اخر الاخبار

ضمن سلسلة الرصد السنوي الذي تقوم به “طريق الشعب” لمناسبة الاقتراب من نهاية العام الحالي 2022، تحدث خبراء اقتصاديون عن مشاكل كبيرة رافقت هذا العام، تمثلت بعدم تقديم الخدمات او تحقيق التنمية رغم ارتفاع أسعار النفط. فيما ينتظر المواطنين اقرار الموازنة الغائبة هي الأخرى عن المشهد، وعدم تحقيق أي خطوة مهمة تعزز الوضع الاقتصادي.

تشوه اقتصادي متعدد الاوجه

بطريقة غير مسبوقة، سجل العراق قبل أشهر مؤشرات اقتصادية “إيجابية” بعدما أكد وزير المالية السابق علي عبد الامير علاوي أنه من المتوقع ارتفاع الاحتياطات النقدية للبلاد إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022، مشيرا إلى أن هذا المستوى يعد قياسيا. وبالتوازي مع هذا الخطاب الحكومي، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 9.5 في المائة خلال 2022 ليكون الأعلى عربيا.

اقتصاديون كثيرون أثاروا أسئلة عديدة عن هذه الأرقام لعام 2022 وعن حقيقة هذا النمو من عدمه.

وجرى التشديد على أن معدل النمو الذي تتحدث الحكومة عنه يعود إلى انتعاش القطاع النفطي بعدما تصاعدت الأسعار وكونه المصدر الوحيد للقيمة المضافة، مقابل تراجع حاد في القطاعات الاقتصادية غير النفطية.

ويقول الخبير الاقتصادي رشيد السعدي، ان الاقتصاد العراقي لم يشهد الاستقرار منذ 2003 وحتى الان، فالبرامج الحكومية ليست تكاملية ولم تشهد التطبيق الجاد على مدار السنوات الماضية. أحيانا تحاول الاحزاب أن تعرقل مسيرة الحكومات وسير تنفيذ البرامج.

ويكشف السعدي خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، عن تفاصيل اقتصادية عديدة بقيت عالقة ولم تحسم في العام الحالي، منها “الخلاف مع اقليم كردستان وما له من أثر كبير، كما أن منافذ حدودية عديدة في مناطق الشمال تصعب السيطرة عليها من قبل المركز، مقابل منافذ أخرى في الوسط والجنوب تشهد عمليات فساد واضحة رغم أنها تحت سيطرة القوات الأمنية”.

ويتطرق السعدي في سياق حديثه الى ما شهده العراقيون بعد “رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار وآثاره السلبية والعكسية على الاقتصاد حتى بلغت مستويات عالية هذا العام”، لافتا الى ان “الحكومة في بعض الاحيان تشير الى تحقيق وفرة مالية كبيرة، وهذا ليس بإنجاز يذكر، فهو في الحقيقة ناتج عن زيادة سعر النفط العالمي والذي نتج عن زيادة واضحة في المدخولات النفطية، حققت هذه الوفرة”.

ويرهن الخبير أي نجاح اقتصادي بـ”رسم برامج حكومية اقتصادية جادة، شرط أن تعتمد على الانتاج الداخلي وليس الريع النفطي وحده. فعندما تتنوع مداخيل المنتج الوطني مثل الصناعة والزراعة والخدمات والسياحة، سيكون هذا هو النجاح المطلوب، لكن ذلك لم يحصل أيضا على مدار هذا العام”، مضيفا أن “المواطنين من ذوي الدخول المحدودة يواجهون سياسة اقتصادية غير مدروسة بشكل كامل، تحملوا تبعاتها، بينما نأت الحكومة بنفسها عن هذا الاخفاق، وأصدرت قرارا أعفيت بموجبه 200 مادة من الرسوم الكمركية، واوقف العمل بالحماية للمنتج المحلي، وهذا بالحقيقة اثر تأثيرا كبيرا جداً. نعم، نحن ننادي بفتح الاستيراد ولكن بضوابط ومحددات”.

ويمضي بالقول: “لم تحسم الحكومة خلال هذا العام المشكلة مع شركات الهاتف النقال التي في ذمتها مبالغ كبيرة، وكذلك الحال مع إقليم كردستان وما على حكومته من مبالغ كبيرة جرّاء تصدير النفط والرسوم والضرائب الخاصة بالموانئ البرية والبحرية والمنافذ الحدودية ورسوم المرور وغيرها”.

بلد بلا موازنة عامة

ويقول الخبراء إن أسبابا كثيرة عمقّت الازمات الاقتصادية ومنعت العراقيين من الاستفادة من العائدات المالية التي تحققت بعد ارتفاع أسعار النفط، منها عدم إقرار الموازنة الاتحادية. ويقف سبب آخر مهم بهذا الشأن، مفاده بأن عدم الاستفادة من الوفرة المالية يعزى لعدم نمو الاقتصاد الإنتاجي داخل البلاد، وهو ما يعد المحرك الرئيسي للنمو الداخلي بسبب توفيره فرص العمل.

ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد خضير، أن من المعيب أن يتحدث نواب في اللجنة المالية ومسؤولون حكوميون عن الوضع الجيد للعراق في ظل ارتفاع أسعار النفط وتغطيته الخلل في تشريع الموازنة.

ويوضح خضير لـ”طريق الشعب”، أن “المشكلة الكبيرة في غياب الموازنة في العام الحالي لم تكن برواتب الموظفين مثلما جرى التحذير، بل في مشاريع البنى التحتية التي غابت، مثل بناء المدارس. هنالك حاجة لبناء ما لا يقل عن 10 آلاف مدرسة، ويوجد 500 مدرسة كان من المفترض أن يتم الشروع فيها خلال عامي 2022 و2023”.

وإضافة إلى هذا، يبيّن المتحدث أن “مشاريع مهمة في الكهرباء والطرق والجسور والمستشفيات والمراكز الصحية في الأرياف، بقيت حبرا على ورق، فضلا عن المناطق المحررة التي تنتظر إعادة إعمارها. كل هذا يجري ويتحدث بعض النواب عن (انتصارات) حكومية بعد تأمين الرواتب، وهذا تعبير واضح عن مدى التخبط”.

“أما نسبة الفقر خلال العام الجاري، فقد ارتفعت إلى 25 في المائة بحسب مصادر رسمية، فيما اعتبرت الحكومة أن إقرار قانون الأمن الغذائي والتنمية سيعالج هذه المشكلة من خلال التخصيصات المالية لكن شيئا لم يتحقق”، وفق قول خضير، إضافة إلى أن مآخذ كثيرة على اختفاء أموال أو عدم وضوح في مبالغ كبيرة ضمن هذا القانون الذي أصبح بمثابة موازنة مصغرة.

حكومة مقيدة ووفرة بلا فائدة

من جانبه، يقول حكمت الدقاق، النائب الأول لرئيس غرفة تجارة بغداد، إن الحكومة في سنة 2021 كانت مقيدة لأنها مرت بفترة انتخابات، مع غياب الموازنة وحصر الصرف بأمور محددة مثل المواد الغذائية وبعض المسائل الخدماتية الملحة.

ويشير الدقاق خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إلى أنه خلال العام الحالي حصل العكس تماما، حيث جاءت إلى الحكومة وفرة مالية هائلة نتيجة ارتفاع أسعار النفط إلى حدود 110 دولارات، فنمت وارداتها إلى حوالي 100 مليار دولار، فيما ارتفع مخزون الذهب، بينما لم يحظ المواطنون بأي شيء أيضا، لأنها كانت حكومة مقيدة وبلا صلاحيات.

ويرى المتحدث، أن مشكلة أخرى حصلت في غضون ذلك وهي “الارتفاع الهائل في أسعار العقارات في مناطق الكرادة والمنصور واليرموك ومثيلاتها، وتأثير هذا الارتفاع على المناطق الأقل أهمية، وذلك بسبب أشخاص وظفوا أموالا مختلسة أو مجهولة المصدر ومشبوهة في هذا الميدان، وبالتالي تضررت المناطق الفقيرة بالتوازي مع زيادة أعداد الفقر في 2022 وقلة المعالجات الاجرائية الاقتصادية”.

ويؤكد النائب الأول لرئيس غرفة تجارة بغداد، أن “الوفرة لم توجه صوب خدمة الطبقات الفقيرة، والدولة لم تقدم أي شيء سوى إدارتها بعض الأمور من منطلق روتيني، بينما غابت تماما وكأنما كانت غير موجودة في عام 2022 بسبب المشاكل السياسية، وما نتج عنها من تفاصيل كثيرة جدا”.

وتواصل الفساد على قدم وساق خلال عام 2022، بينما اكد مختصون أن جزءا منه مرتبط بنسب الفقر في البلاد وسوء التخطيط الاقتصادي ولم تجر معالجته بشكل حقيقي، بل أن جميع ما تم الكشف عنه هو بمثابة أبرة في كومة قش.