اخر الاخبار

تواجه أنهار العراق، منذ سنوات، تلوثاً كارثياً ظاهرا للعيان، وذلك لأسباب عدة، أبرزها رمي مياه الصرف الصحي والنفايات الطبية والمخلفات الصناعية، في الأنهر الرئيسة، الأمر الذي يفاقم الأزمة المائية المستفحلة في البلاد.

ففي هذا البلد الغني بالنفط الذي يستهلك إنتاجه الكثير من المياه، يرتفع خطر التلوث مع التزايد المطرد لشحّ المياه نتيجة الجفاف والتغيّر المناخي وانعدام العدالة في توزيع الحصص المائية بين بلاد الرافدين ودول الجوار المتشاطئة معها. ويزداد تركّز التلوث في الأنهار توازياً مع انخفاض مناسيب المياه.

وكثيرا ما يؤكد مسؤولون عبر وسائل الإعلام، أن المؤسسات الحكومية نفسها تقف خلف جزء من تلوث الأنهار، فيما تكافح السلطات الاختصاصية لمواجهة هذه الآفة التي تهدّد الصحة العامة. ويحصل نحو نصف سكان العراق فقط على مياه صالحة للشرب - وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.

أمر خطير وكارثي

المتحدّث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، يقول في حديث صحفي ان “الغريب في موضوع تلوث أنهار العراق، هو أن غالبية المؤسسات الحكومية تقوم بهذا التلوث”، مبينا أن “من بين هذه المؤسسات دوائر المجاري. فهي تقوم بإلقاء كميات كبيرة من مياه المجاري في نهري دجلة والفرات، من دون أن تمرّ بمعالجة تامة أو بعد معالجة بسيطة”.

ويضيف قائلا أن “غالبية المستشفيات القريبة من النهر تقوم بإلقاء فضلاتها وتصريف مياه الصرف الصحي الناتجة عنها، مباشرة في النهر، وهذا أمر خطير وكارثي”.

وتتسبّب المنشآت الصناعية كذلك في تلّوث المياه، بينها مصانع للمواد البتروكيميائية ومحطات لتوليد الطاقة الكهربائية، إضافة إلى الأنشطة الزراعية التي ينتج عنها ماء البزل. فهذا الماء يعاد مباشرة إلى النهر بالرغم من احتوائه على سموم مرتبطة بالسماد الزراعي – حسب المتحدث باسم الوزارة.

ويرى شمال أنه لمواجهة هذا التلوث، أصدرت الحكومة توجيهات بـ “عدم إقرار أي مشروع في حال عدم ارتباطه بمحطة لمعالجة المياه”.

ضعف الوعي العام

في الشأن ذاته، يقول المتخصص في نظافة المياه في منظمة اليونيسف، علي أيوب، ان “البنى التحتية غير الكافية والقوانين المحدودة وقلة الوعي العام، هي من العوامل الرئيسة المؤدية إلى التدهور الكبير في جودة المياه في العراق”، مشيرا في حديث صحفي إلى أن “ثلثي مياه الصرف الصحي الصناعي والمنزلي، ترمى في الأنهار من دون معالجة. وتصل كميتها إلى 6 ملايين متر مكعب في اليوم”.

ويظهر هذا التلوّث المأساوي بالعين المجرّدة. وأبرز مثال على ذلك نهر ديالى. ففي جزئه المار شرقي بغداد، ترمى يوميا كميات هائلة من مياه الصرف الصحي التي تطرح من محطة مجاري الرستمية، ما جعل مياه النهر خضراء ملوّثة تفوح منها رائحة كريهة خانقة.

ويؤكد أيوب أن “الحكومة أبدت التزامها بتحسين جودة المياه”، لافتا إلى ان وزارة الإعمار والإسكان وضعت خطة لثلاث سنوات تهدف إلى “تعزيز منظومة المياه والصرف الصحي، بما في ذلك مراقبة جودة المياه، لتوفير مياه الشرب الآمنة”.

محطات معالجة

وساهمت يونيسف، بالشراكة مع السلطات العراقية، في إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في مجمع مدينة الطب. وافتتحت في المرحلة الأولى من المشروع 3 محطات سعة كل واحدة منها 200 متر مكعب في اليوم – وفق رئيس دائرة المشاريع في مجمع مدينة الطب، المهندس عقيل سلطان سلمان، الذي يؤكد في حديث صحفي أنه “سوف يتمّ بناء 4 محطات أخرى سعتها 400 متر مكعب، وذلك في غضون شهرين، موضحاً أنه “بعد معالجة المياه يتم الاستفادة منها لسقي الحدائق وتعزيز خزانات منظومة إطفاء الحرائق”.

وكانت مياه الصرف الصحي الناتجة عن مدينة الطب، تضخّ عبر شبكات الصرف الصحي مباشرة إلى إحدى محطتي معالجة المياه الحكوميتين الرئيستين في منطقة الرستمية شرقي بغداد - وفقا للمهندس.

التلوّث في الجنوب أعلى

في جنوب البلاد، ترتفع معدلات التلوث أكثر. إذ يلجأ السكان إلى شراء المياه المعبأة ومياه الـ”آر أو” للشرب وإعداد الطعام، لأن ماء الإسالة الذي يصل إلى بيوتهم غير صالح للاستهلاك البشري.

ويقول المواطن حسن زوري (65 عاماً)، وهو من محافظة ذي قار، أن “مياه المجاري تصب في النهر مباشرة، وماء الإسالة يصلنا ملوثا”، مبينا في حديث صحفي أنه “سابقاً، كنا نشرب ماء النهر ونغتسل به ونستخدمه في الزراعة، أما الآن فنحن نشتري ماء الشرب”.

وما يزيد الأمر سوءاً هو تفاقم الجفاف مع انخفاض معدلات الأمطار، وتراجع مناسيب مياه نهري دجلة والفرات، جراء السدود التي بنيت في دولتي الجوار تركيا وإيران، رغم اعتراضات بغداد.

وفي هذا الشأن يؤكد المتحدث باسم وزارة البيئة أمير علي حسون أن “نسب المياه التي ترد إلى الأراضي العراقية انخفضت إلى حدّ كبير، وهذا ما يزيد من تركّز التلوث في المياه”.

وكانت السلطات تضخّ سابقا كميات إضافية من المياه لتنظيف المخلفات الملوّثة وتخفيف الضرر. لكن ذلك غير ممكن حالياً في ظل الجفاف والحاجة الماسة للحفاظ على المخزون المائي الاستراتيجي.

تفعيل القوانين البيئية

إلى ذلك، يشدد الناشط البيئي صميم سلام على “أهمية تفعيل القوانين البيئية ومحاسبة كل المتجاوزين على الأنهار، مع توعية وإرشاد المواطنين باستخدام المياه بالشكل الأمثل للمساهمة في خفض التلوث”.

ووفقا لأمير علي الحسون، فإن الحكومة، ولمكافحة تلوث المياه، تراهن اليوم على “عملية تغيير سلوك الفرد العراقي من خلال تعظيم جهد التوعية”، لكنه يؤكد أن هناك أيضاً “رقابة صارمة” على الأنشطة الصحية، موضحاً انه “نفرض على جميع المستشفيات وضع وحدات معالجة لمياه الصرف الصحي”.

ويأمل حسون أن يكون عام 2024 العام الذي تتوقف فيه كل التجاوزات البيئية الناجمة عن الأنشطة الصحية.