اخر الاخبار

مّر عام كامل على قرار البنك المركزي العراقي بتخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي من 1200 دينار إلى 1460 ديناراً للدولار الواحد، ولم يزل العراقيون يعانون من تبعات هذا القرار كارتفاع معدلات الفقر وزيادة التضخم وغلاء الأسعار، وسط عجز حكومي متواصل عن معالجة مشكلة البطالة. ورغم ادعاء البنك المركزي العراقي بأن هذا القرار قد ساهم في زيادة تنافسية المنتج المحلي وقّلل من ضغط النفقات على وزارة المالية بنسبة 23 في المائة وهو ما مكّنها من تجاوز الأزمة الناتجة عن انخفاض أسعار النفط عالميا خلال العام 2020 والأشهر الأولى من عام 2021، ورغم محاولات الحكومة إعطاء صورة إيجابية لهذا القرار، الذي جاء متزامنا مع طرحها مشروع الإصلاح الاقتصادي المسمى “الورقة البيضاء”، فإن عدداً من الخبراء في الشأن الاقتصادي يعتبرون القرار سبباً في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم، ولا يرون دليلاً على صحة الحديث عن زيادة تنافسية المنتج المحلي.

الخامس عربيا

في تقرير لها طالعته “طريق الشعب”، أكدت مجلة فوربس الشرق الأوسط بأن “العراق جاء في المرتبة الخامسة بترتيب أعلى معدلات التضخم في الدول العربية حيث سيرتفع التضخم من 0.6 في المائة العام 2020 إلى 6.4 في المائة العام 2021 قبل أن ينخفض إلى 4.5 في المائة العام 2022”. وأشارت إلى ان “ارتفاع التضخم في العراق نتج عن انتعاش الطلب المحلي في البلاد وانخفاض قيمة العملة مما سبّب ضغوطاً تضخمية بعد سنوات ثمان شهدن استقرار التضخم عند مستويات منخفضة بسبب تراجع أسعار الواردات وضعف الطلب”.

إصلاح اقتصادي!!

من جانبها، أعلنت وزارة التخطيط، ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 8.4 في المائة.

وقال الجهاز المركزي للإحصاء التابع للوزارة في بيان تلقته “طريق الشعب”، إن “معدل التضخم لشهر تشرين الثاني الماضي ارتفع بنسبة (0.5%)، مقارنة بشهر تشرين الاول الذي سبقه”، مبينا ان “معدل التضخم السنوي لشهر تشرين الثاني لسنة 2021 بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2020، شهد ارتفاعا بنسبة بلغت (8.4%)”.

واضاف، ان “الجهاز المركزي للإحصاء، ومن خلال قسم الأرقام القياسية، يقوم بإعداد تقرير الارقام القياسية لاسعار المستهلك، شهريا، والتي تشمل المتابعة الميدانية لمتغيرات الأسعار، لأكثر من (333) سلعة وخدمة في جميع المحافظات، تمثل (88%)، من حجم الإنفاق الكلي للاسرة العراقية على السلع والخدمات”.

واشار الى ان “المجاميع السلعية التي كانت الاكثر ارتفاعا بالاسعار الشهرية لتشرين الثاني عن تشرين الاول من العام 2021 فقد سجل قسم السلع والخدمات المتنوعة ارتفاعا قدره 3.7 بالمئة، كما سجل قسم الملابس والاحذية نسبة ارتفاع بلغت 2 في المائة بسبب ارتفاع مجموعة الاحذية بنسبة  2.6 في المائة والملابس بنسبة 19 في المائة”.

ولفت الى ان “قسم التجهيزات والمعدات المنزلية ارتفاعا بلغ 1.1 في المائة، بسبب ارتفاع الاجهزة المنزلية بنسبة 1.2 في المائة ومجموعة الأثاث بنسبة 0.9 في المائة”.

المواد الانشائية

وحول أسعار المواد الانشائية فقد أكد الجهاز المركزي للإحصاء في تقرير له على ان “الأسعار قد ارتفعت نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية، الأمر الذي أدى بدوره إلى رفع أسعار المواد الانشائية المحلية والمستوردة في القطاع الخاص بنسب متفاوتة على مستوى المحافظات كافة ما عدا اقليم كوردستان”. وبيّن بأن متابعة وتسجيل 64 مادة بناء في الأسواق المحلية لشهر تشرين الثاني الماضي ومقارنتها بأسعار شهر تشرين الثاني 2020 الذي ارتفع فيه سعر الدولار قد أكدت ذلك. وأضاف أن “أهم المؤشرات للمواد الأكثر استخداما وتأثيرا في الأسواق كانت لثلاث مواد هي الطابوق والاسمنت والحديد”.

واشار إلى أن “معدل سعر الطابوق العادي لشهر تشرين الثاني الماضي بلغ 183 ألف دينار لكل 1000 طابوقة مسجلا ارتفاعا بلغ 31 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي كان قد بلغ فيه 140 ألف دينار لكل 1000 طابوقة، فيما بلغ سعر الطابوق الجمهوري لشهر تشرين الثاني الماضي 194 ألف دينار لكل 1000 طابوقة مسجلا ارتفاعا بنسبة 20 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي كان قد بلغ فيه 161 ألف دينار لكل 1000 طابوقة”.

واوضح ان “معدل سعر الاسمنت العادي لشهر تشرين الثاني الماضي بلغ 103 ألف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 14 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي كان بسعر 90 ألف دينار للطن الواحد، فيما بلغ معدل سعر الاسمنت المقاوم لشهر تشرين الثاني الماضي 121 ألف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 6 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي كان قد بلغ فيه 112 ألف دينار للطن الواحد، فيما بلغ سعر السمنت الابيض لشهر تشرين الثاني 195 ألف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 5 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي بلغ السعر فيه 186 ألف دينار”.

وبين أن أسعار الحديد “ الشيش” من المنشأ الأجنبي لشهر تشرين الثاني الماضي بلغت مليونا و303 ألف دينار للطن الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 67 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي كان بسعر 779 ألف دينار للطن الواحد، فيما بلغ معدل سعر الحديد “الشيلمان” لشهر تشرين الثاني الماضي 22 ألف دينار للمتر الواحد مسجلا ارتفاعا بنسبة 47 في المائة عن معدل سعر شهر تشرين الثاني 2020 الذي بلغ 15 ألف دينار للمتر الواحد”.

ولفت إلى ان “معدل سعر طابوق الثرمستون في تشرين الثاني الماضي بلغ مليونا و962 ألف دينار مسجلا ارتفاعا بنسبة 6 في المائة عن شهر تشرين الثاني 2020 الذي بلغ معدل السعر فيه مليونا و852 ألف دينار”.

إيجابيات ولكن

الخبير المالي محمد فرحان يعتقد ان “الحكومة حققت إيجابيات من تغيير سعر الصرف من خلال تقليل نفقات رواتب الموظفين بحوالي 22 ترليون دينار، مما جنّبها الخيار الأصعب وهو تقليص الرواتب”. وأشار إلى ان “ارتفاع احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة جاء نتيجة لارتفاع أسعار النفط ولا علاقة له بخطط الحكومة الاقتصادية”.

وأضاف فرحان لـ “طريق الشعب”، ان “دخول المواطنين انخفضت بنسبة 23 في المائة، مع ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع الاستهلاكية وصل إلى أكثر من 50 في المائة”، وان “هذه العوامل ساهمت في تضرر المواطنين بشكل كبير خاصة مع حالة عدم الاستقرار الاقتصادي التي تعيشها الأسواق نتيجة للمطالبات بتغيير سعر الصرف مجددا”.

وتابع ان “أحد الأهداف المعلنة للتخفيض كان دعم قطاعي الصناعة والزراعة، وهو ما لم يتحقق نتيجة لضعف هذين القطاعين في البلاد واستمرار فتح الحدود امام البضائع المستوردة، حيث مازال 90 في المائة من المواد الاستهلاكية للمواطن العراقي مستوردة من خارج البلاد”. واشار فرحان إلى فشل الحكومة في إيقاف تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد عن طريق مزاد بيع العملة الصعبة في البنك المركزي، حيث بقي معدل مبيعات البنك المركزي من العملة الصعبة عند حدود 200 مليون دولار يوميا وهذا الرقم هو نفسه تقريبا حين كان البنك المركزي يبيع الدولار مقابل السعر السابق.

قرار خاطئ

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي قاسم دحام، ان رفع سعر صرف الدينار امام الدولار قرار خاطئ ولم يحقق أي فائدة اقتصادية حقيقية. وقال دحام لـ “طريق الشعب” ان “تغيير سعر صرف الدولار لم يأت بشيء إيجابي على الواقع الاقتصادي في البلاد باستثناء زيادة الأرباح لبعض اللجان الاقتصادية التابعة للأحزاب المتنفذة في الدولة وبعض السياسيين الذين يسيطرون على مزاد بيع العملة والمصارف الاهلية”. وأضاف انه “مع نهاية السنة المالية اثبتت التجربة وبالدليل القاطع فشلها، نتيجة لارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة والفقر وتراجع فرص العمل حتى في القطاعات غير المنتظمة”. وبيّن السيد دحام ان “الحكومة الحالية تعمل وفق رؤية اقتصادية غير واقعية، وهي خاضعة بشكل مباشر لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”، ودعا إلى مراجعة الورقة البيضاء واعتماد إصلاحات اقتصادية تنسجم مع الواقع العراقي، دون تحميل المواطنين تبعات سوء الإدارة والفساد.

ضرر كبير

ويعّلق الخبير الاقتصادي احمد خضير على هذا الموضوع بالقول “ أن ضرر رفع سعر الصرف بات واضحا ولم يحقق شيئا ملموسا سوى زيادة معاناة الطبقات ألفقيرة والمتوسطة”، مشيرا إلى “انتفاء اسباب القرار مع ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة في البنك المركزي”. وأضاف السيد خضير في حديث لـ “طريق الشعب” ان “القرار حمّل الطبقات ألفقيرة والمتوسطة أعباء الفساد وهدر الأموال وسوء الإدارة ونتائج فشل القوى السياسية الحاكمة في إدارة موارد البلد، في الوقت الذي لم يتضرر فيه أحد منهم بذلك”. ودعا السيد خضير إلى “عودة سعر صرف الدولار إلى وضعه القديم لانتفاء الأسباب مع تحسن أسعار النفط والانتهاء من تسديد تعويضات حرب الكويت”.

وتابع ان “الحكومة تحاول تجميل صورة الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنين من خلال ادعائها تحقيق مكاسب اقتصادية، غير ان الواقع يفيد بأن السوق العراقية مازالت غارقة بالسلع المستوردة والرديئة التي ارتفعت أسعارها عن السابق”، مبينا ان “ أسعار المنتجات المحلية ـ على محدوديتها ـ قد ارتفعت هي الأخرى أيضا، مما يؤكد بان هذا القرار لم يكن مدروساً وإن الهدف الأساسي منه هو الانصياع إلى وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “.

وبيّن الخبير خضير، ان “الاستمرار في هذا النهج الاقتصادي يعني زيادة الأعباء المالية على الطبقات الأكثر تضررا، في ظل عجز الحكومة عن توفير فرص عمل أو تطوير القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية”، ودعا إلى “ضرورة إعادة النظر في سعر الصرف خلال إعداد موازنة العام القادم”.

عقاب للمواطنين

ويرى المواطن محمد علي أمين أن “الدولة اتجهت إلى معاقبة المواطن المرهق ماديا بدلا من رفع مستواه المعيشي، فارتفاع سعر صرف الدولار سيرفع معه نسب البطالة والفقر، وأن كل القرارات التي جاءت بها الحكومة، وآخرها رفع سعر الدولار، كانت سلبية بحق المواطن”.

ويؤكد المراقب للشأن العراقي ضياء الشريفي على أن قرار رفع سعر الدولار مقابل الدينار هو عملية قتل للمواطن ليس أكثر، ومن تبناها كان يريد تدمير الشعب العراقي.

وقال الشريفي في حديث لصحيفتنا إن “قرار رفع سعر الدولار مقابل الدينار تسبب بضرر كبير للمواطنين بقدر يتجاوز جميع ما يقال في هذا الشأن، فالضرر لم يصب الموظفين في قيمة رواتبهم الشهرية فقط بل أصاب السواد الأعظم من المواطنين، حيث أصبح هذا القرار خنجراً في خاصرة الشعب العراقي وتسبب في الغلاء والكساد الاقتصادي وأثر سلباً على قوت شرائح عديدة من الناس”، وتمنى السيد الشريفي “التراجع عن القرار والسيطرة على الأسواق التي أصبحت عبارة عن سلع ومتاجرات دون رحمة بالمواطن البسيط”.

واضاف الشريفي “ لقد كان الأجدر بالحكومة، وهي تقرر رفع سعر الدولار، أن لا تكتفي بالبيانات والتبريرات المستهلكة بل أن تراقب الأسواق والتجار، فما نراه هو عبارة عن حرية مطلقة للتجار واصحاب المحلات في تسعير المواد الغذائية بطريقة جعلت راتب الموظف يفقد ربع قيمته وربما أكثر من ذلك دون أن يتم توفير حاجاته الاساسية”.

تجويع الشعب

وحول الأحوال المعيشية، اكدت المواطنة هدى حسين على ان “أسعار جميع المواد الغذائية والاستهلاكية في ارتفاع مستمر، وخاصة مواد الطحين والسكر والرز والزيت. وقد دفع عدم استقرار الأسواق والشائعات الكثيرة، المواطنين لتخزين المواد في منازلهم خوفا من انباء عن ارتفاع أسعارها”. ودعت المواطنة عبر “طريق الشعب” الأجهزة المعنية إلى “مراقبة الأسواق ومنع جشع بعض التجار”.

عرض مقالات: