اخر الاخبار

يعد قطاع الاتصالات في العراق واحدا من أكثر القطاعات عرضة للفساد وهدرا للمال وانتهاكا لحقوق المستهلك المكفولة وفق القانون. وخلال قرابة عقدين من الزمن على عمل شركات الاتصال داخل محافظات البلاد، لم تتوقف ولو للحظة عن استقطاع مبالغ مالية كبيرة جدا مقابل خدمات سيئة وجودة متواضعة، بل وصل الأمر بها إلى إشراك الزبائن في خدمات لا يعرفون بها وينهبون رصيدهم دون أي رقابة تذكر.

ولسوء خدمات الشركات محدودة العدد والتي تسيطر على السوق في ظل غياب شركة اتصالات وطنية، صارت أعداد شرائح الهاتف النقال المباعة تقارب أعداد سكان البلاد وفق ما يقول مختصون، كون المواطنين يشترون أكثر من شريحة بحثا عن خدمات أفضل مما لديهم، لكن دون جدوى.

قطاع غارق في الفساد

يقول الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، إن قطاع الخدمات عموما في العراق سيئ ورديء، وأن بعض الخدمات صارت معدومة، والمواطنون يعوضون غيابها بجهودهم الخاصة.

ويوضح الهماشي في حديثه مع “طريق الشعب”، أنه “رغم امتلاك العراق للبنى التحتية والإمكانيات المالية الكبيرة، لكنه يعاني من تردي خدمات الإنترنت والسبب الأول في هذه المشكلة هو استفحال الفساد داخل هذا القطاع والتهريب المفضوح لسعات الانترنت. كل هذا يعود إلى عدم جدية الحكومات السابقة في معالجة الملف ومحاسبة الفاسدين”.

ويشدد الهماشي على أن “هيئة الإعلام والاتصالات لا تقوم بواجباتها تجاه شركات الاتصال العاملة في العراق. إن هذه الشركات مدينة بمبالغ هائلة للحكومة، ولا تسددها بسبب تواطؤ متنفذين في الدولة معها. كان يجب أن تقام دعاوى ضدها، وتسحب رخص عملها لكن للأسف نرى أنها مستمرة في العمل، وديونها متراكمة بمليارات الدنانير، ولا توفر أي فائدة لميزانية الدولة”، مضيفا أن “هذه الشركات تتلاعب بالمواطنين وتقدم لهم خدمات مبهمة وباهظة الثمن وتجعلهم يشتركون بخدمات رديئة دون أي حماية للمستهلك”.

الأمر الآخر بحسب المتحدث هو أن “عائدات شركات الاتصال تبلغ حوالي 4 مليارات دولار سنويا يذهب قسم منها لشراء ذمم مسؤولين كبار وتمويل أحزاب فاسدة من أجل تعزيز نفوذها وتثبيت مواقعها وتحقق ربحا هائلا من المبالغ المتبقية. هذا الأمر لم تعالجه الحكومات السابقة ولا نعلم مدى جدية الحكومة الحالية برغم حديثها عن الإصلاح، فهل ستُواجه مافيات الاتصالات التي باتت أكبر من الدولة؟”.

أما بخصوص قانون حماية المستهلك فهو بنظر الهماشي “قانون غير مفعّل كبقية القوانين، مثل قانون التجارة وقانون الرقابة الصحية، والقائمة تطول. إن المشكلة الحقيقية تتمثل بعدم اهتمام الحكومات بالقضية، فهي لا تضع مصلحة المواطن كنهج أساسي لعملها، بل غرقت في أطماع المتنفذين داخل السلطة الباحثين عن زيادة الثروات وتكديسها عبر فسادهم واستغلال مواقع نفوذهم”.

الأمر الآخر المهم الذي أشار اليه المتحدث هو أن “مجمل دول الجوار تقدم خدمات اتصالات وانترنت تفوق ما يقدم العراق بمراحل كبيرة، وكذلك بمبالغ أقل بكثير مما لدينا، بل أن بعضها لا يصل إلى 30 في المائة من المبالغ التي تتقاضاها شركات الاتصال في مختلف المحافظات”.

سرقات مخزية

وعن هذا الأمر، يقول مهندس الاتصالات، عيسى إبراهيم، أن هذه الشركات تقوم بما هو أبشع من مشكلة الخدمات السيئة التي تقدمها.

ويوضح إبراهيم لـ”طريق الشعب”، أن “هذه الشركات تقوم بإشراك الزبائن في خدمات ليست مطلوبة من قبلهم. فعلى سبيل المثال، هم يدفعون الأموال للاشتراك في خدمات الإنترنت الشهري ويجدون أنفسهم مشتركين في خدمات أخرى بعيدة عن الموضوع، وبالتالي يخسرون ما دفعوه ولا يقدرون على استعادته، ولا توجد جهة رقابية حقيقية تحاسب هؤلاء وتوقفهم عند حدهم”.

أما القضية الأخرى بحسب كلام المهندس فهي “إشراك الزبائن في خدمات دون علمهم وإرسال رسائل نصية لهم، تعلمهم كيفية إلغاء الخدمة المعينة بحال عدم رغبة الزبون فيها، وبالتالي أن أغلب الزبائن لا يقرؤون هذه الرسائل النصية الكثيرة والمملة، وبالتالي يصبحون ضحية هذا النوع من الاحتيال ومشتركين بأكثر من خدمة ويصدمون لاحقا باختفاء رصيد بطاقات التعبئة التي تتلاشى بعد لحظات من الاشتراك فيها”.

إلى أين المفر؟

ويتحدث مواطن لديه تجربة مع هذه الشركات مبينا أنه أصبح يمتلك ثلاث شرائح اتصال للشركات الثلاث المسيطرة على هذا القطاع في البلاد، بسبب سوء الخدمة بمجال معين لكل منها.

ويقول بهاء إحسان: أن الخدمات التي تقدمها شركات الاتصال “سيئة وغير مقبولة، وربما تتوفر خدمة واحدة يمكن الاستفادة منها، فعلى سبيل المثال، إحدى الشركات تقدم خدمة إنترنت لا بأس بها، وأفضل من غيرها، والأخرى لديها تغطية اتصال أفضل في مناطق معينة من دون أخرى، وشركة أخرى لديها عروض أفضل من الشركتين الأخريين. لكن لا توجد روح تنافسية تقدم خدمات جيدة”.

ويؤكد إحسان لـ”طريق الشعب”، أن “غياب الرقابة الحكومية وتبعية شركات الاتصال، جعلت منها شركات لا تستطيع الحكومة مواجهتها، الأمر الذي أدى إلى تراجع الخدمات شيئا فشيئا، وبالتالي يضطر العراقيون لاقتناء شرائح الاتصال من مختلف الشركات، لتلبية احتياجاتهم المكانية وظروف عملهم”.

أما مهندس البرمجيات، محمد راضي، فيقول لـ”طريق الشعب”، أن خدمات شركات الاتصال “متشابهة جميعها من حيث المضمون. خدمة الإنترنت المقدمة سيئة للغاية وهي أقل من أن توصف بشبكات الجيل الثالث لأن أفضل سرعة لا تتجاوز 150 كيلو بت/ ثانية. هذا الأمر أدى إلى أن يقتني المواطنون شريحتين وأكثر من أجل تلبية احتياجاتهم”.

ويوضح أن “الكثير من بلدان العالم لديها شركات عالية الجودة، وحتى في البلدان النامية، لأن هذا القطاع ربحي ويبحث عن التوسع وكسب الزبائن، لكن ما يجري في العراق هو نهب منظم، وليس إستراتيجية اتصالات بعيدة الأمد لأنها ليست من مفاهيم العصابات والمافيات والمتنفذين الطارئين على السلطة”، مبينا أن “شركات الاتصال أخلّت بعقودها مع الحكومة ولم تلتزم بالمواصفات الفنية في توفير الخدمات ومن غير المنطقي أن تستمر في عملها”، داعيا إلى “الإسراع في تأسيس شركة اتصالات وطنية وإنهاء ما يجري وتعزيز خزينة الدولة من هذا القطاع المهم”.