يعيدني الاحتفال بعيد المرأة العالمي إلى أواخر الستينيات، يوم أخذتني الدهشة وأنا أرى صبايا ونساء يقتحمن الصعاب، ليتبوأن مكاناً يمنح الوطن ألق التقدم ويقّي أحلامه من الضياع ويوقد لناسه شموع الفرح، فتبدد ما كان يثقلني من قيم قبلية، حملتها معي من أعماق الريف، قيم ترى في النساء كائنات قاصرات.

كانت الشيوعيات والشيوعيون في طليعة من أوقد تلك الشموع، وأبقي الأفق مشرقاً بأفكار دائمة الخضرة. إقتربتُ من تلكم الأفكار وأنتميت لمسارها العذب، فتعلمت أن لا حرية للمجتمع دون حرية النساء فيه. وإن أول الغيث يكمن في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، في توفير فرص العمل للنساء وإجتثات العنف ضدهنّ وتجريمه ومنع تكًيفه بأية أردية كانت، في ضمان حق المرأة بإتخاذ القرار، في نيلها لمواقعها الطبيعية بجميع مؤسسات الدولة، في حماية منظماتها الاجتماعية والخدمية، وضمان حريتها في التعبير والاجتهاد والابداع الفكري والثقافي.

وتعلمت أن قضية المرأة قضية طبقية بإمتياز، مذ تعرضت في الرأسمالية لاستغلال مزدوج، فبينما ينهب المستغلون ما تنتجه من فائض القيمة، كما هو الحال مع الرجل المنتج، يجري إهمال وأحياناً الحط من قيمة عملها الإنجابي والمنزلي. إنها قضية ترتبط بتوزيع عادل للموارد، يضمن قدرة النساء على إعالة أنفسهن بأنفسهن، وتأمين حصتهن كاملة في الرفاهية والأجر المتساوي.

إنها ليست مدخلاً للتعبئة وأداة للدعاية وتمرداً عبثياً على المألوف، بل هي قضية الإنسان، حين يُضطّهد ولا يجد عدلاً. إنها ليست قضية نواد اجتماعية، تعلم الفتيات الحياكة والتطريز، ولا جمعيات خيرية توزع عليهن المنح والعطايا، وليست أمراً تختص به النساء لوحدهّن، ويرى فيه الرجال شغلاً نسوياً لا يتناسب والشوارب المفتولة.

وتمضي السنون، ويبقى اليساريون ثابتين في النضال، ليس لتحقيق ما تقدم، بل وأيضاً في مواجهة اليمين الذي يهدد المساواة بين الجنسين، ولا يعتبر العنف ضد المرأة ميداناً للنقاش السياسي، ويدعو علناً لقوننة الدور التقليدي للأنثى، و تأبيد تبعيتها الاقتصادية للرجل، مما يفقدها استقلاليتها أثناء فترة النشاط العملي وفي الشيخوخة، ويجهد لعرقلة أي تشريع يجّرم العنف الأسري، ويسعى  لإبقاء النساء غير مباليات سياسياً وتخريب وتدجين منظماتهن الاجتماعية وتغييب وعيهن أو توجيهه بما يخدم استسلامهن للواقع والتعامل بسلبية شديدة مع كل ما فيه من قمع وتمييز. ولهذا صارت عبودية النساء في العالم أسوأ في ظل العولمة الرأسمالية المتوحشة، حيث تموت سنوياً 700 ألف سيدة بسبب مشاكل الحمل والولادة، ولا يخصص لحماية صحة النساء أكثر من 1 بالمائة من دخل البشرية فيما تُحرم ملايين الفتيات من التعليم.

وفي العراق، ورغم كل الادعاءات الجوفاء، فقد اشتد التمييز ضد المرأة، حيث سجلت السنوات الماضية تزايداً مريعاً في مأسي العنف ضد النساء، وصل حد ذبحهن كالنعاج. كما تدنى مستوى المشاركة السياسية للمرأة، وكاد أن يغيب دورها في الحياة الثقافية والإجتماعية، فيما اتسعت الفجوة بين حصتها وحصة الرجل من الدخل القومي، إذ تعيش أكثر من 20 بالمائة من النساء تحت مستوى الفقر، ولايحصلن الا على خمس ما يحصل عليه الرجال من نشاط اقتصادي، وتصل نسبة من هنّ خارج قوة العمل إلى 80 بالمائة، بالإضافة إلى تفشي الأمية الأبجدية والثقافية في صفوف ثلثي النساء وزيادة عدد الأمهات القاصرات ليصل إلى مليون طفلة، وحيث يعاني 7.5 بالمائة من الأطفال من سوء التغذية و16.6 بالمائة من نمو غير طبيعي، وتزداد بشكل مخيف اعداد المطلقات.

ورغم هذا، يتواصل الكفاح، وتتجدد الثقة بأن الغد أبهى وأجمل، مهما بدت الليالي حالكة والخراب شاملاً، ما دمنا نعرف إلى أين المسير.

عرض مقالات: