اخر الاخبار

عقدت الاحزاب الشيوعية والعمالية لقاءً عالمياً 12-10 كانون الاول 2021 حول موضوع “التطورات العالمية الاقتصادية والسياسية والعسكرية. الخبرة المكتسبة من نضال الاحزاب الشيوعية والعمالية. متضامنون مع كوبا والشعب الفلسطيني وكل الشعوب التي تناضل ضد العقوبات والمخططات العدوانية الامبريالية”.

عُقد اللقاء بمشاركة 70 حزباً من ارجاء العالم بعد تأجيل عقد الاجتماع السنوي الدوري (الحضوري) الى نهاية العام المقبل بسبب جائحة كورونا.

وفي اللقاء القى الرفيق فاروق فياض، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي مداخلة الحزب، نصها في الاتي:

الرفاق الأعزاء

اسمحوا لي أن انقل اليكم أحر التحيات من رفاقكم في الحزب الشيوعي العراقي وتمنياتهم لهذا اللقاء العالمي الاستثنائي للأحزاب الشيوعية والعمالية بالنجاح ليكون خطوة أخرى على طريق تعزيز حركتنا الشيوعية العالمية، عبر تبادل الخبرات الغنية التي تمتلكها، وتمكينها من الارتقاء الى مستوى التحديات الجسيمة التي تواجهها شعوب العالم، وتطوير التضامن الأممي بين احزابنا في النضال المشترك، من اجل السلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.

كما نثمّن مبادرة “مجموعة العمل” بالدعوة الى هذا اللقاء الاستثنائي (المنعقد عن بعد) بعد قرارها تأجيل الاجتماع العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية الى اواخر السنة المقبلة 2022 بسبب تطورات جائحة كوفيد-19.

 

الرفاق الأعزاء

اتسم الوضع على الصعيد العالمي في السنوات الاخيرة باستمرار مساعي الولايات المتحدة مع حلفائها لتكريس هيمنتها الإمبريالية وإعادة العالم إلى أجواء الحرب الباردة وسباق التسلح، وممارسة سياسة القوة والتدخلات العسكرية المباشرة، واستخدام العقوبات الاقتصادية والسياسية على نطاق واسع، وتصدير السلاح، خصوصاً إلى المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، ومواصلة توتير الأجواء مع بلدان عدة من أبرزها الصين وروسيا. وهيأ هذا الوضع ارضية خصبة لنمو الحركات اليمينية المتطرفة والفاشية والإرهابية والشعبوية التي تهدد السلم والأمن العالميين. كما غذى النزاعات والحروب في مناطق كثيرة في العالم، خصوصاً الشرق الاوسط.

في المقابل، تزايد النزوع العام إلى تحقيق انفراج دولي حقيقي وإطفاء بؤر التوتر، وتركيز الجهود على مجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية في تأمين الموارد الغذائية والبيئة الصالحة، ومعالجة شح المياه ومواجهة التغيرات المناخية الكونية والأمراض الوبائية وانتشار التطرف والإرهاب والنزعات القومية العنصرية المتطرفة. واثبت ذلك مجدداً أن الإمبريالية ليست مطلقة اليد في فرض أهدافها وهيمنتها، اذ يلقى هجومها ومخططاتها مقاومة من الشعوب وقوى اليسار، وبضمنها الأحزاب الشيوعية والحركات الاجتماعية، التي يمهد نضالها الطريق لبناء نظام دولي جديد يقوم على السلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.

 

الرفاق الأعزاء

لقد شهد العالم على نحو غير مسبوق أسوأ أزمة صحية عالمية منذ عقود، بعد انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد -19” في نهاية عام 2019 وتحوله إلى وباء يهدد حياة الملايين من البشر في أرجاء المعمورة، وراح ضحيته حتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص. ولم تعد جائحة كورونا مجرد أزمة صحية بل تحولت إلى أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية على الصعيد العالمي، وتتضح على نحو متزايد آثارها الكارثية.

وكما هو الحال دائماً في أزمات الرأسمالية، سعت احتكاراتها والحكومات والقوى السياسية التي تمثل مصالحها، إلى تحميل الشغيلة والشعوب أعباء الأزمة وحلها على حسابها، دون اكتراث لمصائر الشعوب وأرواح البشر. وأسفرت الرأسمالية واحتكاراتها بذلك، ومن جديد، عن الجوهر الاستغلالي لنظامها.

وإزاء التحديات الجسيمة التي أثارتها على نحو غير مسبوق هذه الأزمة الصحية العالمية وتداعياتها، نضم صوتنا الى اصوات قوى اليسار والأحزاب الشيوعية والعمالية للمطالبة بخطوات عاجلة لتعزيز نظم الصحة العامة وقدراتها بتمويل من الدول، وتوفير وسائط الحماية والوقاية الضرورية، وحماية مداخيل وحقوق الشغيلة والفئات الشعبية المسحوقة، والتصدي لمحاولات التضييق على الحريات والحقوق الديمقراطية للشعوب تحت ستار مكافحة الوباء، وإنهاء العقوبات والحصار الاقتصادي الذي يعمق معاناة شعوب البلدان التي يُفرض عليها، ومنع كل ما يهدد صحتها وحياتها.

 

الرفاق الأعزاء

مع استمرار وتعمق أزمة النظام الرأسمالي تتزايد المخاطر الناجمة عن مساعي القوى اليمينية المتطرفة لاستثمار الظروف الناجمة عن هذه الأزمة لتعزيز مواقعها في السلطة السياسية.

ولا ينفصل النضال ضد الفاشية والعسكرة والحرب، ومن أجل نزع السلاح والسلام، عن النضال الأوسع ضد الاستغلال الرأسمالي، ومن أجل التقدم الاجتماعي. فهو جزء لا يتجزأ من نضال الشغيلة من أجل مصالحهم الطبقية والنضال في جبهة اجتماعية واسعة تُبنى بتعبئة الطبقة العاملة وغيرها من الطبقات والفئات المناهضة للاحتكارات. ويمثل تعزيز هذه الجبهة مهمة أساسية.

إن حزبنا الشيوعي العراقي يجدد تضامنه مع نضال الشعوب وقواها الوطنية والديمقراطية واليسارية والشيوعية في العالم، من أجل حقها في تقرير مصير بلدانها بإرادتها الحرة، وفي سبيل انتصار قيم الديمقراطية والعدالة وبناء علاقات متكافئة وتوطيد السلم والأمن الدوليين.

الرفاق الأعزاء

في هذا السياق، نشير الى ان المؤتمر الوطني الـ11 لحزبنا الشيوعي، الذي أنهى اعماله في بغداد قبل أسبوعين، تبنى قراراً بالتضامن مع كوبا وشعبها والحزب الشيوعي الكوبي في الدفاع عن الثورة ومكاسبها وحماية البلاد ونظامها الاشتراكي في مواجهة الاستفزازات العدوانية للولايات المتحدة ومحاولاتها الشرسة للإطاحة به. كما أدان مؤتمر حزبنا بشدة العقوبات والحصار الاقتصادي والتجاري المالي الجائر الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ 60 عاماً في انتهاك صارخ لحق الشعب الكوبي في الحياة والتنمية، ويطالب برفعها فوراً.

 

الرفاق الأعزاء

لقد شهدت منطقة الشرق الاوسط خلال السنوات الاخيرة الكثير من الأحداث المترابطة والمتداخلة مع مثيلتها على الصعيد الدولي، لتؤكد ان هذه المنطقة بما تتمتع به من مزايا وثروات هائلة تبقى موضع صراع وتقاطع مصالح دول عدة. واقترن تصعيد التوترات فيها بتزايد عنجهية إسرائيل، واستمرار التدخلات الخارجية في شؤون العديد من بلدانها بالضد من مصالح شعوبها، وتزايد الحروب العدوانية والنزاعات المسلحة ونشاط التنظيمات الإرهابية.

وكانت هذه التطورات على صلة وثيقة بسياسة الامبريالية الامريكية وتنفيذ مخططاتها بالتنسيق مع حلفائها والرجعيات المحلية، كما تجلت على نحو صارخ في فترة إدارة ترامب، لإدامة الهيمنة على المنطقة والتحكم بثرواتها وتأجيج النزاعات على أسس طائفية واثنية ومناطقية، وحفز التفكك الداخلي لمجتمعاتها. وتقود هذه السياسات إلى زعزعة الاستقرار وضياع فرص التنمية والتقدم وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لشعوب الشرق الاوسط، وإلى تهيئة أرضية خصبة لنمو حركات يمينية متطرفة وفاشية وإرهابية، مما يهدد أيضا السلم العالمي.

 

الرفاق الأعزاء

لقد أقر مؤتمر حزبنا الوطني الـ11 الذي عقد مؤخرا، تقريرا سياسياً واسعاً تضمن تحليلا معمقا للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها البلدان العربية، ونضالات شعوبها ضد تدخلات الامبريالية وحلفائها الرجعيين والاحتلال الإسرائيلي. 

وتبنى المؤتمر قرارا بإدانة المؤامرات والدسائس التي تهدف الى تصفية قضية الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه وانكار حقه في اقامة دولته الوطنية، والتي كانت اتفاقات التطبيع المذلة التي أبرمتها أنظمة عربية مع اسرائيل برعاية أمريكية تتويجا لها. كما شجب المؤتمر بقوة جرائم القوات الاسرائيلية وعصابات المستوطنين في القدس وعمليات التوسع والضم والاحتلال والعدوان المتواصل على غزة. وجدد التضامن الثابت للشيوعيين العراقيين مع نضال الشعب الفلسطيني لانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.

واعلن مؤتمر حزبنا أيضا تضامنه الحار مع النضال المدني السلمي للشعب السوداني وقواه الديمقراطية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني، لاستكمال مهام “ثورة ديسمبر” (2018) وتحقيق مطالب الشعب العادلة وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية.

 

الرفاق الأعزاء

لقد عقد مؤتمر حزبنا الوطني الـ11 في بغداد في الفترة 24 الى 27 (تشرين الثاني) نوفمبر 2021، تحت شعار “التغيير الشامل: دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية”.

وافتتح المؤتمر بجلسة علنية في 24 نوفمبر، وسط حضور رسمي وشعبي حاشد. وتلقى العديد من رسائل التحية من الأحزاب والشخصيات ومنظمات المجتمع المدني في البلاد، كذلك من الأحزاب الشيوعية واليسارية في البلدان العربية والعالم.

وجاء هذا الحدث المميز وبلدُنا يعاني من أزمة عامة شاملة، تتجلى في حالة الاستعصاء والانسداد السياسيين، التي تعمقت بعد الانتخابات الأخيرة في 10 أكتوبر الماضي التي قرر حزبنا مقاطعتها. ووجه الملايين من أبناء شعبنا رسالة بليغة في الانتخابات الى القوى المتنفذة الحاكمة من خلال المقاطعة الواسعة التي شملت فئات اجتماعية مختلفة، وكانت عابرة للانقسامات الطائفية والاثنية.

ورغم الأوضاع الصعبة في البلاد جراء تعمق الأزمة العامة الشاملة، والتي تفاقمت جراء جائحة كورونا، فقد انجز مؤتمر حزبنا اعماله بنجاح، وبمشاركة اكثر من 200 مندوب يمثلون منظمات الحزب في الوطن وخارجه. وأقر المؤتمر وثائقه البرنامجية والتنظيمية والسياسية، بعد نقاشات غنية ومعمقة في اجواء ديمقراطية، اتسمت بالجدية والصراحة والروح النقدية والمسؤولية العالية.

وسعت وثائق المؤتمر الى تقديم قراءة وتحليل دقيقين وموضوعيين لواقع لبلاد، وتحديد أبعاد ومسببات ازمته الشاملة العميقة وسبل مواجهتها. وأكدت مداولاته وحصيلته أن نهج المحاصصة الطائفية والأثنية ومنظومتها الحاكمة، تشكل اساس البلاء ومصدر انتاج الأزمات، وأن قطاعات متسعة من الشعب باتت تعي ذلك.

وكانت انتفاضة تشرين الشعبية الباسلة (في أكتوبر 2019) كشفت عن القدرات الجبارة التي يمتلكها شعبنا للتغيير. وأعلن حزبنا انحيازَه التام إلى الانتفاضة السلمية ومطالبها العادلة. وشارك الشيوعيون وأنصارهم بفاعلية في اعتصامات سوح الاحتجاج، وفي الفعاليات الاحتجاجية والمطلبية، واستشهد عدد من الرفاق والاصدقاء، ضمن أكثر من 700 شهيد من الشباب المنتفضين العزل، فضلا عن أكثر من 30 ألفا من المصابين.

وانصب اهتمام المؤتمر على مهمة إخراج بلادنا من أزماتها الخانقة، وخلص إلى اعتماد وثيقة سياسية عنوانها “قدُما نحو التغيير الشامل” تتضمن خارطة طريق لمواجهة التحديات المحيقة بالبلاد. وهذه الوثيقة يطرحها الحزب على البلد وعلى الشعب وقواه السياسية، وعلى أساسها سيحدد موقفه من أية حكومة قادمة.

ويرى حزبنا ان تحقيق اكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية محور اساسي لمشروع التغيير. وتأتي في مقدمة الأهداف الواجب تحقيقها، معالجة اوضاع الشباب، عبر الاعتماد الواسع لبرامج مكافحة البطالة في صفوفهم، وخلقِ فرص عمل حقيقية، وتأمين مقومات العيش الكريم لهم.

لكن التغيير المطلوب يكمن قبل كل شيء، في دحر منظومة المحاصصة والفساد، وفتح الآفاق لتغييرات عميقة، تفضي الى بديل وطني ديمقراطي، وإقامة دولة المواطنة والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية؛ أي الدولة المدنية الديمقراطية، الخالية من العنف والتطرف والإرهاب ومنظماته، والتي تُحترم فيها حقوق الانسان، وتعزيز الوحدة الوطنية، واستكمال السيادة والاستقلال الوطنيين.

ويدعو حزبنا قوى التغيير الى العمل المتضافر والضغط لتحقيق مطالبها المشروعة في الخلاص من منظومة المحاصصة والطائفية السياسية، ومن الفساد والسلاح المنفلت.

وفي هذا النضال الصعب والمتواصل، نتطلع الى المزيد من الدعم والتضامن الأممي مع نضال شعبنا العراقي وقواه الوطنية والمدنية الديمقراطية وحزبنا الشيوعي لتحقيق التغيير المنشود.

 

الرفاق الأعزاء

ختاماً، نغتنم هذه الفرصة وانعقاد هذا اللقاء العالمي الاستثنائي للتعبير عن عميق التقدير والامتنان للأحزاب الشيوعية والعمالية التي حيّت المؤتمر الـ11 لحزبنا، وتمنت لأعماله النجاح. وهو ما ترك في نفوس المندوبين ورفاق الحزب وانصاره أثرا عميقا.

ونؤكد مجددا عزم الشيوعيين العراقيين على تعزيز علاقات الرفقة الكفاحية والصداقة والتضامن مع كل الأحزاب الشقيقة في النضال المشترك من اجل عالم افضل تنعم فيه كل الشعوب بالسلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.

عاش التضامن الأممي