اخر الاخبار

أن تكون كريماً يعني أن تفرش للضيف الأرض رياحين محبّة بقدر ما تستطيع، دون أن تذبل تلك الرياحين وتذروا المحبّةَ رياحُ اللامبالاة.

قبل أيام قرأتُ تقريراً للأمم المتحدة ذكرتْ فيه الدول التي جاءت في الصدارة في هدر الطعام الفائض عن الحاجة ورميه في المزابل ، حيث جاء العراق في المركز السادس على مستوى العالم في معدّل هدر الطعام لكل شخص، والبالغة كميّته ( 6 ) ملايين طن سنوياً ، أي بمعدّل 143 كغم لكل شخص. وجاء في التقرير أيضاً ان من المتوقّع أن تصل كميّة الطعام المهدور إلى 7 ملايين طن سنوياً، بسبب عدم وجود سياسات فعّالة لتقليل كميّة الطعام المهدور!

حينها تذكّرت قصّةً قرأتها ذات يوم تقول أن أحدهم ذهب إلى فندق لإقامة حفل زفاف ابنه فيه، وحين سألهم : أين تذهبون بالطعام المتبقي بعد الحفل كان جوابهم : إلى المزبلة!

عندها أصرًّ الأب على تحديد كميّة الطعام وجعلها مساوية لعدد المدعوين تماماً، قائلاً لهم : إذا بقي فائض بعد هذا فارسلوه إلى الفقراء أو الى الجمعيات الخيرية لتوزعه على المحتاجين، الذين لا يحصلوا على ما يسدُّ رمقهم من القوت اليومي بشكل كامل، وبهذا نكون قد وفّرنا على أنفسنا تعب رميه مع النفايات أولاً، واستفدنا منه بشكل كامل وحقيقي ثانياً.

فتساءلتُ مع نفسي : لماذا لا نفكّر بالفقير ساعة استرخائنا وحين نطبخ ونقيم الولائم والعزائم ثم  نرمي أطناناً من الطعام المتبقي في المزابل، فترتفع تلال القمامة في كل مكان باعثةً الروائح العفنة وجالبةً الذباب والبعوض والجراثيم والأمراض، فنادي ان أنقذونا منها ، دون أن نعي أننا السبب الرئيسي في كل هذا الخراب!

قد يقول لي أحدهم : الخير كثير فما لك بهذا الكلام ؟ فأجيبه ان نعم، الخير كثير، لكن الفقراء والجوعى أكثر، وإذا زاد الخير فهل علينا أن نبعثره ونبدّده هنا وهناك ، بدلاً من مساعدة بعضنا، وبناء بلدنا اقتصادياً واجتماعياً بشكل أقوى وأكبر، وجعله خاليا من الفقراء والمعدمين؟

صحيح جداً اننا نحن العراقيين كرماء ، ولكن الكرم لا يعني التبذير والإسراف في كل شيء، لنجد انفسنا بين أعلى الدول في هدر الطعام فيما فقراؤنا يجوبون الشوارع وحتى المزابل بحثاً عن كسرة خبز!

علينا أن نحدّد ونقنن ما نستهلك من طعام، وحذار من ان نكون من المبذّرين!

فاهدارٍ الطعام يضعنا في خانة اللامبالين إزاء ما يقع من مجاعات وحروب. ووقفة قصيرة عند تقرير الأمم المتحدة المذكور، تفرض علينا ان نعيد حساباتنا ونضع كل شيء في ميزان السياسة المعيشية التي يجدر أن نسير على هديها، كي لا نضيع ونكون سببا في هدر ثرواتنا وإيقاع الضرر باقتصادنا والأذى بالمحتاجين من أبناء شعبنا..

عرض مقالات: