

في النهاية يظل الاحتفاء بتجارب طليعية هو الهاجس الأكبر في مثل هذه المناسبات والذهاب الى أكبر قدر ممكن من المشاركات، وخلق مناخ ثقافي وفني يلتقي عند أبوابه الجميع من أجل متعة في الروح والعقل، تستمتع وتناقش ما تم انجازه من أجل فتح الأبواب المغلقة أمام التواصل مع الجميع، وخلق تقاليد فنية في الأمكنة والمناسبات للارتقاء بالذائقة الفنية للجمهور الواسع الذي يديم التواصل مع هذه الفعاليات.

رعد كريم عزيز

لا تحتاج الثقافة العراقية وتنوعاتها الفنية إلى التذكير بأقترانها، بحياة الحزب الشيوعي العراقي،اقترانا لا فكاك منه في الرسم والتخطيط الصحفي والاعتناء بشكل المطبوع الصحفي والثقافي عموما،حتى اصبحت الافكار الثورية تقدم نفسها عن طريق البوستر التحريضي،والنحت والفن التشكيلي في خبايا السجون والمراكز الفنية والبيوتات التي لا تخلو من مكتبة تحيط بها اللوحات الفنية،ونحن نسوق هذه المقدمة،لأنها ضرورية لتثبيت،قيمة الموروث الثقافي والفني في نشأة الجمال ورعايته في حياة رجال ضحوا بحياتهم من أجل فكرة تدعو الى احترام الإنسان بوصفه قيمة عليا .

ويأتي المعرض الأخير في قاعة كولبنكيان بمناسبة الذكرى ٨٩ لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي باعتباره سياقا طبيعيا، في واحدة من التمثلات التي ارتبطت بعنايته بالجمال والفن التشكيلي تحديدا، بمشاركة ٦١ فنانا في حقل الرسم،و١٠ فنانيين في النحت و٤ فنانيين في الخزف .

وتداخلت اسماء الأجيال في المعرض وهذه سمة غالبة على نشاط الحزب في جميع مفاصله الثقافية والفنية،حيث يحتل الشباب مكانة تجلسهم على المقعد نفسه الواسع للجميع،دون تمييز،إلا بتنوع الأداء الفني . وكما اورد الدكتور جواد الزيدي في دليل المعرض (أجناس فنية ومدارس واتجاهات تؤثث قاعة العرض) حيث تلتقي العين بمتعة مشاهدة الفن الانطباعي والواقعي وبعض شذرات الفن المفاهيمي بمساهمة (الاء موسى، ابتسام الناجي، ابتهال جميل، ابراهيم حسين، احلام الخزرجي، احمد الماجد، انور النجار،اوراس محمد، تغريد لازم، جودت شكر، حسين علاوي، حسين محمد، حسين مطشر، حمدي سعيد، حميد الشمري، حياة جميل حافظ، حيدر عرب، حيدر غضبان، دينا محمد، رجاء غالي، زهراء رحيم، سارة مهدي، سامر كريم، ستار درويش، ستار لقمان، سجال الركابي، سرى نمير، شذى جمهور، شفاء هادي، صباح حمد، صلاح مهدي هلال).

وفي النحت الواقعي والنحت الرمزي بمساهمة (تحسين الجابري، حيدر عاتي، رضا فرحان، سجاد حازم، سهاد احمد، ضياء مهدي، عاتكة الخزرجي، عبد القادر، مزهر الهاشم،نصير النقاش). وفي الخزف ايضا التقت أجيال مختلفة بمساهمة (قاسم حمزة، أعراق علي موسى، علي قاسم حمزة، رجاء بهاء الدين). اضافة الى عرض نماذج من التخطيط بالفحم للفنان الرائد محمود صبري وهي تمجد الإنسان في مواجهة الطغيان بتعاضده واحتشاد حركته في واحدة من المدارس الفنية المتميزة في تاريخ الفن التشكيلي العراقي.

في هذا المعرض المتميز كما ونوعا،تجدر الاشارة الى ان هذه التظاهرة تخلصت في أغلب لوحاتها ونحتها وخزفها من المباشرة أو الاحتكام الى الفكرة السياسية اكثر من الاداء الفني،وهذا مؤشر يحتفي بالجمال والقيمة الفنية في فضاء من حرية الانجاز انتصارا للابداع واضافة نوعية للتجارب الفنية الكثيرة التي يزخر بها الفن التشكيلي العراقي في قاعاته الحكومية والاهلية التي لم تعد تستوعب الكم الهائل للمنجز التشكيلي العراقي،كما اشر السيد مفيد الجزائري الذي قرأ كلمة الافتتاح مشيرا الى ضرورة الاهتمام بهذا الجانب الذي يرتقي بالذائقة،

وكما تستحق الثقافة العراقية وهي تقدم نماذجَ راقية تقف في مقدمة الانجاز العراقي والعربي والعالمي.

عرض مقالات: